هذا السقوط المتعاظم في مكانة وأهمية وضرورة القيم الروحية والأخلاقية والسلوكية في الحياة الإنسانية، والذي تضاف إليه صور متعاظمة متكررة لكل أنواع الرذائل، بكل أنواعها البذيئة العبثية، أصبح قضية عالمية خطِرة كبرى.
وكالعادة يبدأ الأمر في بعض الدوائر الغربية، الأوروبية والأمريكية، حيث توضع اللبنات الأولى وتغطي بألف قناع من أقنعة الحق الذي يراد به باطل، وتقدم على الأخص كمواعظ في الحرية والحقوق الإنسانية، ثم تسلم إلى ماكينة الإعلام والإعلان الغربية البالغة الكفاءة بالتلاعب بالألفاظ والخبرة وفي التلاعب بالعقول والنفوس لنشرها في أشكال لا تعد ولا تحصى من التعبيرات الفنية والأدبية والفكرية الحقوقية.
هذا ما حصل من هجمة هائلة لتغيير وتشويه حقل التربية والتعليم، وتعريفات المواطنين الشخصية، ونظم الزواج وهتافات الرياضة، ومشاهد الأفلام والمسلسلات، وشتى المناقشات الإعلامية مع الأخصائيين والمواطنين، وذلك كله بهدف قبول كل أنواع وبذاءات القيم السلوكية الأخلاقية الشاذة الجديدة.
ما عاد لتاريخ السلوك الإنساني المتعارف عليه، وحاجاته الروحية السامية، وما تقوله الديانات ومدارس علم النفس وتحذيرات الأطباء، وما عبّر عنه الأدباء والفلاسفة عبر القرون، وما أوصلت إليه شبكات التواصل الاجتماعي من انحرافات مجنونة بائسة، ما عاد لكل ذلك أي قيمة عند من فجروا زوبعة الرفض التام لكل الضوابط الأخلاقية في ماهية الإنسان، وبالتالي لكل قيم الفضائل والسمو الروحي التي تقوم عليها كل تلك الضوابط.
لسنا معنيين بإجراء حوار مع حضارة الغرب ذات الوجهين. فالغرب لم يمنعه رفع شعار الحرية من ممارسة تجارة شراء وبيع العبيد الأفارقة، ولا شعار الأخوة الإنسانية من ممارسة ظاهرة استعمار الأوطان والشعوب وذبح الملايين من سكانها الأصليين المسالمين، ولا شعار المساواة من نهب واستباحة ثروات الآخرين. وبالتالي هناك ألف شك حول صحوة ضميره وحول فهمه السوي للعدالة وحول التقليل من نهمه المادي والرغائبي المتعاظم. ويكفي الإشارة إلى أن نحو خمسين في المئة من مواليد الكثير من بلدانه هم نتيجة العلاقات الجنسية العابرة المنكرة لمؤسسة الزواج وغير المعنية بالروابط العائلية.
ما يهمنا هو التوجّه إلى شابات وشباب هذه الأمة العربية لمناقشة الأمر وإبراز المخاطر والتحذير من قدوم الكوارث الاجتماعية من خلال الظاهرة الجديدة التي فجرها وينشرها الغرب الأوروبي والأمريكي في العالم كله. دعنا نذكّرهم بأن اقترابهم من هذا الموضوع، باسم التمدّن أو الحرية الشخصية أو الثورة على الأعراف، ستدخلهم في الحال في معركة طاحنة مع الجزء الديني الإسلامي والمسيحي من ثقافة الملايين من أبناء أمتهم. وهي ثقافة تمثلها بالنسبة لهذا الموضوع الآيات القرآنية المبثوثة في القرآن الكريم من مثل «ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن»، ومثل «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم»، ومثل «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، ومثل «وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله»، ومن مثل «وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي». وهناك عشرات الأحاديث النبوية من مثل «الحياء من البر»، ومثل «... وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة».
في الديانتين يعد الخُلُق جزءاً أساسياً مكملاً للعقيدتين.
وبالتالي على الشباب والشابات أن يتجنبوا الدخول في تلك المواجهة مع شعوبكم التي يراد لها أن تبعدكم عن الاهتمام بأمور معيشتكم وكرامتكم الإنسانية ولعبكم دوراً في انتقال مجتمعاتكم إلى عوالم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية السامية.
وفي الحقيقة، فإن إدخالكم في هذه الصرعة الجنونية العابثة الجديدة هي تتمة لكل صرعات النيوليبرالية من مثل الفردية المنفلتة والاستهلاك المادي النهم والتهليل لموت دولة الرعاية الاجتماعية وتجاهل الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني النضالية.
إن رفضكم للدخول في هذه الصرعة سيكون إعلاناً منكم بأن ثقافة أمتكم هي غير ثقافة الغرب وبأن مقاومتكم لها هي تكملة لمقاومة النيوليبرالية ونظامها الرأسمالي.
("الخليج") الإماراتية