صحافة

تحديات السلطة الجديدة في سوريا

رضوان السيّد

المشاركة
تحديات السلطة الجديدة في سوريا

كان سقوط نظام بشار الأسد مفاجئاً، فالجيش لم يقاوم، والأجهزة الأمنية تناثرت أو انكمشت واعتزلت بمنطقة الساحل، ومضت بقاياها باتجاه لبنان والعراق. أما الذي أسقط النظام الباقي في الحكم أباً وابناً على مدى نصف قرنٍ ويزيد، فتنظيمات مسلحة كانت قد تجمّعت أو جُمعت بمحافظة إدلب في شمال سوريا قبل قرابة العقد.

وهم خليطٌ من تنظيمات متشددة أهمها "هيئة تحرير الشام" التي كانت جزءاً من تنظيم "القاعدة" قبل أن تنفصل عنها، ثم تشاجرت على النفوذ مع تنظيم "داعش"؛ في حين انفردت الهيئة المتحولة بإدلب ومحيطها، ومن حولها من الأتراك وأنصارهم والروس والأكراد والميليشيات الإيرانية وقوات النظام. فكيف طورت إمكانياتها العسكرية؟ وكيف حظيت بالقبول من الأتراك؟ ولماذا نالت نصف القبول من الأميركان؟!

مثل هذه التساؤلات تشغل الجوار الإقليمي لسوريا، وخاصة العراق والأردن، وكذلك إيران التي اضطرت للجلاء الكامل عن سوريا بعد طول نصرةٍ لبشار الأسد ونظامه. أما الداخل السوري فإنّ الهيئة التي استولت على السلطة في المدن وصولا إلى دمشق في أسبوعين فقط؛ فإنها لقيت ارتياحاً في البداية، إذ اهتمت بكشف السجون وإطلاق المعتقلين وسمحت بعودة المهجَّرين.

وزارت زعيمَها عشراتُ الوفود العربية والدولية، ولقيت هذه الوفود ترحيباً وطمأنةً من قائد "إدارة العمليات العسكرية" (الجولاني) الذي عاد إلى اسمه الأصلي أحمد الشرع. العراقيون والأردنيون، وتعبيراً عن قلقهم، وسط جاذبية الشرع الظاهرة، قالوا: العبرة بالأفعال لا بالأقوال! وبالفعل فإنّ الأفعال تثير الشكوك، إذ شكّل الرجل حكومةً مؤقتةً من حزبه وأنصاره. وقال إنه سيعيد بناء الجيش الذي تناثر وتوارى، فعيَّن من حركته خمسين مقاتلاً سابقاً أعطاهم ألقاب لواء وعميد وعقيد، ونشر شرطةً من حركته في سائر المدن، انصرفوا إلى ملاحقة عناصر النظام السابق في مدن وبلدات الساحل السوري على وجه الخصوص.

وإلى ذلك كلّه ظهر القائد الجديد في مشاهد مع المتطرفين من الجهاديين والإخوان الذين عادوا إلى سوريا. وبعد أن كان يقال إنّ مدة الحكومة المؤقتة لا تزيد على ثلاثة أشهر، عاد فقال إنّ التغيير باتجاه الدستور والانتخابات قد يستغرق أربع سنوات! وبدلاً من شعارات ورموز النظام السابق التي أُزيلت، ظهرت شعاراتٌ كلّها دينية. والأبرز التعليمات الجديدة والتغييرات في البرامج المدرسية، حيث زالت الشعارات العربية، وشعارات الوطن، وحلّت محلَّها شعارات ونصوص الشريعة والجهاد في سبيل الله.. إلخ. ويبدو أنّ البرامج والتعليمات في مجال التعليم الأساسي، والتي بدأ استخدامها الآن، كانت مستخدمةً من قبل في إدلب إبّان حكم الهيئة لها منذ العام 2016-2017.

الأميركيون يُبدون ترحيباً حذِراً بإزالة الغطاء الإيراني عن البلاد، لكنهم مختلفون مع الأتراك بشأن البؤرة الكردية في شمال وشمال شرق سوريا. ووسط تهديد الأتراك بغزو المنطقة التي يتحكم بها الأكراد (قسد)، قام الأميركيون بتركيز قاعدة بمدينة كوباني (عين العرب) ربما لحمايتها من هجمات الجيش التركي وأنصاره. أما الأتراك الذين يدفعون باتجاه الاشتباكات المسلحة بالشمال الشرقي السوري فقالوا، بعد زيارة وفود متعددة للجولاني وحكومته، إنهم سيُبرمون اتفاقيات استراتيجية مع النظام الجديد في مجال الأمن والدفاع. وما يزال الدروز في مدينة السويداء متوقفين عن التعاون مع النظام الجديد وقواته وشرطته.

كانت سوريا في خمسينيات القرن الماضي وستينياته قلبَ النظام العربي. واحتفظت بموقعٍ بارزٍ في المجال العربي والدولي أيام حافظ الأسد (توفي عام 2000). وتراجعت مقاديرها وانخفضت، وحوصرت أميركياً ثم عربياً وبخاصةٍ بعد عام 2011 عندما بدأ الثوران على سلطة بشار الأسد. وبالإضافة إلى التدخلات العسكرية والأمنية من جانب روسيا والولايات المتحدة وتركيا، كانت هناك سيطرة إيرانية على مناطق عديدة على الحدود العراقية ومنطقة القلمون مع لبنان والسيدة زينب بجوار دمشق، وقد سادت في تلك المناطق ميليشيات استقدمها الإيرانيون أهمها "حزب الله" اللبناني.

سوريا العربية إلى أين؟ وهل يستطيع التدخل العربي أن يضبط المسار، ويساعد في حفظ السلم الأهلي وإعادة الإعمار، واستعادة السلام في سوريا ووحدة أراضيها؟ إنها تحديات كبرى يواجهها النظام الجديد في دمشق.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن