صحافة

هل هناك مراجعة أمريكية لتسليح إسرائيل؟

خالد عكاشة

المشاركة
هل هناك مراجعة أمريكية لتسليح إسرائيل؟

مساجلة مثيرة؛ دارت منذ أيام على موقع (Tablet) الذى يقدم نفسه باعتباره، مجلة يهودية تصدر في الولايات المتحدة معنية بالشؤون العالمية، وتحظى بقدر كبير من المتابعة والاهتمام. المساجلة وموضوعها دارت بين «جاكوب سيجل» و«ليل ليبوفيتز» اللذين كتبا مقالا مشتركا بعنوان «أوقفوا المساعدة العسكرية لإسرائيل»، ليشتبك معه «دينيس روس» المساعد الخاص للرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما ومبعوث الخارجية الأمريكية الشهير لمنطقة الشرق الأوسط بمقال مضاد عنوانه «الرسالة الخاطئة في التوقيت الخاطئ».

الكاتبان تحت هذا العنوان المثير؛ يضعان رؤيتهما بأن المساعدة العسكرية الأمريكية تشكل حجر الزاوية في «العلاقة الخاصة» بين البلدين، وأن هذه المساعدة هدية تفيد إسرائيل بقوة. حيث يفترض أن قطع خط الأنابيب النقدية لإسرائيل في العاصمة واشنطن، سيغير بشكل كبير ميزان القوى فى الشرق الأوسط. فى أحد السيناريوهات، من خلال تعريض أمن إسرائيل للخطر، وفي سيناريو آخر عن طريق إجبار قادتها المتمردين على قبول المقترحات المستنيرة لصانعي السياسة الغربيين. يصف المقال تلك العلاقة بالواقع المشوه بشكل متزايد، حين ينتهى الأمر بإسرائيل بالتضحية بقيمة أكبر بكثير مقابل نحو (4 مليارات دولار)، تتلقاها سنويا من واشنطن، فضلا عن نوع آخر من المساعدات وهي ائتمانات من البنتاجون إلى شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية. وهما هنا يفسران وجهة نظرهما المراوغة، باعتبار أن ارتفاع تكاليف المساعدات الأمريكية باتت إسرائيل هي التى تتكبدها بشكل كبير خلال العقد الماضي، فيما ازدادت فوائد العلاقة لواشنطن بشكل أكبر.

فهما يصفان الجيش الإسرائيلي، أنه غالبا ما يصنف رابع أقوى جيش فى العالم، ويعد ملحقا للقوة الأمريكية في منطقة حاسمة فقدت فيها الولايات المتحدة الرغبة في نشر القوة العسكرية. لذلك تعمل المخابرات الإسرائيلية كعيون وآذان لأمريكا، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن فى المسارح الاستراتيجية الرئيسية الأخرى مثل روسيا وآسيا الوسطى، وحتى أجزاء من أمريكا اللاتينية. في ذات الوقت تحقق إتاحة الوصول إلى مخرجات قطاع التكنولوجيا الفائقة القوى في إسرائيل، ميزة استراتيجية للولايات المتحدة، عليها أن تستحق وحدها مضاعفة الاعتمادات التي تحصل عليها إسرائيل. لذلك من وجهة نظرهما؛ لا يعني إنهاء المساعدة نهاية التحالف العسكري الأمريكي الإسرائيلي، أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو التجارة، أو أي تقارب متبادل بين البلدين. بدلا من ذلك، سيسمح لكلا الجانبين برؤية ما سيحصل عليه كل منهما مقابل ماذا. وهناك استشهاد بتعبير اللواء المتقاعد في الجيش الإسرائيلى غيرشون هاكوهين «بمجرد عدم الاعتماد عليهم اقتصاديا، يمكن للشراكة أن تزدهر بناء على مزاياها الخاصة».

فى المقابل يرد «دينيس روس» على وجهة النظر تلك؛ بأنه رغم أن بعض الآراء التي تدعو إلى خفض المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، تنبع من دوافع مفهومة. فإن تنفيذ مثل هذه الأفكار حاليا، لن يؤدي سوى إلى تشجيع الأعداء وزيادة احتمالية النزاع. ويرى روس أن قناعة سيجل وليبوفيتز بأن المساعدة تمنح الولايات المتحدة حق النقض ضد الأعمال الإسرائيلية، وتدر الأرباح لمصنعى الأسلحة الأمريكيين، وتعزز الفكرة الخاطئة السائدة لدى النقاد الإسرائيليين بأن إسرائيل منحت صلاحية تامة، قناعة غير صحيحة؛ وأنها تخدم أيضا أهداف، الذين يتهمون المدافعين عن إسرائيل في الولايات المتحدة بخدمة مصالح إسرائيل على حساب أمريكا. حيث يطرح مقالهما أن إنهاء المساعدة العسكرية لإسرائيل، تعد طريقة للتخلص من هذه الحجة التي يعتبرانها سببا ثانويا يدعو إلى إنهاء المساعدة. في هذا الإطار، يعتقدان أن إسرائيل ستكون أفضل حالا دونها إذ سيقل النفوذ الأمريكي على إسرائيل، وهذا يعني أيضا أن واشنطن لن تقيد حرية تصرف إسرائيل، وأن هذه الأخيرة ستحظى بحرية اللجوء إلى «السوق المفتوحة» دون أن تبقى متقيدة بالمعدات الأمريكية، وتجاوزات التكلفة والمشكلات الفنية.

دينيس روس يقدم تفهما ما لهذا التفكير، لكن يلحقه بتساؤل حول ما إذا كان وقف المساعدات العسكرية هو الأداة المناسبة لتحقيق ذلك؟ ويضع اجابته بالنفي، مستندا إلى أن إيران و«حزب الله» لن تؤثر فيهما مثل تلك الخطوات، فقد ترجم الطرفان بالفعل الاضطرابات الأخيرة في إسرائيل على أنها ضعف إسرائيلي. فإذا أوقفت الولايات المتحدة مساعدتها الآن أو عقدت النية على ذلك، فسيزيد الإيرانيون و«حزب الله» من مجازفاتهم ويعززون احتمالية الصراع. ويستكمل روس رسم بقية الصورة عبر طرح الأسئلة، على شاكلة هل تحتاج إسرائيل إلى صراع متعدد الجبهات؟ وهل يخدم ذلك مصالح أمريكا؟ ويقدم إجابته بأن كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين لا يريدون خوض الحرب الآن، مثلما يعارضون بالإجماع وقف المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، علما بأن معارضتهم لا تنبع من مصلحة مالية مرتبطة بهذه المساعدة. فكل قائد إسرائيلي يريد الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا يتحقق بالمعدات الأمريكية. وإسرائيل لا تحتاج إلى طائرات من طراز «F - 35» فحسب، بل أيضا إلى طائرات «F - 15» للقيام بمهام بعيدة المدى. كما تشير وجهة النظر المقابلة إلى مشروع إسرائيل لتطوير نظام «الشعاع الحديدي»، وهو نظام دفاعي قائم على الليزر، يمكن أن يكون وسيلة فعالة من حيث التكلفة في مواجهة صواريخ «حزب الله» وطائراته المسيرة. يتطلب ذلك مزيدا من المساعدة الأمنية من الولايات المتحدة لتشغيله في أسرع وقت ممكن، فيما سيعد نظام «الشعاع الحديدي» مفيدا أيضا للجيش الأمريكي، وهو مثال آخر على الكيفية التى تفيد بها مساعدة الولايات المتحدة الأمنية لإسرائيل، القوات الأمريكية أيضا.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن