صحافة

"المشهد اليوم"...غزّة تتحدى مخططات التهجير وسط إدانة عربية ودولية وفد روسي في دمشق يستطلع مصير "القواعد" ولبنان بين الإنفجار الأمني والتعثر الحكومي

استمرار عودة الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة وسط المباني المُدمرة (أ.ب)

منذ اللحظات الأولى لدخوله البيت الأبيض يثير الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل، إن من خلال طبيعة القرارات التي يتخذها أو التصريحات التي يدلي بها ولا تخلو من مواقف متقدمة تطرح أكثر من علامة استفهام، تماماً كما حدث مع تصريحاته المتكررة بشأن تهجير سكان غزّة ما ينسف عملية السلام و"حل الدولتين" ويخلق الكثير من التعقيدات في المشهد السياسي برمته لتداخل القضايا العربية وتشابكها ببعضها البعض.

وعليه يبدو أن السلام الذي "بشر" به ترامب لا يقوم على حلول منصفة للشعوب بل على "تطهير" المناطق وترحيل السكان وتجريدهم من حقوقهم الأساسية وهو ما استدعى ردود فعل مستهجنة وشاجبة لمثل هذه التصريحات التي ستدخل المنطقة في دوامة عنف جديدة لم تخرج منها بعد، فيما لا يزال الاحتلال الاسرائيلي ينتهك بشكل فاضح اتفاقيات وقف النار في غزّة ولبنان ويلوح بالتصعيد ما يخيب الآمال بشأن الاستقرار الذي لا يبدو سهل المنال.

فمع استمرار الرفض العربي التام لتصريحات ترامب، تدخل الدول العربية ولاسيما مصر والأردن في مرحلة جديدة، حيث يبدو أن الضغوط السياسية و"الهدايا" الأميركية ستكون عنوان المرحلة المقبلة، لاسيما مع تهافت الجانب الاسرائيلي الى تبني الاقتراح الأميركي والترويج له. وفي هذا الاطار، كشف المراسل السياسي لـ"القناة 12" الإسرائيلية، عميت سيجال، أن اقتراح ترامب "لم يكن مجرد زلة لسان بل هو جزء من مخطط مدروس يجري التداول به بجدية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية في واشنطن". وأضاف: "نتنياهو، وغيره من المسؤولين في اليمين رفيعي المستوى أكدوا علمهم بهذه الأفكار وقالوا إن الحديث يجري عن خطة واسعة النطاق تتحدث عن نقل مؤقت أو دائم إلى الأردن ومصر ودول إسلامية عدة".

وتتزامن هذه الخطة "المزعومة" مع مواصلة مئات آلاف الفلسطينيين رحلة العودة إلى شمال غزّة، وسط أجواء من الغبطة والفرحة التي لا تخلُ من الصدمة من حجم الخراب والدمار الذي خلفته الحرب كما من مشاعر الخوف من "اليوم التالي" خاصة بظل توجه اسرائيلي مدعوم اميركياً بأن لا يكون لـ"حماس" أي دور في غزّة، وهو ما نقله وزير الخارجية ماركو روبيو لنظيره المصري بدر عبد العاطي. ويأتي ذلك على وقع استقبال القاهرة وفد قيادي من "حماس" لبحث ماهية المرحلة المقبلة وتنفيذ اتفاق وقف النار.

في غضون ذلك، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن مبعوث الرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سيتفقد اليوم، الأربعاء، محور نتساريم خلال زيارته المزمعة الى قطاع غزّة كما ذكرت تقارير إسرائيلية أخرى أن ويتكوف سيزور أيضاً معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع. هذه الزيارة ستسبق، وفق المعلومات، لقاء سيجمع بين ويتكوف ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتيناهو لبحث المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار مع "حماس". في وقت يتحضر نتنياهو لتلبية دعوة من الرئيس الأميركي لزيارة البيت الأبيض الثلاثاء المقبل، حيث سيكشف اللقاء عن حجم الدعم الاميركي لاسرائيل ومخططاتها التوسعية والاستيطانية.

وضمن السيّاق عينه، أقرّت لجنة لشؤون التشريع في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، مشروع قانون يتيح للمستوطنين شراء أراضٍ في الضفة الغربية بشكل مباشر، من دون المرور عبر الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي. وتُعتبر هذه المصادقة، خطوة خطيرة ومتقدمة في مخطط ضم الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. وينسجم هذا المشروع مع استكمال الاحتلال حملته العسكرية الموسعة على الضفة مخلفاً خسائر اقتصادية وأضراراً فادحة في المنازل والممتلكات.

وبينما حضّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إسرائيل على سحب أوامرها لوكالة "الأونروا" بمغادرة القدس في إطار تضييقها الخناق على عملها في إسرائيل، وفق ما نقلته "وكالة الصحافة الفرنسية". عرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي أمس محاولة من الجمهوريين لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية احتجاجا على مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. وعارض المجلس مشروع القانون بأغلبية 54 صوتا مقابل 45، وهو ما يعني أن الإجراء لم يحصل على الأصوات الـ60 اللازمة لإجراء تصويت لإقراره في مجلس الشيوخ المؤلف من 100 عضو.

الأوضاع الفلسطينية على حماوتها لا تختلف عن الواقع اللبناني مع تعمد الاحتلال الاسرائيلي خرق اتفاق وقف النار، إن من خلال استهداف المواطنين العائدين إلى قراهم وبلداتهم في الجنوب، أو عبر الغارات الجويّة كما حصل أمس في مدينة النبطية، ولأوّل مرةٍ منذ إعلان وقف النار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وبرّر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الغارتين بالقول إنها "استهدفت شاحنة ومركبة أخرى تابعتيْن لـ"حزب الله" واللتين كانتا تنقل وسائل قتالية في منطقتي الشقيف والنبطية في جنوب لبنان".

من جهته، دان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بشدة الغارتين الاسرائيليتين وأجرى اتصالًا برئيس لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز مطالبًا باتخاذ موقف حازم لضمان تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها بموجب القانون الدوليّ. هذا وأفادت معلومات، بأن لجنة المراقبة ستجتمع خلال الساعات المقبلة، لمحاولة معالجة الوضع الأمني المتفلت، والبحث خصوصاً في استمرار مطالبة إسرائيل البقاء في خمسة مواقع استراتيجية في اللبونة ويارون والعديسة وكفركلا والخيام. على أن تصل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي ستخلف الموفد السابق آموس هوكشتاين إلى لبنان في وقت قريب.

وقد أرخت الظروف الامنية  بظلالها على المشهد اللبناني الذي لم يسهل ولادة الحكومة  التي دخلت في "بازار" الحصص والعُقد التي أخرت ولادة الحكومات السابقة. وإزاء الجدل الحاصل، جدّد الرئيس المكلّف نواف سلام تمسكه "بالمعايير والمبادئ" التي أعلنها سابقاً وتحديداً بأن "الحقائب الوزارية ليست حكراً على أي طائفة"، في إشارة إلى تمسك "الثنائي الشيعي" بوزارة المال. وقد سُجل موقف متشائم للرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أعرب عن عن "تشاؤمه مما هو قادم"، معتبراً أنّه "على السياسيين والعسكريين في "حزب الله" أن يدركوا أن الماضي انتهى وأن عليهم التوجه إلى العمل السياسي وترك العمل العسكري".

في الشأن السوري، برزت الزيارة التي قام بها مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين الخاص، ألكسندر لافرينتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على رأس وفد. ووفق "وكالة تاس الإخبارية"، فإن المحادثات مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع "كانت جيدة وبناءة". في المقابل شددت الإدارة السورية الجديدة على أن استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه. وتسعى موسكو الى اعادة العلاقات مع القيادة الجديدة للحفاظ على نفوذها ولاسيما قواعدها العسكرية. يُشار الى أنه، وللمرة الأولى منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، انفجرت سيارتان مفخختان في ريف حمص الشرقي، كانت تستهدف مواقع للأمن العام في وزارة الداخلية السورية.

من جهة أخرى، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تصريحات متلفزة، إن "إيران مستعدة لسماع عروض ترامب بشأن إجراء مفاوضات جديدة بشأن الملف الإيراني"، مؤكداً أن "الظروف الحالية أصعب بكثير من المرحلة السابقة، وعلى الجانب الأميركي اتخاذ خطوات جادة لكسب ثقة إيران". وحذّر بأن أي هجوم يستهدف المنشآت النووية الإيرانية "سيشكل كارثة في المنطقة لا تُحمد عقباها".

وتناولت الصحف العربية اليوم  تصريحات ترامب كما المشهدين اللبناني والسوري، حيث:

تحت عنوان "غزة واشكالية التهجير"، كتبت صحيفة "البلاد" البحرينية: "رسم ترامب لنفسه صورة مغايرة عن (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن من خلال وعوده التي أطلقها أثناء الحملة الانتخابية العام الماضي عن إنهاء الحرب الدائرة في المنطقة، وكسب فيها تأييدا عربيا ومسلما؛ لكنه لم يبين تفاصيل خطته تلك وسط تحفظ عربي على طلبه الأخير القاضي بتهجير أهل غزّة". وأردفت "كما أنه لم يوفر أي ضمانات بخصوص رجوع النازحين والمدة التي يقترحها. بينما بينت تصريحات الكثير من أهل غزة موقفهم من النزوح، كما توضح لنا أن هناك واقع مخيف بين العيش تحت القصف أو النزوح بلا رجعة".

من جهتها، شددت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن مخططات التهجير "تتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولي والإنساني، وتنتهك القرارات الدولية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني"، داعية "أصحاب هذه المخططات والمشروعات أن يبحثوا عما هو أفضل وأنسب لتحقيق السلام الدائم والحقيقي في منطقة الشرق الأوسط، وهو البدء فورا في عملية إعادة إعمار غزة، والسعي نحو تحقيق حل الدولتين، الكفيل تماما بمنع نشوب صراعات أخرى في المنطقة"، على حدّ قولها.

وركزت صحيفة "الغد" الأردنية على أن "التوجه المعنون بكون الترحيل مصلحة فلسطينية حتى تتم إعادة بناء مناطق الشمال المدمرة والغارقة أصلا بالقذائف غير المنفجرة، توجه كاذب، إضافة إلى أن المخطط الإسرائيلي قد يقبل إدخال مساعدات حاليا، ذرا للرماد في العيون، لكنه لن يقبل حدوث مشاريع إعادة إعمار"، مؤكدة أن "تهجير 7 ملايين فلسطيني وهم إسرائيلي، يدركه الفلسطينيون والعرب المجاورون لفلسطين".

هذا وتطرقت صحيفة "عكاظ" السعودية الى الملف السوري قائلة "لا يمكن لسوريا أن تُشفى دون تحقيق العدالة الانتقالية التي تُعيد الحقوق إلى أصحابها وتُرسّخ أسس المصالحة الوطنية". وأضافت: "إذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوات، فإن نفس الكوابيس التي ثار الشعب السوري ضدها سوف يعاد إنتاجها. فقد آن الأوان أن تُعطى الأكثرية صوتها ومكانتها في سوريا الجديدة".

بدورها، علّقت صحيفة "الخليج" الاماراتية على الاوضاع اللبنانية بالقول: "رغم المشاورات غير الملزمة التي أجراها سلام مع مختلف الكتل السياسية والأحزاب، ورغم إعلان الجميع أنه ليست لديهم أية شروط، تبين أن هناك أطرافاً تضغط للحصول على حقائب وزارية معينة"، مشيرة الى أن "الوضع اللبناني الداخلي لا يحتمل التأخير، في ظل الظروف المستجدة في جنوب لبنان، وضرورة وجود حكومة أصيلة تستطيع مواجهة التطورات، مع إصرار إسرائيلي على انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701".

ولفتت صحيفة "اللواء" اللبنانية الى أنه على الرئيس المكلف "اذا استمرت دوامة المطالب فوق العادة، والشروط من هنا وهناك، خيار واحد للخروج من هذا الواقع الجامد، وهو الإقدام على تشكيل حكومة، تتجاوز الصيغة التقليدية المحكى عنها، حكومة غير تقليدية، لا حصص او تسميات للاحزاب فيها ويراعى فيها تمثيل المحافظات والمناطق"، مطالبة بـ"تحمل كل طرف مسؤوليته، وبأخذ الموقف الذي يراه مناسبا، إما بتأييدها ومنح الثقة لها بالمجلس النيابي، أو حجب الثقة عنها".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن