العرب وطموح الوحدة

المخاوف الصّهيونيّة من خروج المارِد العربي من "القُمقُم"!

في ظلّ التفوّق الإسرائيلي الكاسح وأوهام القوّة المؤقّتة، تشعر دولة الاحتلال في قرارة نفسها بأنّها مهما بلغت من قوّة وهيمنة فإنّها "نبت شيطاني" سيُقتلع من جذوره يومًا ما، طال الزّمن أو قَصُر، وهذه نتيجة حتميّة.

المخاوف الصّهيونيّة من خروج المارِد العربي من

المخاوف الصّهيونيّة من قوّة العرب ترتكز إلى مجموعة من العوامل التّاريخيّة والجيوسياسيّة الّتي تُشكِّل تهديدًا وجوديًّا لدولة الاحتلال الإسرائيلي من وجهة نظر صهيونيّة. وأهمّ تلك المخاوف:

الوحدة العربيّة: "مكان تحت الشّمس"

تؤدّي فكرة الوحدة العربيّة أو التّنسيق الفعّال بين الدّول العربيّة سياسيًّا أو اقتصاديًّا إلى عزل إسرائيل إقليميًّا ثم دوليًّا، مما يُصعّب عليها مواجهة جبهة موحَّدة سياسيًّا أو عسكريًّا، ومن ثمّ يُهدّد وجودها؛ فالوحدة العربيّة تعني تقليل الانقسامات بين الدّول العربيّة، الأمر الذي يُضعف قُدرة إسرائيل على استغلال الخِلافات الإقليميّة لتثبيت وجودها، وإذا توحّد العرب حول مشروع قومي عُروبي، فإنّ ذلك سيُشكِّل تهديدًا وجوديًّا لإسرائيل.

إذا نجحت الوحدة بتحقيق تنسيق سياسي وعسكري واقتصادي تُجبر الدّول الكبرى على إعادة التّفكير في دعم إسرائيل

والوحدة العربيّة تعني تقليل الاعتماد على القوى الدّوليّة، فيَضعُف النّفوذ الأميركي والأوروبّي الدّاعم لإسرائيل في المنطقة، ويؤدّي ذلك إلى دعم سياسي عربي أكثر قوّة في المحافل الدّوليّة للقضيّة الفلسطينيّة وضدّ السّياسات الإسرائيليّة الإرهابيّة.

والوحدة العربيّة تُهدّد بجعل إسرائيل في عُزلةٍ إقليميّة تامّة، خصوصًا إذا نجحت في تحقيق تنسيق سياسي وعسكري واقتصادي فتُجبر الدّول الكبرى على إعادة التّفكير في دعم إسرائيل بسبب الضّغط العربي، كما أنّ أي وحدة عربيّة تعني بالضّرورة دعمًا أكبر للقضيّة الفلسطينيّة، سواء أكان سياسيًّا أو ماديًّا، مما يُصعّب على إسرائيل فرض سياساتها في غزّة والضّفّة الغربيّة والقُدس وفق مخطّطاتها الحاليّة والمستقبليّة. كما أنّ التكاتف العربي يؤدّي إلى مقاومة فعّالة للتّطبيع مع إسرائيل وإحياء الدعم الشّعبي والرّسمي للمقاومة الفلسطينيّة.

الوحدة الاقتصاديّة العربيّة: "نكون أو لا نكون"

إنّ الوحدة الاقتصاديّة بين الدّول العربيّة تعني تكوين تكتُّل عربي قوي يُسيطر على موارد النّفط والغاز والتّجارة العالميّة، وهو أمر من شأنه أن يُقلّل من قدرة إسرائيل على التّأثير في اقتصاد المنطقة، كما تعمل على تقليل اعتماد الدّول العربيّة على المّنتجات أو التّقنيّات الإسرائيليّة. فأي نهضة اقتصاديّة في الدّول العربيّة تُقلق إسرائيل، لأنّها تعزّز من استقلاليّة العرب وقدرتهم على مواجهة الضّغوط الغربيّة والإسرائيليّة.

