التعاطي مع هذا القرار ينسحب على غالبيّة القرارات الدّوليّة التي تمّ تجاهلها من قبل العالم الغربي، بينما نرى التّمترس الغربي وراء القرارات الدّوليّة فيما يتعلّق بالأزمة الرّوسيّة - الأوكرانيّة، مما يؤكّد أنّ ما يحكم العالم ليس القانون وإنّما المصالح التي تجمع الدّول الغربيّة بدولة الاحتلال.
وتعليقًا على ذلك، قال المدير العام للهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) الدّكتور عمّار الدّويك لـ"عروبة 22"، إنّ "قرار المحكمة الجنائيّة الدّوليّة بإصدار مذكّرتَيْ اعتقال بحق نتنياهو وغالانت يُعدّ قرارًا تاريخيًّا من حيث أنّه كسر حالة تمتّع "إسرائيل" بالإفلات من العقاب، ولأوّل مرّة يصدر قرار بهذا المستوى يخصّ دولة الاحتلال".
وتابع الدّويك أنّ "المحكمة الجنائيّة الدّوليّة بإصدارها مذكرتَيْ اعتقال نتنياهو وغالانت، أنقذت نفسها وسمعتها، لأنها وُضعت على المحكّ، فكان عليها أن تثبت كونها إمّا محكمة تحتكم إلى القانون ومبادئ العدالة أو محكمة مُسيّسة وأداة بيد الأقوياء ضدّ خصومهم، فانتصرت لذاتها وحافظت على مصداقيّتها وأظهرت بصيص أمل على الرّغم من حالة الإحباط من المنظومة الدّوليّة في أوساط النّاس والنّشطاء والمُدافعين عن حقوق الإنسان عبر العالم".
وتوقّع الدّويك أنْ لا يكون قرار المحكمة الجنائيّة الدّوليّة الأخير، "بل ستصدر مذكّرات اعتقال بحقّ مسؤولين إسرائيليّين آخرين، لكن ليس كما يعتقد البعض بأنّ المحكمة ستُحاكم كلّ من ارتكب جريمة بحقّ الشّعب الفلسطيني خصوصًا أنّها محكمة انتقائيّة تختار جرائم كبرى وقيادات كبيرة وتقوم بملاحقتها".
ورأى الدّويك أنّ "المهمّة المُقبلة هي حماية المحكمة الجنائيّة الدّوليّة من قِبَل الدّول الموقّعة على "ميثاق روما" ومنظّمات المجتمع المدني العالمي من الضّغوط التي تُمارَس عليها خصوصًا القانون الأميركي الذي ينصّ على معاقبة كلّ من يُلاحق أميركيّين وحلفاء لأميركا"، مؤكّدًا على "ضرورة الاستمرار في الضّغط لتوسيع دائرة التّجريم لتشمل مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وتشمل أيضًا جرائم أخرى غير الجرائم الّتي أدرجتها المحكمة كجريمة الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانية".
وشدد الدّويك في هذا السياق على "ضرورة إصدار مذكّرة اعتقال بحق (وزير الأمن القومي الإسرائيلي) إيتمار بن غفير كونه ضالعًا في ارتكاب مجازر، وهو يعترف بذلك ويتفاخر بتعذيب الفلسطينيّين وإساءة معاملتهم، خصوصًا الإساءة الّتي يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيّون وتحويله السّجون إلى مقابر"، مشيرًا إلى أنّه "يمكن الضّغط أيضًا على المحكمة لإصدار مذكّرة اعتقال ضدّ وزير الماليّة الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يعترف ضمن برنامجه السّياسي بتوسيع الاستيطان".
من جانبه، قال المدير العام لمركز إعلام حقوق الإنسان والديموقراطية (شمس) الدّكتور عمر رحّال لـ"عروبة 22"، إنّ "أهمّية قرار المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، تنبع من الوصمة التي باتت تلاحق نتنياهو وغالانت من جانب القضاء الدولي باعتبارهما متهمَيْن بتُهم جرائم حرب، كما يقيّد القرار من حركة نتنياهو على المستوىين الدّولي والدّيبلوماسيّ كما يقيّد من حركة ضبّاط الاحتلال خوفًا من اعتقالهم"، وأضاف أنّ "هذا القرار يمنح الفلسطينيّين مزيدًا من المِصداقية لروايتهم الحُقوقيّة والقانونيّة بشأن ارتكاب الاحتلال فظائع وجرائم حرب في قطاع غزّة، وذلك استنادًا للمواد (6 و7 و8) من "ميثاق روما"، ويعطي النّشطاء والأحزاب والمُتضامنين مع القضيّة الفلسطينيّة في العالم، مزيدًا من القوّة والشّجاعة لمطالبة برلماناتهم وحكوماتهم باتخاذ مواقف حاسمة ضدّ دولة الاحتلال".
أما عن المطلوب فلسطينيًّا لاستثمار القرار، فأكدّ رحّال على "ضرورة متابعته ومراسلة المحكمة لتقديم ملفّات أخرى للجنائيّة الدّوليّة، كما يجب على السّلطة الفلسطينيّة توفير الأدوات المُمكنة للمواطِنين الفلسطينيّين لتقديم ملفّات جرائم الحرب للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة. كما يجب على السّلطة أن تتواصَل ديبلوماسيًّا مع دُول العالم لمطالبتِها باعتقال نتنياهو في حال دخل أراضيها أو مرّ في أجوائها".
وحول رضوخ دول في العالم للضّغوط الأميركيّة، أعرب رحّال عن اعتقاده بأنّ "ترامب سيقوم بالضّغط سياسيًّا وديبلوماسيًّا واقتصاديًّا على دول العالم من أجل عدم اعتقال نتنياهو، لكن العديد من دول العالم لديها قرار حرّ ولن تذعن للضّغوط".
(خاص "عروبة 22")