اقتصاد ومال

لبنان والـIMF... فاسدون مطالبون بالإصلاح!

يستمرّ لبنان في سقوطه الحرّ نحو قاع أزماته المتشابكة اقتصاديًا وماليًا واجتماعيًا، وكلّما ظنّ اللبنانيون أن وقت الإرتطام الكبير، والأخير حان، اصطدموا بالمزيد من الإنهيارات التي لا يبدو لها قعر.

لبنان والـIMF... فاسدون مطالبون بالإصلاح!

بعد مرور أكثر من عام على توقيع لبنان إتفاقًا مبدئيًا مع صندوق النقد الدولي، لم يخطُ البلد بعد خطوة جدّية واحدة باتجاه توقيع الإتفاق الكامل والنهائي، بسبب تمنع السلطات السياسية والنقدية في البلاد عن تنفيذ سلة الإصلاحات المطلوبة والتي كان لبنان قد إلتزم بها تجاه الصندوق مقابل منحه قروضًا مالية تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار.

"بالأساس هي ليست شروطاً. الإصلاحات المطلوبة أتت ضمن اتفاق بين الطرفين، الصندوق والحكومة اللبنانية، وتشكل حاجة ماسة من أجل تحقيق إقتصاد سليم، مستدام ومنتج، يطالب بها لبنانيون منذ أكثر من عقد" وفق ما يؤكد الخبير الإقتصادي جان طويلة لـ"عُروبة 22".

بعثة صندوق النقد تحذّر: "لبنان في وضع خطيرة للغاية" 

إصلاحات كثيرة، كان يفترض بلبنان أنّ يسير نحو تنفيذها، تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، إجراء التدقيق الجنائي وإقرار قانون الكابيتال كونترول، فيما أُقر قانون رفع السرية المصرفية وقانون موازنة العام 2022، واللذان ولدا بعدما تمّ إفراغ مضمونهما بالكامل، فباتوا فعليًا من دون جدوى عملية.


هذا الواقع، حمل بعثة صندوق النقد، في أيار/مايو الماضي، على التحذير من أنّ لبنان في "وضع خطير للغاية" بسبب إخفاقه في تطبيق الإصلاحات. واللافت في حديث البعثة يومها، وفق الخبير جان طويلة، أمران:

الأول في الشكل، إذ للمرة الأولى تعقد البعثة مؤتمراً صحافياً في فندق من دون وجود أي جهة رسمية لبنانية، وهي رسالة واضحة على أن الصندوق لم يعد يأخذ الحكومة والتزاماتها على محمل الجد.

الصندوق يحمّل مسؤولية الانهيار إلى الحكومة ومجلس النواب والمصرف المركزي

والثاني في المضمون، إذ حمّلت البعثة مسؤولية ما آلت إليه الأمور إلى ثلاث جهات رئيسية في البلاد: الحكومة، مجلس النواب والمصرف المركزي. وكانت واضحة وصريحة في التنبيه إلى أن لبنان قد يصل إلى مرحلة لن يتمكن فيها من الخروج من الأزمة، حين قالت إن "لبنان سيكون محاصراً بأزمة لن تنتهي أبداً في حال لم ينفذ الإصلاحات اللازمة بسرعة".

على مقلب آخر، لا زال البعض في لبنان، يشكك في أهمية التوصل إلى إتفاق نهائي مع الصندوق، على قاعدة أن المليارات الثلاثة الموعودة، لن تقدم أو تؤخر في ظل الواقع الإقتصادي والنقدي اللبناني المذري، على اعتبار أن المصرف المركزي أنفق مليارات الدولارات منذ بدء الأزمة، وبالتالي لن ينفع لبنان مليارات قليلة جديدة ويمكنه الإستغناء عن هذا الإتفاق.

لا مفرّ من التوصل إلى إتفاق مع الصندوق وتنفيذ الإصلاحات

لكن من وجهة نظره، يرى طويلة، أنه "من أجل تحسين حياة اللبنانيين، لا مفرّ من التوصل إلى إتفاق مع الصندوق، فالمسألة أبعد من قيمة القرض نفسه، إذ إن الإتفاق وتنفيذ الإصلاحات، تأثيرهما جداً مهم، بحيث سيؤديان إلى إعادة تشغيل الدورة الاقتصادية، وتأمين الإستقرار النقدي والمالي، وإعادة بناء الإقتصاد واسترجاع ثقة المستثمرين، وتحسين ظروف الناس".

ومثل لبنان، بلدان عربية كثيرة، عانت وتعاني أزمات نقدية وإقتصادية بالجملة، مثل مصر وتونس والسودان، إختارت اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قروض مشروطة ببرنامح إصلاح اقتصادي، وهذا الواقع الّذي يطغى على القاهرة مثلاً، حيث يعاني المصريون من تبعات أزمة إقتصادية ونقدية إنهارت إثرها العملة المحلية وانخفضت القدرة الشرائية وارتفعت معدلات التضخم.

الفساد والمحاصصة هما السببان الأساسيان لمشكلات لبنان وأزماته المتشعبة

لكن في بيروت، رغم عمق الأزمة وصعوبتها، تصرّ الطبقة السياسيّة الحاكمة على إجهاض فرص التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد بما يشمل تطبيق سلة الإصلاحات وترشيق القطاع العام ووقف الهدر والفساد في مؤسسات الدولة، فضلاً عن تعطيل الاستحقاقات الدستورية في ظل عدم وجود رئيس للبلاد، ووجود حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب شبه مشلول، إلى جانب تخلي غالبية المؤسسات الرسمية عن أداء دورها المطلوب.

في المحصلة، يبقى أن تراخي المسؤولين في لبنان وعدم جدّيتهم في البحث عن مخارج حقيقية من الأزمة هما العنوان الطاغي على الحوار الجاري مع صندوق النقد الدولي، الذي يعي جيّدًا، كما المجتمعان العربي والدولي والأكثرية الساحقة من اللبنانيين، أنّ الفساد والمحاصصة هما السببان الأساسيان لمشكلات لبنان وأزماته المتشعبة... وأنّ المعضلة المركزية على أرض الواقع اللبناني تكمن في كون الطبقة الحاكمة التي أوصلت اللبنانيين إلى ما وصلوا إليه من انهيار، هي نفسها المطالبة بإصلاح ما أفسدته على مستوى سوء إدارة الدولة ومواردها! 


شاهد الفئات النقدية المتداولة حالياً في السوق اللبنانية:




(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن