صحافة

"حصاد العام"… "إبادة" فلسطينة و"حرب طاحنة" لبنانية و"زلزال سوري"! "المشروع الإيراني" يتزعزع في المنطقة العربية وموازين القوى تعيد رسم المشهد الإقليمي

حمل عام 2024 تغيرات جذرية وتحولات مصيرية في عدد من البلدان العربية، التي تعيش "سكرة" التطورات والمستجدات المفاجئة وتداعياتها المحلية والاقليمية، والتي سيتردد صداها في دول وبلدان آخرى، نظراً لتداخل ملفات المنطقة وتشابكها ببعضها البعض. وفي حين لا يزال مبكراً رسم صورة واضحة عما ستؤول اليه الامور، إلا أن نظرة مُعمقة على مجريات هذا العام وأحداثه تؤكد بأنها السنة التي قلبت الشرق الاوسط رأساً على عقب.

وفي حين يمكن تقسيم العام بين مرحلتين، ما قبل شهر سبتمبر/أيلول وما بعده، والذي كان أشبه بـ"زالزال" سياسي هزّ لبنان ومحور الممانعة الإيراني بعد اغتيال الامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر/أيلول  2024 الى جانب شخصيات قيادية آخرى. وما سبق هذه العملية من اختراق أجهزة "البيجر" والـ"توكي ووكي" وتفجيرها في عملية أبرزت مدى الخرق الاسرائيلي لصفوف الحزب وعبدت الطريق أمام الاستهدافات التي طالت كوادر وشخصيات حزبية كبيرة أضعفت بنيانه وقوضت من دوره وأربكت جمهوره ومؤيديه، خاصة أن الحرب الاسرائيليّة والتي توصف بـ"الأعتى"، حملت معها تغييرات في شكل المعركة والتي اعتمدت فيها تل أبيب على بنك ضخم من الأهداف والمعلومات الدقيقة التي جمعتها طوال السنوات التي تلت حرب تموز 2006.

وعلى الرغم من توقيع اتفاق التسوية لوقف النار ودخوله حيّز التنفيد في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر بواسطة اميركية مباشرة، الا ان الاتفاق "الهش" يمكن أن يتداعى في أي لحظة خصوصاً ان الاعتداءات والخروقات الاسرائيليّة بالتزامن مع التوغل البري وعمليات النسف يستمر بشكل يومي رغم وجود قوات "اليونيفيل" ودور اللجنة المنوطة بالاشراف على تنفيذ الاتفاق الذي هو، حتى الساعة، أشبه بـ"حبر على ورق"، طالما أن السير الرسمي ببنوده "مُغيب" من الطرفين.

في السيّاق، طرحت هذه الحرب تحديات كبيرة على لبنان المُثقل بالاحداث السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية بالتزامن مع الشغور في منصب الرئاسة الأولى منذ أكثر من عامين وغياب اي انتظام للحياة المؤسساتية الدستورية، ما وضع أثقال وأعباء إضافية، لاسيما تلك الخاصة بإعادة الاعمار ونزع سلاح "حزب الله"، وهي عناوين ستُرحل الى العام القادم وسط آمال بأن يتم الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية في جلسة 9 كانون الثاني/ يناير ما يشرع الباب أمام انتظام الدولة وأركانها التي تضعضعت في السنوات الاخيرة.

ومن تداعيات هذا التقويض الاسرائيلي لدور "حزب الله" واستهداف النفوذ الايراني في الشرق الاوسط، والذي تعاظم في السنوات الاخيرة وخصوصاً بعد الحرب الأميركية على العراق والتي فتحت الباب على مصراعيه أمام المدّ الإيراني الذي جعل المسؤولين في طهران يتباهون بالسيطرة على 4 عواصم عربية، كان الزلزال الأضخم المتمثل بسقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد إلى روسيا ليحظى وعائلته بـ"اللجوء الانساني" بعد 13 عاماً من الحرب والقتل والتعذيب وتدمير مقدرات سوريا الاقتصادية والانتاجية وتحويلها لدولة مافياوية تقوم على تجارة الكبتاغون والمخدرات واستجلاب كل المليشيات للقتال إلى جانبه حفاظاً على منصبه الرئاسي.

وقد أتى هذا السقوط السريع على يد "هيئة تحرير الشام" وفصائل آخرى نتيجة تحالفات ودعم خارجي أبرزه من تركيا، التي تعتبر اليوم الرابح الأكبر في ما جرى. في وقت خسرت روسيا نفوذها الذي حاولت تكريسه لسنوات طوال في سوريا رغم إنها لا تزال تحتفظ بقاعدتين عسكريتين هناك. فيما إيران، التي دافعت عن نظام الاسد حتى الرمق الأخير، تزعزع مشروعها التوسعي في المنطقة العربية لكنها لا تزال مستمرة في محاولات خلق القلائل والفوضى وسط دعوات مرشدها المستمرة إلى إسقاط مفاعيل ما حدث في سوريا والمنطقة بعد الخسائر والهزائم التي مُنيت بها طهران خلال العام الحالي.

كخلاصة، يقف السوريون اليوم أمام مفترق طرق خاصة أن الثمن الذي دفعوه كان غالياً جداً لانه تعبد بدماء من قُتل وتعذب أو أخفي ودفن بمقابر جماعية. وهذه معضلة حقيقية تواجه الحكومة الجديدة التي تحاول استقطاب الداخل، عبر الدعوة لحوار وطني شامل وجامع، والخارج عبر تصريحات تعكس الرغبة بحسن الجوار والتلاقي وهو ما عكسته الزيارات العربية المتتالية وآخرها الزيارة الخليجية ودعوة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة السعودية. ويترافق ذلك مع الكشف عن المزيد من المقابر الجماعية ورفات مجهولة الهوية والتي توثق مرحلة قاتمة في تاريخ سوريا، التي تعيش "هبات" الحرية لأول مرة دون عائلة الأسد ونظام البعث الذي تحكم بمفاصل الدولة لأكثر من 53 عاماً ولأول مرة أيضاً تحكمها الأكثرية السنية منذ عام 1966.

هذه الأوضاع لم تحجب الضوء عن الملف الفلسطيني الذي شهد على مسار طويل من "تفخيخ" اسرائيلي مُتعمد لمسار المفاوضات مع مرور 452 يوماً على بدء العملية العسكرية في قطاع غزّة بعد أحداث "طوفان الأقصى"، مع ما يواكب ذلك من تردي في الأوضاع الإنسانية واستمرار المجازر، لاسيما في شمال القطاع، بعد ما شهده من تدمير ممنهج وابادة جماعية وتطهير عرقي بهدف تطبيق "خطة الجنرالات". ويعاند رئيس الوزراء الاسرائيلي رغم كل تظاهرات اهالي الاسرى الرهائن لدى "حماس"  في الوصول لصفقة رابطاً ذلك باقصاء الحركة عن المشهد الغزاوي بعد استهداف أبرز قياداتها واغتيالهم من اسماعيل هنية الى يحيى السنوار وما بينهم.

ومع غياب أي بصيص أمل لوقف المعاناة الفلسطينية، تعيش الضفة الغربية، بدورها، على واقع مرير مع محاولات اسرائيل دفع السكان للمغادرة بهدف توسيع رقعة الاستيطان مستفيدة من وصول الرئيس المُنتخب دونالد ترامب الذي سبق وأيد "صفقة القرن". هذه الوقائع تؤكد السطوة الاسرائيليّة والتمادي في انتهاك سيادة الدول بحجج واهية فقط احياءً لحلمها القديم الجديد بتحقيق "اسرائيل الكبرى". ومن هنا يبدو الخوف متعاظماً على اليمن مع استمرار الحوثيين بإطلاق الصواريخ على تل أبيب "نصرة لغزة" وتهديدها حركة الملاحة والتجارة الدولية. والامر عينه ينطبق على العراق الذي يحاول ابعاد كأس الحرب عن أرضه بعدما تجرع ويلاتها ولم يخرج بعد من تداعياتها.

إزاء هذا المشهد العام، يمكن اعتبار أن عام 2024 كرس سقوط واحدة من أفظع الديكتاتوريات حول العالم وشلّ أذرع ايران في المنطقة العربية وقيّد نفوذها وأعاد طرح التساؤلات عن دور روسيا المستقبلي في الشرق الأوسط، فيما الإجرام الاسرائيلي هيمن على الاحداث التي ستحملها دول المنطقة معها للعام 2025.

وضمن جولة اليوم على الصحف العربية الصادرة، والتي تنوعت مواضيعها بين التطورات السورية ومأساة الفلسطينيين  وصولاً الى الاوضاع اللبنانية. و أبرز ما ورد:

اعتبرت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "انهيار نظام الأسد في سوريا، بهذه السرعة "الدراماتيكية" إنما يعكس معضلة عدم شرعية مزمنة، وإن طال بقاؤها في السلطة لعقود". وقالت: "ما حدث في سوريا مؤخراً أثبت أنه لا يفل الحديد إلا الحديد.. وأنه لا خيار لأي نظام سياسي ليبقى في السلطة، مهما كانت خلفية وصوله إليها، إلا عن طريق اكتساب شرعية بقائه على أسس قاعدته الشعبية المرتبطة بالإرادة العامة للشعب".

ومن وجهة نظر صحيفة "الدستور" الأردنية عن الواقع السوري، فإن "رجال الحكم الجديد، مدعوون إلى تقديم رزمة من الاستحقاقات والمتطلبات القاسية، ليبرهنوا ويؤكدوا أنهم يخرجون من الماضي، ويشرعون في الانتقال من صفوف المنظمات المصنفة إرهابية، إلى مرحلة تطبيق مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، التي يشارك فيها جميع أبناء سورية". وختمت: "النتيجة التي باتت قانونًا هي أن الأنظمة العربية التي حكمت بالحديد والنار، قد التهمتها النار ومزقها الحديد، وألحقت أفدح الأضرار بشعوبها".

وفي الإطار عينه، لفتت صحيفة "عُمان" العمانية إلى أن "سوريا حتى الآن لم تستقر، فهي في مرحلتها الانتقالية، والمنافسون المحليون ناشطون، والخصوم وذوو المصالح الخارجية لا يزالون لاعبين على الساحة السورية، فأي وضع قادم لا يمكن الجزم به؛ بما فيه الاقتتال الداخلي المؤجَّج من قوى خارجية". وأضافت: "يعمل أبو محمد الجولاني على تأسيس دولة إسلامية مدنية في سوريا، ورأى أن النموذج الذي يمكن أن ينسج على منواله هو النموذج التركي؛ ممثلًا في تجربة حزب العدالة والتنمية"، وفق تعبيرها.

ورأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن "خطوة حماس في 7 أكتوبر العام الماضي كانت قفزة مجنونة في الهواء”, مشددة على أن "وقت المواجهة مع إسرائيل لم يحن بعد لأسباب عديدة ليس أولها ولا آخرها الفارق في امتلاك القدرات بينها وبين إسرائيل التي أثبتت وتثبت في كل حين أنها الأقوى، وأنها لا تعرف الرحمة، ولا قيمة للعواطف عندها، وأن همها منذ 7 أكتوبر كان ولا يزال عودة مواطنيها، ومن أجله غيرت أهدافها واتجهت نحو السيطرة على غزة ورفح وسوريا وحدود لبنان والسيطرة على الكثير من الأمور في المنطقة".

من جهتها، أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن "ما تقوم به إسرائيل من عدوان صارخ على الفلسطينيين منذ أكثر من 14 شهرا من شأنه أن يغذي بيئة الصراع والعنف وحالة عدم الاستقرار في المنطقة"، مؤكدة "أن الخلل في منظومة العدالة الدولية أسهم في استمرار تلك الجرائم التي تحدث بالصوت والصورة أمام أعين العالم". وخلصت إلى أن "الصمت الدولي وازدواجية المعايير الغربية هي من شجعت حكومة الاحتلال على المضي قدما في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني واستهداف وتدمير بنيته التحتية".

بدورها، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية "يتمنى كثير من اللبنانيين أن تكون نهاية عام الرعب والحرب والتدمير مناسبة لوقفة صادقة مع النفس من قبل الأطراف السياسية والحزبية، لإستخلاص الدروس والعبر من المآسي والنكبات التي حلَّت بالوطن، بسبب تفرُّد حزب بقرار الحرب والسلم". وخلصت بالدعوة إلى أن "تكون نهاية السنة الكارثية ساعة تأمل لإستخلاص العبر..ولتكن بداية السنة الجديدة فرصة لتحويل المعاناة إلى رؤية للإنقاذ وللخروج من نفق الأزمات".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن