وجهات نظر

عن العمل العربي الإسلامي الموحّد.. و"عدالة القضيّة"!

بحساب النقاط لا الضّربة القاضيّة، يمكن النّظر الى القمّتَيْن المنعقدتَيْن في الرّياض باعتبارهما خطوة على طريق مأمول. والمعنى أنّ كل قمّة منهما قد أحرزت هدفًا، أو مشروع هدف على الأقلّ، فإذا تحقّق لنا من كل قمّة هدف مماثل أو شبيه، فسوف تتجمّع لنا في آخر المشوار مجموعة من الأهداف المُحقّقة، وسوف يكون ذلك سبيلًا إلى عمل عربي موحّد نحن أحوج ما نكون إليه.

عن العمل العربي الإسلامي الموحّد.. و

كانت القمّة الأولى في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الماضيّة، وكانت قمّة عربيّة إسلاميّة مشتركة، وكان عدد الدّول الحاضرة بالتالي يضمّ الدّول الأعضاء في جامعة الدّول العربيّة، ومعها الدّول الأعضاء في منظّمة التعاون الإسلامي. ويكاد حاصل جمع الدّول الأعضاء في المنظمتَيْن يصل الى ستّين دولة. وليس سرًّا أنّ منظّمة التّعاون هي المنظّمة الأكبر في العالم بعد منظّمة الأمم المتحدة من حيث مجموع عدد الدّول الأعضاء.

في تلك القمّة، صدرت قرارات وتوصيّات كالعادة، غير أنّ التوصيّة التي أثبتت التجربة أنها الأهم كانت تشكيل لجنة وزاريّة عربيّة إسلاميّة، يرأسها الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيّة السعودي، وتضم عددًا من وزراء خارجيّة الدّول الأعضاء في المنظمتَيْن.

تصويت ١٤٣ دولة لصالح الاعتراف بفلسطين كان في جانبٍ منه ثمرةً سياسيةً من ثمار سعي اللجنة العربية الإسلامية

على مدى سنة من القمّة الأولى في ١١ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٢٣ إلى القمّة الثانية في ١١ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٢٤، راحت اللجنة الوزاريّة العربيّة تطوف عواصم صناعة القرار في العالم، وكانت تضع أمام صانع القرار ما يجب أن يُحاط به عن القضيّة في فلسطين بوصفها القضيّة الأمّ في المنطقة، وكذلك كانت تضع أمامه ما قد يغيب عنه بشأن الحرب الإسرائيليّة الوحشيّة على الفلسطينيّين في قطاع غزّة. ولم تكن الحرب على لبنان قد بدأت بعد لتضاف إلى ما كانت اللجنة تعمل عليه، أو أنها بالكاد بدأت عندما كان التّحضير للقمّة الثانيّة في مراحله الأخيرة.

أمّا لماذا كان قرار تشكيل هذه اللجنة هو الأهم، فلأن نتيجة جهدها ظهرت عندما انعقدت الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول للنّظر في طلب الاعتراف بدولة فلسطين.

أظهرت نتيجة التصويت في الجمعيّة العامّة أنّ ١٤٣ دولة صوّتت لصالح الاعتراف بفلسطين، وهذا العدد يمثّل غالبيةً كبيرةً في منظّمة الأمم لا مجرّد أكثريّة، لأنّ مجموع عدد الدول الأعضاء في الجمعيّة العامّة ١٩٨ دولة.

كان هذا في جانبٍ منه ثمرةً سياسيةً من ثمار سعي اللجنة، وكان انتصارًا للقضيّة في فلسطين حتى ولو بقي انتصارًا رمزيًا أكثر منه انتصارًا عمليًا على الأرض، فمن شأن انتصار كهذا أن يراكِم مع غيره، وأن يؤدي التراكم إلى الانتصار العملي لا الرّمزي أو المعنوي.

وحين دعت المملكة العربيّة السعوديّة إلى القمّة الثانية في اليوم عينه من العام التالي للعام الذي شهد القمّة الأولى، فإنّ ذلك كان من دواعي الفأل الحَسَن، لأن القمّة الثانية باركت سعي لجنة القمّة الأولى، ثم دعتها الى أن تواصل ما بدأته إلى نهايته.

دعت القمّة الثانية لجنة القمّة الأولى إلى ذلك، ثم صدر عنها ما يمكن أن يوضع إلى جوار اللجنة الوزاريّة فلا يقلّ عنها أهميّة ولا حيويّة.

فمن بين قرارات وتوصيّات ضمّها البيان الختامي للقمّة الثانية، كان هناك بند يقول إنّ العمل في مرحلة ما بعد انعقاد هذه القمّة سوف يكون على أشياء محدّدة، وإنّ في مقدّمة هذه الأشياء المحدّدة السعي إلى تجميد عضويّة الدّولة العبريّة في منظّمة الأمم المتّحدة.

عدالة القضيّة تعطي الذين يعملون عليها طاقة مضافة وتمنحها كثيرًا من القبول على مستوى الرّأي العام

وبطبيعة الحال فإنّ عملًا كهذا لن يكون سهلًا، لأنّ الولايات المتحدة الأميركية سوف تعترض طريقه بالتّأكيد، ولكن إذا كانت اللجنة المنبثقة عن القمّة الأولى قد حشدت ١٤٣ دولة الى جانب قضية فلسطين، أو ساعدت في ذلك على الأقل، ففي إمكان القمّة الثانية أن تحشد العدد عينه وربما أكثر، لو أنها نظّمت نفسها وجهدها وراء هدفها.

أريد أن أقول إنّ هذه بدايات عمل عربي إسلامي موحّد، وإنه إذا كان قد أثمر في المرّة الأولى، فإثماره في المرّة الثانيّة ليس مستحيلًا وإنْ كان صعبًا بالتّأكيد، لأنه سيعمل في ظل إدارة أميركية أشدّ انحيازًا إلى تل أبيب من الإدارة المغادرة، ولكن ما يبعث على شيء من الطمأنينة أنّ العمل يجري وسيجري من أجل قضيّة عادلة، ولا شكّ أنّ عدالة القضيّة في حدّ ذاتها تعطي الذين يعملون عليها طاقةً مضافة، وتمنح القضيّة كثيرًا من القبول على مستوى الرّأي العام بالذات.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن