بصمات

المرأة العربيّة.. والانتكاسة الدراماتيكيّة

توجد أشياء كثيرة للكتابة عن المرأة العربيّة، تُقرّبها من كل الأحداث الكبيرة في مدى عقدَيْن من السنوات، وتسهم في فهم معاناة ميراثٍ من الآلام والجروحات والكسورات وظاهرة تاريخيّة في المشرق العربي وحاجته الدّائمة للمرأة.

المرأة العربيّة.. والانتكاسة الدراماتيكيّة

صاحبة السّيرة الأقل تقديرًا مما تستحقّ، الاكتشاف المذْهل في حجم تضحياتها الصّلدة والقائمة على أسسٍ متينة وبشكل خاصّ وخطر وحساس في آنٍ واحد، ومحل جدلٍ ونقاش وصدام مع واقع منطقة أليم وفي فوضى لا توصف.

كيف هي حال المرأة العربية، والتعاملات التي تتلقّاها في حروب ونزاعات داخلية، تشكّل قصة خيبة كاملة من نسخة، قيل ٳنّها أكثر حداثة؟

وجه المرأة يعكس كل ما يجري بشكلٍ واضحٍ على صعيد استقرار وأمن البلاد، ويحتوي على الموضوعات المعقّدة في مجتمعاتٍ مختلفة. ضحيّة ما يُصنع من أولئك الذين يقودون الحروب. هي تناضل من أجل الحرّية وتنتقل بكل حِمْلها، وتكتب رواياتها التي تجسّد كل ما تكرهه من تلك الأمور التي يتمتّع بها الأقوياء، وقد تكون كارثيّة.

المرأة في المشرق العربي تشكّل اليوم سجلًا حضاريًّا لكل جروحات الذّات الإنسانيّة

ٳنّه الدرس المُستخلص في السنوات الأخيرة. المرأة وحدها في هذه الحال، الأكثر تعرّضًا للحرب والأشكال المقنّعة والتمييز والأوليغارشية الإراديّة، التي لا تتوقّف عن وضع العصي في عجلات ممارسة الحكم الأفضل ولعبة تحطيم كل شيء في المدينة العربيّة الحديثة، الفضاء البيئي، النّسوي، التطوّر الاجتماعي، الأنوثة، الفضاء الديموقراطي، وفكرة المساواة. صورة عن واقع المجتمع العربي بعد عشرين عامًا من الانفتاح، الذي يواجه مشكلات لا يتم تجاوزها لصالح صورة مبدعة للمرأة الهجوميّة.

المرأة التي تريد أن تكون قويّة، غير الأنثى السلبيّة على وهنٍ ورثاء، وما يستتبعها من نظرةٍ داكنة، ٳذ سرعان ما تسيطر الطبيعة الذّكوريّة للنظام. صفحات طويلة من المحظورات على اللباس والعمل والمنازل والميراث والتعليم، يقود فيها الناسَ قصيرو النظر. يتركونهم معلّقين في ضياعهم، يساورهم القلق والخوف واليأس.

المرأة في المشرق العربي تشكّل اليوم سجلًا حضاريًّا لكل شؤون وجروحات الذّات الإنسانيّة، المقيّدة بشبكةٍ من النُظم الفكريّة والدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة. تأتي المرأة اليوم من أمكنةٍ أخرى، من ذلك القلق الجذري النسوي، من جسمها المعذّب، حواسها، بيتها المدمّر، من فجوة الحريّات والأمن والميتات المتعاقبة. هي الواقفة بكل عزلاتها خلف الجدران. في كل مكانٍ عربي يتمّ تشييد الجدران.

هذا الطعم بالخيانة من قبل المجتمع المدني والدولي وعالمٍ من التأهيل الرّجعي والسلطوي، الذي لا يعطيها حياةً جديدة. تقرع وتقرع ولا يسمعها أحد في حياة كاسرة وغاضبة وظالمة. وجهها يتبرّج بالتّراب والدّمار، عيناها اللامعتان بالدّمع والدّم. أصبحت فلسطين ودمشق وصنعاء وبيروت والخرطوم وطرابلس الغرب وتونس... غرفة انتظار الحياة الأخيرة. عاد الجحيم وبشكلٍ مهين هو الٳقليم كله. هذا يعني أنّ الأجزاء المختلفة من هذا النسيج الواحد الشاسع، ليس لها عناصرها الحداثيّة التي تخصّها وحدها، وتشكل هويّتها من منطلقاتٍ ذات أفضليّة اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة.

النّضال من أجل تحرير المرأة العربيّة جزء لا انفصال له عن النّضال من أجل الإصلاح العميق للعالم

ميزتان أساسيّتان مكوِّنتان لماهيّة الشرق على تشابكه المعقّد، الشّعور النّوعي بالعروبة، وما عاد يجري تحديده ولا طرحه بشكلٍ جيد وحيويّة نشطة وعميقة، والميزة الثانية التقاطع والعلاقة مع الغرب في مستوياتٍ مباشرة، وأكبر حجمًا لامرأة كتبت شعارات الانفتاح على جبينها وعباءاتها.

أكثر الصدامات والاختلالات اليوم يتسببّ بها غياب الأُسُس التعدّديّة الدائمة والجوهريّة التي شكلت اسمَيْ شرق وغرب. هذه العالمية تجعل عنصر المرأة جوهريًّا ملتزمًا بالعصب. لذلك كان النّضال من أجل تحرير المرأة العربيّة جزءًا لا انفصال له عن النّضال من أجل ذلك الإصلاح العميق للعالم وسط تقاطع طرق مرعب مع امرأة انخرطت في طموحٍ فكري وأكاديمي ونضالي وأدبي وفنّي وسمات وومضات وإشارات وآفاق تقترب من انتصارٍ للقيم العليا ولفضائل الٳنسان. وهي اليوم في وضعيّة مؤلمة وانتكاسة دراماتيكيّة، وهي رسالة موجّهة إلى بقيّة العالم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن