عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ليصبح الرئيس الثاني في تاريخ البلاد الذي يعود بعد فترة انقطاع عقب ولاية أولى، لكن هل ترامب الثاني يختلف بصورة أو بأخرى عن ترامب الأول؟ يبدو أن هناك بالفعل علامات على الطريق تشي بذلك، بل ربما تعرض مسار ومسيرة هذه الولاية إلى نوع من المخاطر الجدية، سيما أن الرجل ومنذ الساعات الأولى في البيت الأبيض يضع يده في عش الدبابير كما يُقال.
فمن بين أوائل الأوامر التنفيذية ذاك الذي أصدره وكلف فيه مدير الاستخبارات الوطنية، أي الرجل المشرف على نحو 16 جهازا استخباراتيا أميركيا معلنا، غير الخفي منها، والنائب العام الجديد، بالتنسيق مع مساعده لشؤون الأمن القومي، ومستشاريه، من أجل تقديم خطة بهدف الإفراج الكامل والشامل عن كل السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي عام 1963 وأخيه النائب العام روبرت كيندي عام 1968، عطفا على داعية الحقوق الإنسانية مارتن لوثر كنج عام 1968 أيضا.
يقول ترامب "هذا أمر كبير جدا، الكثير من الناس ينتظرون هذا الأمر منذ عقود طوال لمعرفة أبعاد ما جرى"، ويرى ترامب أن عائلات هؤلاء الضحايا، والشعب الأميركي برمته، يستحقون الشفافية والحقيقة، ومن مصلحة الأمة أن يتم الكشف عن جميع السجلات المتعلقة بهذه الاغتيالات دون تأخير.
هل ترامب مصيب في دعواه؟ مؤكد هو كذلك، سيما أن تلك الاغتيالات لا تزال بمثابة السر الملفوف في أحجية، ضمن لغز كبير ملقى في جب سحيق. على أنه على الجانب الآخر هناك من يقطع بأن الأيادي الخفية التي اغتالت كيندي هي الاستخبارات المركزية الأميركية عينها، وهذا ما ضمنه الكاتب الأميركي الشهير وليام مانشستر في كتابه المعنون بـ “موت رئيس” في أوائل سبعينات القرن الماضي. لماذا تمت عملية إزاحة كيندي من على الساحة الأميركية؟
يقول الراسخون في المعرفة الأميركية إن كيندي عبر سياساته مع الاتحاد السوفيتي، كاد أن يتسبب في ضربة عميقة جدا للمجمع الصناعي العسكري الأميركي بأضلاعه الثلاثة، أصحاب المصانع التي تنتج أسلحة الموت والدمار من جهة، وجنرالات البنتاغون الذين يقودون الحروب على الأرض من جهة ثانية، ناهيك عن أعضاء الكونجرس بغرفتيه من الشيوخ والنواب، أولئك الذين يتقنون الحروب مقابل تبرعات تمكنهم من البقاء في مكاتبهم.
ظل سر اغتيال كيندي حتى الساعة لغزا كبيرا، والتساؤل عمن قتله لا يزال سائرا حائرا، وما يزيد اللغز غموضا هو أن قاتله المعلن وربما غير الحقيقي، لي هارفي أوزوالد، قد لقي مصرعه وهو بين أيدي الحرس من المباحث الاتحادية، الأمر الذي يزيد الشكوك حول دوره، ثم إن قاتل أوزوالد جاك روبي، توفي بدوره في المشفى الذي كان يتلقى فيه العلاج من مرض السرطان الذي أصابه فجأة!
حتى العام الماضي، كان الرئيس بايدن قد أفرج عن قرابة 99 % من أوراق اغتيال كيندي، والتي تقع في نحو 5 ملايين صفحة، لكن الـ 1 % المتبقية، لم يفرج عنها لتقاطعها وتشارعها مع الأمن القومي الأميركي. ترامب نفسه في إدارته الأولى وافق على عدم الكف عن الشريحة الكاملة من السجلات المتعلقة باغتيال كيندي بناء على طلب وكالات الأمن القومي.. ما الذي تغير الآن؟
غالب الظن أن الرجل يعرف أن هذه هي ولايته الأخيرة، وبعدها سيضحى مستقبله خلفه لا أمامه، وأنه ربما يدخل سجل القياصرة الأميركيين من خلال المزيد من الشفافية والصراحة التي تحتاجها الديمقراطية الأميركية الغناء. غير أن هناك أمرين لابد من النظر إليهما في هذا السياق:
الأول: هل يمكن لمجمع الاستخبارات أن يكشف عن أسرار أميركا العميقة، سواء كان الأميركيون هم من اغتالوا، أو السوفييت بأيادي من كوبا؟
الثاني: موصول بملفات لا تقل غموضا، ومنها ملف أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكذلك ملف الثري الأميركي، جيفري إبتستين، والفساد الذي دار حوله، وأدى إلى انتحاره أو نحره.
ترامب في النقطة الأولى سيكون في مواجهة صريحة مع الدولة الأميركية العميقة، والتي يمكن أن تهدد حياته. وفي الجزئية الثانية، لم يكن بدوره بعيدا عن العلاقة مع أبستين قبل أن يدخل الحياة السياسية. وفي الأمرين لم يكن هناك أسوأ من ذلك، فانظر ماذا ترى.
(البلاد البحرينية)