تجذب التطورات السورية المتسارعة الإهتمام العربي والدولي، خاصة أنها تأتي في ظل تغيرات اقليمية لإعادة "رسم النفوذ" عبر تقليم أظافر ايران وميليشياتها المسلحة في المنطقة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال المعطيات والوقائع منذ أحداث "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر من العام الماضي وما تلاها من حرب اسرائيليّة في غزّة ولبنان ناهيك عن العمليات العسكرية "الدقيقة" في سوريا، والتي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة.
وعليه لا يبدو أن اسقاط نظام بشار الأسد هو الغاية الحقيقية مما يجري على الساحة السورية اليوم، بل هناك أجندات تتصارع وتصفي حساباتها، فمن الدور الروسي الى المطامع التركية وصولاً الى النفوذ الايراني المتمثل بالحرس الثوري و"حزب الله" وغيرها من الجماعات، ناهيك عن تشرذم وانقسام المعارضة التي انشطرت وتبعثرت واختلفت أولوياتها وأفكارها كما جهاتها الداعمة ما انعكس تغيراً في أجنداتها. ولهذا، فإن آمال الشعب السوري وأحلامه ببلد مستقر وآمن هي الغائب الأكبر اليوم وسط تساؤلات كثيرة عما ستحمله الأيام المقبلة، خاصة أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية في دمشق تشهد تدهوراً كبيراً.
وفي التفاصيل السورية، سارعت ايران إلى ارسال وزير خارجيتها عباس عراقجي الذي أجرى لقاء لتقييم التطورات مع الرئيس الأسد. وكشفت مصادر إيرانية مسؤولة لـ"العربي الجديد" أن فحوى الرسالة التي حملها "هي التأكيد على استعداد طهران لتقديم أنواع الدعم للحكومة السورية للتصدي للمجموعات المتطرفة"، لافتة إلى أن عراقجي خلال زيارته لأنقرة سيناقش نتيجة مباحثاته في دمشق، على ضوء امتعاض "السلطات السورية من الدور التركي في الشمال السوري". واذ شددت المصادر على أن "الحضور الإيراني في سوريا سيستمر وسيتعاظم"، قلّلت من أهمية "المحاولات الرامية لإنهائه لأنها ستفشل كما فشلت سابقاتها"، على حد قولها.
وسجلت التطورات الميدانيّة المزيد من التقدم لصالح الجماعات المسلحة على حساب قوات النظام، بعدما وجهت ثقلها نحو ريف مدينة حلب الشرقي لتصل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة. بينما التقت بفصائل الجيش الوطني القادمة من مدينة الباب، لتصبح مدينة حلب متصلة بمناطق "درع الفرات"، الخاضعة للنفوذ التركي. وبحسب محللين، فإن المحافظة باتت خالية من الوجود الإيراني، بعد السيطرة على أبرز مناطق وجودها وميليشياتها. أما عن الوجود الروسي، فقد انحصر في منطقة منبج، الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية، وذلك بعد سلسلة انسحابات. وفي هذا السيّاق، نقلت وكالة "رويترز " عن مصادر روسية قولها إن موسكو أقالت المسؤول عن قواتها في سوريا بعد اجتياح مدينة حلب.
هذا وسيطرت فصائل الجيش الوطني المدعومة من أنقرة على مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، بعد طرد "قوات سوريا الديمقراطية" منها. وجاءت هذه السيطرة في إطار معركة أُطلق عليها اسم "فجر الحرية"، المنفردة عن معركة "ردع العدوان" التي تقودها هيئة "تحرير الشام" في حلب وإدلب وحماة.
بدورها، علّقت الإدارة الأميركية على ما يجري، اذ اعتبرت على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت، أن استمرار نظام الأسد في رفضه الانخراط في العملية السياسية المنصوص عليها في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، واعتماده على روسيا وإيران، قد خلق الظروف الحالية، بما في ذلك انهيار خطوط نظام الأسد في شمال غرب سوريا، وفق تعبيرها.
أما في لبنان، فقد كثّف الاحتلال الاسرائيلي اعتداءاته على الأراضي اللبنانية، لاسيما في البلدات الحدودية، ما يرفع حصيلة الخروقات لوقف النار الى 62 خرقاً على الأقل، منذ سريان الاتفاق يوم الأربعاء الماضي، بحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول". وقد تركّزت الاعتداءات أمس، الأحد، في بلدة الخيام، بعدما نسف جيش العدو مباني ومنازل وألقى 3 قذائف على محيط البلدة وداخلها. كما عمّد الى قصف أطراف عدة بلدات وسُجل تحليق للطيران الاستطلاعي الإسرائيلي فوق قرى قضاء صور.
وقد دخلت فرنسا على خط وقف الخروقات وسط تحذيرات من انهيار الهدنة التي تريدها اسرائيل "هشة" بينما لا يزال "حزب الله" يلتزم سياسة ضبط النفس وعدم الرد على الانتهاكات اليومية. وفي هذا الصدد، يصل وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، إلى لبنان خلال اليومين المقبلين للبحث بتطبيق قرار وقف النار وتمتين قواعده كما سيناقش غيره من القرارات التي تتعلّق بعمل لجنة المراقبة الخماسية على الحدود. يُشار إلى أن أزمات المنطقة، وعلى رأسها لبنان، ستكون محور مباحثات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إطار زيارة الدولة التي يقوم بها ماكرون إلى السعودية بين 2 و4 من كانون الأول/ ديسمبر الحالي.
توازياً، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو "إننا نقوم بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بحزم شديد، وأي انتهاك يقابل على الفور برد قوي من الجيش الإسرائيلي". فيما أشار وزير المالية الاسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، إلى أنّ "تل أبيب لن تنتظر أي آلية وستواصل العمل لإحباط أي تهديد أو محاولة من "حزب الله" لاستعادة قدراته".
وفي خضم كل هذه التطورات، برز تعيين الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب رجل الأعمال اللبناني، مسعد بولس، بمنصب مستشار لشؤون الشرق الأوسط. وفوراً اتجهت الأنظار الى ما ستحمله المرحلة المقبلة خاصة أنه وعد اللبنانيين بحسم الأوضاع، واعداً بإنهاء الحروب والشروع في اتفاقية سلام إقليمية.
فلسطينياً، تواصل قوات الاحتلال استهداف تجمّعات النازحين موقعة المزيد من الشهداء والجرحى على وقع استمرار سياسة التجويع والحصار في شمال قطاع غزّة وسط قصف جوّي ومدفعي عنيف وعزل كامل للمحافظة. أما المفاوضات فتسير على نار هادئة، وقد لفتت مصادر فلسطينية لـ"الشرق الأوسط" إلى أن وفوداً من حركات "فتح" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، توجد في القاهرة، من أجل بحث تشكيل لجنة لـ"إدارة غزّة" التي تجري بشأنها مشاورات منذ نحو شهرين، فضلاً عن تقريب وجهات النظر بشأن إبرام هدنة في القطاع، فيما لم يصدر بيان من السلطات المصرية بشأن طبيعة المحادثات.
في المقابل، قالت "هيئة البث الإسرائيليّة" إن نتنياهو عقد اجتماعاً، الأحد، مع وزراء وفريق التفاوض المكلف بإبرام صفقة لتبادل الأسرى، لبحث فرص إحياء المفاوضات، متحدثة عن "تقدم لكنه لا يشكل اختراقاً، وإن النقطة المتعلقة بإنهاء الحرب لا تزال العقبة الأساسية في المفاوضات".
إلى ذلك، جدّد البيان الختامي الصادر عن المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في دورته الـ45، التي عُقدت في الكويت، الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ومحيطها، مطالباً بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وإنهاء الحصار المفروض على القطاع وضمان تأمين وصول كافة المساعدات.
وضمن جولة اليوم على الصحف العربية الصادرة والتي عكست ما يجري على الساحة العربية من تطورات وأحداث سياسية وعسكرية إلى جانب الموقف الأميركي وتداعيات العدوان الإسرائيلي، حيث:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية، في مقال، أن "المنطقة مقبلة على حروب جديدة، بما يؤدي إلى تغيير الخرائط والمعادلات"، لتصل الى نتيجة مفادها "أن حديث الحروب هذا يتعارض، في الواقع، مع السياسة الجديدة، التي أفصح عنها ترامب، وهو ما يفترض طرح السؤال عمّا إذا كان هناك من يحاول الاستثمار في المرحلة الانتقالية للإدارة الأمريكية، بهدف خلق أمر واقع جديد أمام إدارة ترامب المقبلة".
من جهتها، تناولت صحيفة "الرياض" السعودية السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، اذ قالت "التجربة الأميركية في حروبها خلال الستة العقود الماضية اثبتت ان نتائج تلك الحروب لم تكن سوى خلق مزيد من الازمات التي يُصعب التعامل معها، ولعل حرب غزّة والهجوم على لبنان اثبتا أن الشرق الأوسط اصبح بحاجة الى اصلاح من الداخل"، مشددة على أن "المعادلة النهائية التي سوف تنتجها كل الأزمات الحالية والمستقبلية -رغم الدعم غير المشروط لإسرائيل- تؤكد أنه لا علاقات قادمة مع إسرائيل دون حل سياسي للفلسطينيين".
أما صحيفة "الوطن" البحرينية، فرأت أن الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أمامهما مناورة روسية قد تشعل منطقة الشرق الأوسط إلى حرب ليست إقليمية بل حرب شاملة نووية ليس لها حدود للاشتباك أو أي معيار يمكن المضي حوله لتخفيف مستويات التصعيد المرتقبة". وتابعت: "الإدارة الأمريكية الجديدة عليها مهمة قد تكون مستحيلة من دون شن هجوم عسكري على إيران في إيقاف الطموح النووي الإيراني بالشراكة مع الدول الفاعلة بالمنطقة".
وعلّقت صحيفة "الدستور" الأردنية على الأحداث في سوريا حيث دعت النظام السوري "إلى فك ارتباطه بالمشروع الطائفي التوسعي الإيراني الإرهابي، والامتثال إلى حقائق العصر، بإجراء الإصلاحات الدستورية، وإطلاق مفاعيل التعددية السياسية والديمقراطية وإجراء المصالحة الوطنية ومحاسبة المتورطين بالاعدامات والتعذيب والخطف، وعودة اللاجئين واجراء الانتخابات النزيهة بإشراف دولي"، مؤكدة أن "استقرار سورية مصلحة أردنية قصوى، لذلك يتخذ الملك الحكيم، الموقف السليم".
وأوضحت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "التصعيد الميداني في سوريا كفيل بإعادة إطلاق كل التحذيرات الخاصة بعواقب ضعف الدولة الوطنية أو انهيار مؤسساتها. إذ إن ذلك يمثل البيئة المثلى لتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية من جديد، والتي تبدأ من بؤرة محددة لتنطلق إلى بؤر ومناطق أخرى"، مشددة على أن ما أسمته "كلمة السر تكمن دائماً في دعم دور الدولة الوطنية وتعزيز قدرة مؤسساتها على القيام بمهامها التى لايمكن أن تحيد عنها أبداً"، وفق تعبيرها.
وتحت عنوان "لبنان الذي نحب أن يكون"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "يتوجب على كل القوى والتيارات والطوائف والأحزاب اللبنانية وفي مقدمتها "حزب الله" عدم منح حكومة الكيان المتطرفة والدموية أي مبرر يلبي رغبتها في تدمير البلد وتغذية الخلافات والصراعات"، داعية إلى "طي صفحات الماضي بفتح صفحة جديدة تضمن للشعب اللبناني استعادة هيبة الدولة بكل مؤسساتها ووضع خريطة طريق ترسم خطوط الطول والعرض لمستقبل البلد الذي تحيط به تحديات كبيرة على صعيد سيادته وأمنه واستقراره".
من جهتها، ألمحت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "نتنياهو ماضٍ في مشروعه الحقيقي لتغيير خريطة الشرق الأوسط سياسيا وعسكريا كما أعلن أكثر من مرة". وقالت: "ما يؤكد هذا التوجه عدم حصول أي تحرك فعلي لتهدئة اندفاعة "الثور الهائج"، بل هناك جمود مريب يؤكد الشكوك حول النوايا الدولية في إحداث تغييرات دراماتيكية في الشرق الأوسط بما يخدم تصفية أو على الأقل إضعاف كل الدول الرافضة للمشاريع الأميركية - الغربية والإسرائيلية في المنطقة".
(رصد "عروبة 22")