في سؤالٍ عن الرابح والخاسر في حرب "حزب الله" وإسرائيل، أجاب أحد المعلقين اللبنانيين: الرابحون هم اللبنانيون الذين أبوا إلاّ العودة إلى ديارهم ومساكنهم ومزارعهم بعد ساعاتٍ قليلةٍ على الإعلان عن وقف إطلاق النار!
لكنّ للعودة آلامها أيضاً، فأكثر من نصف العائدين وجدوا مساكنهم مدمَّرةً جزئياً أو كلياً. من الذي سيعمّر؟ ومن الذي سيعيد بناء البنى التحتية من طرقاتٍ وماءٍ وكهرباء؟ ومن الذي سيعيل من لم يعد لهم معيل؟ ومن يعوِّض فاقدي الأهل والولد؟ بدأت المأساة بحروب الطوفان والمساندة، وانتهت بالخراب والإبادة والهجرة والتهجير والحبل على الجرار.. وما تزال القصة طويلة لإعادة الإعمار، وانتظام العيش والسلوّ عن فقد الأهل والولد.
بيد أنّ ما بعد وقف النار في لبنان تكتنفه صعوبات كبيرة وكثيرة. خاطب رئيس مجلس النواب نبيه بري الشيعة خاصة واللبنانيين عامة عن مسؤولياتهم في السلم واستعادة الهدوء والاستجابة لسلطة الدولة والجيش وإنقاذ لبنان. وما تزال أصواتٌ من "المقاومة" تهزج بالانتصارات رغم نواح العائدين إلى مساكنهم وديارهم. كما لا يزال الساسة يتابعون التجاذب المتصاعد حول مصائر لبنان؛ الوطن والدولة.. وانتخابات الرئاسة. رئيس مجلس النواب حدَّد يوم 9 يناير 2024 لانتخاب رئيس الجمهورية بعد مرور سنتين على لبنان من دون رئيس. وما يزال بري مصراً على الرئيس التوافقي مع أنه منتخَب، والانتخاب لا توافُق فيه، إلا إذا كانت هناك غلبةٌ على نحوٍ ما! صحيح أنّ انتخاب الرئيس له أولوية. إنما بعد الرئيس لا بد من الالتفات إلى إعادة الإعمار.
وهناك بعض الحماس من الأوروبيين والأميركان، لكنه حماسٌ غير كاف. المتحمسون لـ"المقاومة" يقولون إنّ إيران ستعمِّر! لكنّ إيران لا تقول شيئاً. وقد انتقل التجاذب إلى إيران، إذ في سوريا هناك اشتباكات عنيفة منذ أسبوعين، حيث يقول الإيرانيون إن الأميركان وحلفاءهم الذين "فشلوا في لبنان يريدون التعويض عن ذلك في سوريا"! بينما يرى آخرون أن النجاح في لبنان هو الذي دفع للاشتباك في سوريا للحصول على النتيجة ذاتها. والواضح أنّ هناك همين رئيسيين في لبنان حالياً: أولهما الاستقرار والأمن والخروج من الأزمة الاقتصادية، وثانيهما الخروج من السطوة الإيرانية والذهاب باتجاه الأمن العربي.
القرارات الدولية تقول بالخروج من الميليشيات إلى الجيش وقوى الأمن وسلطة الدولة. وهم يخرجون من جنوب الليطاني لكنهم ما يزالون منتشرين على الأرض في مناطق عدة. ومع أن ذلك يخالف القرار رقم 1701 في نصه ومندرجاته، فإنّ أنصار الحزب يلمحون إلى التمرد عليه، في حين يشك المعارضون في عودة أولئك إلى الدستور وحكم القانون. منذ أرسطو يتحدث الفلاسفة عن الحياة الطيبة بالعيش معاً.
لكنّ اللبنانيين لكثرة الحروب والفتن ما عاد كثير منهم يرون في العيش معاً إيجاباً أو نعمة. وقِدماً مضى المسيحيون اللبنانيون باتجاه الغرب والسنّة باتجاه الفلسطينيين. ومنذ عقود يتجه الشيعة باتجاه سوريا وإيران.
وكلٌّ منهم تلقّى دروساً قاسية.. فهل يعود الجميع إلى لبنان؟ هذا ما يرجوه منهم ولهم العرب والدوليون بعد الحرب الأخيرة الكاسحة. يحتاج تجاوُز الصدمة والفاجعة إلى مبادراتٍ تستلزم شجاعةً ونزاهةً وبُعد نظر.. فالمرجو أن تتوافر للبنانيين شخصيات من الطراز السامي، وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر!
(الاتحاد الإماراتية)