زيادة الاستثمارات في البنية التّحتيّة والتّعليم والتّكنولوجيا تمكّن الدّول العربيّة من تحقيق طفرة اقتصاديّة جبّارة

وظهور دول عربيّة قادرة على المنافسة في القطاعات الإستراتيجيّة مثل التّكنولوجيا والطّاقة يُضعف التّفوّق النّوعي لإسرائيل؛ فإسرائيل تخشى من أنّ الوحدة العربيّة قد تُنشِئ بيئةً خصبةً لتطوير التّعليم، والتّكنولوجيا، والصّناعة، وإنْ حدث ذلك فسيتراجع تفوّق إسرائيل النّوعي.

والوحدة الاقتصاديّة العربيّة تعني تخفيف الاعتماد على الدّول الغربيّة أو إسرائيل، ويُمكن للعرب وقتها تكوين صندوق نقدٍ عربي مما يمحو الذلّ والهوان للدّول العربيّة التي تتهافت على صندوق النّقد الدّولي، ومن ثم يؤدّي ذلك إلى تعزيز الاستقلاليّة في اتّخاذ القرارات السّياسيّة والاقتصاديّة.

كما أنّ تنسيقًا اقتصاديًّا عربيًّا يهدّد الهيمنة الإسرائيليّة في المنطقة، بخاصّة في المجالات الإستراتيجيّة مثل التّجارة والطّاقة.

التّنسيق العسكري العربي يهدّد إستراتيجيّات الرّدع الإسرائيليّة

والدّول العربيّة مجتمعة تمتلك موارد طبيعيّة هائلة، أبرزها النّفط والغاز، بالإضافة إلى الأراضي الزّراعيّة الشّاسعة. والتّكامل الاقتصادي يمكن أن يُفعِّل استخدام هذه الموارد بطريقة تقلّل من استفادة إسرائيل غير المباشِرة منها عبر قوى دوليّة، وتُضعف تحكّمها في خطوط التّجارة والطّاقة الإقليميّة.

كما أنّ التّكامل الاقتصادي العربي سيؤدّي إلى زيادة الاستثمارات في البنية التّحتيّة، والتّعليم، والتّكنولوجيا، مما يُمكّن الدّول العربيّة من تحقيق طفرة اقتصاديّة جبّارة.

تفعيل السّوق العربيّة المُشتركة

من هنا نرى ضرورة إنشاء سوق عربيّة موحّدة تقلّل من الاعتماد على الواردات الإسرائيليّة أو المُنتجات التي تمرّ عبر إسرائيل. والسّوق المُشتركة تؤدّي إلى خلق قوّة تفاوضيّة عربيّة قويّة، تُقلّل من النّفوذ الإسرائيلي في الاقتصاد الإقليمي، خصوصًا أنّ إسرائيل تعتمد على التّطبيع الاقتصادي مع بعض الدّول العربيّة لتحقيق مكاسب تجاريّة واستثماريّة، فإذا تحقّقت الوحدة الاقتصاديّة العربيّة، ستصبح العلاقات الاقتصاديّة بين الدّول العربيّة أكثر قوّة، فتَقِلّ الحاجة للتّطبيع مع إسرائيل أو التّعامل معها اقتصاديًّا.

تتخوّف إسرائيل من "لوبي" عربي موحّد قوي يستطيع تصحيح الصّورة السّلبيّة للعرب في أميركا 

ومن هنا ستكون الوحدة الاقتصاديّة العربيّة أكبر مسانِد لدعم القضيّة الفلسطينيّة ماليًّا وسياسيًّا، مما يزيد من الضّغوط على إسرائيل. وأي تنسيق اقتصادي عربي لدعم الفلسطينيّين يُعزّز صمودهم ويُقلّل من قدرة إسرائيل على فرض سياسات الاحتلال.

القوّة العسكريّة والتّسليح العربي

كما تخشى إسرائيل من تزايد قدرات الجيوش العربيّة، سواء من حيث العدد أو نوعيّة التّسليح، بخاصّة مع محاولات بعض الدّول العربيّة الحصول على أسلحة حديثة وتقنيّات متطوّرة، وتركيز البعض على البرامج الصّاروخيّة والطّائرات بدون طيّار التي تطوّرها أو تقتَنيها الدّول العربيّة، وهو ما يمثّل تهديدًا أمنيًّا لإسرائيل.

فإسرائيل تتخوّف من تكوين قوّة عسكريّة عربيّة موحّدة قادرة على مواجهتها وتحدّي تفوّقها العسكري، كما أنّ التّنسيق العسكري العربي يهدّد إستراتيجيّات الرّدع الإسرائيليّة.

"اللّوبي" العربي الموحّد

كذلك تتخوّف إسرائيل من "لوبي" عربي موحّد قوي يستطيع تصحيح الصّورة السّلبيّة للعرب في أميركا عن طريق وسائل إعلام متطوّرة ونافذة تخاطِب كل الأحرار وأصحاب الضّمير الحيّ في العالم على اختلاف بلدانهم وأعراقهم وانتماءاتهم السّياسيّة لفضح "آلة الكذب والتّزييف الصّهيونيّة"، والكشف عن حقيقة أنّ السّلام مرفوض في العقيدة الصّهيونيّة.

الهُويّة الثّقافيّة والقوميّة العربيّة

تخشى إسرائيل من أي محاولات تعمل على تعزيز الهُويّة الثّقافيّة والقوميّة العربيّة، إذ إنّ ذلك يُضعِف محاولات إسرائيل لتفكيك هذه الهُويّة، ويؤدّي لظهور خطاب عربي موحّد يُعيد إحياء العداء للصّهيونيّة ويُحرِج الأنظمة التي تُطبّع مع إسرائيل.

كما تخشى إسرائيل من عودة الزّخم العربي الإسلامي للقُدس والمقدّسات، وهو ما يُهدّد السّيادة الإسرائيليّة على المدينة. وأي حركة عربيّة تُعيد إحياء حُلم الدّولة العربيّة الكبرى يمثّل خطرًا إستراتيجيًّا على الصّهيونيّة.

إستراتيجيّات إسرائيل لمواجهة الوحدة العربيّة

نتيجة الشّعور بهذا الخطر الدّاهم من الوحدة العربيّة، تعمل إسرائيل ليل نهار على تقويض محاولات تلك الوحدة بكل الطّرق، ومنها تعميق الخلافات العربيّة واستغلال النّزاعات بين الدّول العربيّة لتفكيك أي محاولات جادّة للوحدة مع محاولة إدماج نفسها في الاقتصادات العربيّة من خلال اتفاقيّات التّطبيع مع الدّول العربيّة، لإضعاف فرص التّعاون العربي الحصري، وطرح مشاريع مشتركة بين إسرائيل والدّول العربيّة لطمس الفكرة الأساسيّة للوحدة الاقتصاديّة العربيّة.

الوحدة والنّهضة العربية الشّاملة يمكن أن تُعيد تشكيل المنطقة وفق رؤية مختلفة تتجاوز الهيمنة الصّهيونيّة

هذا بجانب التّعاون مع القوى الكبرى واستخدام دعم الولايات المتحدة وأوروبّا لإحباط أي مشاريع اقتصاديّة عربيّة تضرّ بالمصالح الإسرائيليّة.

وهكذا نرى أنّ إسرائيل تعتمد اعتمادًا كبيرًا على إستراتيجيّات لاحتواء هذه المخاوف، مثل التّطبيع مع بعض الدّول العربيّة، وتفكيك الوحدة العربيّة، والضّغط على الدّول العربية لمنعِها من تطوير قدراتِها العسكريّة والاقتصاديّة. ومع ذلك، تبقى قوّة العرب الحقيقيّة متمثّلة في الوحدة الشّعبيّة والنّهضة الشّاملة الّتي يمكن أن تُعيد تشكيل المنطقة وفق رؤية مختلفة تتجاوز الهيمنة الصّهيونيّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن