وجهات نظر

ترامب والعرب

لقد نسيَ كثيرٌ من المحلّلين السياسيين، وهم يروْن في انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، أنّ هذا الرّجل لن يكون أبدًا حليفًا للعرب ومناصرًا لقضاياهم العادلة. وقد استغربت جريدة "نيويورك تايمز" مواقف النُّخب العربيّة التي تحمّست للتّصويت لترامب، خصوصًا في ولاية ميشيغان، اعتقادًا منها أنّه يمثّل نقيض الحزب "الديموقراطي" المعادي للمقاومة الفلسطينية، والحال أنّ ترامب لن يكون أبدًا أقل سوءًا من "الديموقراطيين" في مواقفه الإستراتيجيّة ضد القضيّة الفلسطينيّة وما يرتبط بها من فكرٍ أو ممارسةٍ للمقاومة.

ترامب والعرب

ذكرت الجريدة الأميركية أنّ خطاب ترامب في حملته الأخيرة قد ركّز، في الجانب المتعلّق بالصّراع العربي الإسرائيلي، على فكرة تقويض المقاومة بخلق ما أسماه "فضاء القوّة"، القائم على ثلاثة أسُس متقاطعة: أولها، الضّغط الأقصى على إيران بزيادة العقوبات عليها وتقليص مبيعاتها النّفطيّة بهدف إنهاء دعمها لما أسماه الجماعات المسلّحة في الشّرق الأوسط. ثانيها، تحجيم قدرات المقاومة من خلال العمل السّريع على استئصال كلّ أسباب وجودها المادي والمعنوي. ثالثها، تمكين إسرائيل من نَفَسٍ جديدٍ على أساس مدّها بالقوّة اللّازمة. وكان يقصد هنا، من دون الإشارة إليه مباشرةً، تأهيل إسرائيل لبسط هيمنتها على كلّ دول المنطقة، وليس على فلسطين فقط.

رؤية ترامب في التوازن بين القوة العسكرية والديبلوماسية الاقتصادية ليست إلاّ مدخلًا لتوطيد الكيان الإسرائيلي

في السّياق عينه، وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يعتبر ترامب الصّين حجر عثرة لتحقيق "فضاء القوّة" في المنطقة. لذلك، أبدى في حملته الانتخابية مواقف حازمة تجاهها، مستندًا إلى سياسته السّابقة خلال ولايته الأولى، حتّى لا يتسنّى لها توسيع نفوذها في الشّرق الأوسط من خلال مبادرة "الحزام والطّريق". ولذلك أعلن أنّه مع بداية 2025 سيتبنّى سياساتٍ صارمة لمواجهة توسّعها وتقديم بدائل استثماريّة للدول العربيّة لتقليل اعتمادها على الاستثمارات الصّينيّة، فضلًا عن تعزيز نفوذه العسكري في نقاط استراتيجيّة لضمان "فضاء القوّة" وتحصين مصالح أميركا وإسرائيل. وهذا ما جعله يعلن عن فرض قيودٍ أو عقوبات على الشّركات الصّينيّة العاملة في الشّرق الأوسط؛ مثل التكنولوجيا والاتّصالات.

إنّ رؤية ترامب في تحقيق التوازن بين القوة العسكرية والديبلوماسية الاقتصادية في المنطقة، ليست إلاّ مدخلًا ماديًا لتوطيد الكيان الإسرائيلي وجعله ملحقًا سياسيًّا واقتصاديًّا يُعجّل بتحقيق خريطة الشرق الأوسط الجديد التّي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال خطابه في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة. حيث أظهرت الخريطة الدّول التّي تربطها اتّفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرامها، مثل مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، والسّعوديّة. ولم تشمل الخريطة أي ذكر لدولة فلسطين، حيث طغى اللّون الأزرق، الذّي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفّة الغربيّة المحتلّة كاملة، بما فيها قطاع غزّة.

استطاع ترامب أن يستقطب النّاخبين العرب والمسلمين مع انخراط أصوات عربية في الدعاية له غافلين عن وجهه الحقيقي

هنا ينبغي التّذكير بأنّ خطط تحقيق هذه الخريطة، كانت بتدبير ترامب خلال ولايته السّابقة الّتي مهّد لها بالاعتراف بالقدس كعاصمةٍ لإسرائيل ونقل السّفارة الأميركيّة إليها، من دون أيّ اعتبار للاستياء الكبير الذي عبّرت عنه الأوساط العربيّة والإسلاميّة. ومع ذلك، استطاع ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة، أن يستقطب أصوات النّاخبين العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان مع انخراط الكثير من الأقلام والأصوات الإعلامية العربيّة في الدّعاية له، غافلين أو متغافلين عن الوجه الحقيقي لترامب.

هل هو سحر رجل الأعمال اللّبناني مسعد بولس والد زوج تيفاني ابنة ترامب، الذي لعب دورًا محوريًا في التواصل مع الجالية العربيّة الأميركيّة، إذ استغلّ حالة إحباط النّاخبين العرب والمسلمين تجاه سياسة الحزب "الديموقراطي" الدّاعم للعدوان الإسرائيلي؟ أم أنّها حالة عربيّة استثنائيّة تُعبّر في أكثر من جانب عن واقع شّخصيّة عربيّة باتت تحتاج إلى أكثر من دراسةٍ وتحليل!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن