رغم كل التصريحات الرافضة والشاجبة لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين لما سيكون له من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في منطقة تعج بالاضطرابات والفوضى، إلا أن الأخير يبدو "مصراً" على إعادة الطرح متجاهلاً كل الدعوات لايجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية. ويستخدم ترامب هذا المقترح "الخطير" في إطار "البازار" السياسي، ما سيعني ممارسة المزيد من الضغوطات على الدول، لاسيما مصر والأردن، لدفعهما نحو القبول بالعرض المتاح الذي سيخلق ردات فعل كثيرة على المستوييْن الداخلي والخارجي.
ويعمد ترامب منذ دخوله البيت الابيض الى اثارة الجدل خاصة إزاء تعاطيه مع القضايا الشائكة التي تهم منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن كل قراراته، حتى الساعة، تصب في صالح اسرائيل وافكارها التوسعية الاستيطانية وهو ما يدفع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو واليمين المتشدد الى الدفع نحو تحصيل المزيد من المكاسب السياسية خاصة أنه سيكون أول من يستقبله ترامب في البيت الابيض بعد إعادة تنصيبه رئيساً.
وتأتي هذه الزيارة المرتقبة أوائل الأسبوع المقبل على وقع مناقشة مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مخطط التهجير مع مسؤولين إسرائيليين عدة، خلال زيارته الحالية لتل أبيب حيث وفقاً لـ"القناة 13" للتلفزيون الإسرائيلي، فإن "هؤلاء المسؤولين خرجوا بانطباع من اللقاءات مع ويتكوف، بأن الفكرة تُطرح في واشنطن بشكل جدي تماماً، ولا تقتصر على تصريحات إعلامية، أو زلّة لسان سياسية، ولا حتى بالون اختبار، بل هي نتاج بحث عملي للخيارات المتاحة". كما أنها تتزامن مع "الآمال" المعقودة للبدء بالحديث عن المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار مع "حماس" والذي يسعى الوسطاء الى تعزيز تنفيذه رغم كل المحاولات الاسرائيلية لعرقلته وخلق العثرات.
وفي السيّاق، أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس، بعد مماطلة لساعات، عن الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وكان من بين الأسرى الـ110 المفرج عنهم الأسير زكريا الزبيدي الذي ذاع صيته خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتحوّل الى أحد أشهر القادة العسكريين بعدما قاد عملية الهروب الشهيرة في سجن جلبوع الإسرائيلي عام 2021. هذا وكانت فصائل المقاومة أفرجت عن 3 أسرى إسرائيليين و5 عمال تايلانديين في مشهدية استفزت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي حاول عرقلة عملية اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين قبل تدخل الوسطاء.
وكان من جملة ما أثار حفيظة الاسرائيليين هو ما وصفوه بـ"مشاهد الفوضى العارمة" بعدما تجمع الألاف خلال عملية التبادل التي حاولت من خلالها الفصائل ارسال رسائلها المبطنة للداخل الاسرائيلي مع تعمد اطلاق سراح أسيرين من أمام منزل رئيس حركة "حماس" السابق يحيى السنوار في خانيوس والاسيرة الثالثة وسط ركام مخيم جباليا، الذي حاصره الاحتلال لاشهر ودمره وأخضع أهله للتهجير والتجويع. ومع تنفيذ الدفعة الثالثة من صفقة التبادل، سيبقى لدى الفصائل في قطاع غزة، 82 إسرائيلياً، وفق المعلومات الصحافية. ومن المقرر أن تجري عملية تبادل أخرى في الموعد المحدد، يوم السبت المقبل، بموجب الاتفاق بين الجانبين.
وبعد اتمام العملية بساعات، أعلن الناطق باسم "كتائب القسام" أبو عبيدة، عن استشهاد قائد هيئة أركان "القسام" محمد الضيف، وعدد من القادة المحوريين الذين سبق لاسرائيل أن أعلنت اغتيالهم ضمن "بنك الأهداف" الذي تحدث عنه نتنياهو. يُشار الى أن محمد الضيف بقي لسنوات يتربع على عرش قائمة الاغتيالات التي وضعتها تل أبيب على مدار عقود، وسبق أن نجا من أكثر من سبع محاولات لاغتياله.
الى ذلك، يستكمل الاحتلال عمليته العسكرية الموسعة في الضفة الغربية مع ارتفاع أعداد الشهداء والمعتقلين ناهيك عن الدمار الكبير في البنى التحتية والممتلكات بظل مناشدات داخلية لوقف العدوان. في غضون ذلك، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإجلاء 2500 طفل من قطاع غزة على الفور لتلقي العلاج بعد اجتماع مع أربعة أطباء أميركيين قالوا إن الأطفال يواجهون خطر الموت خلال أسابيع. وكانت الأمم المتّحدة أعلنت أنّ وكالة "الأونروا" تواصل عملها في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، وذلك على الرغم من دخول قرار الحظر الاسرائيلي حيّز التنفيذ.
أما سورياً، فبعد سلسلة من الانتقادات التي واجهت عملية تنصيب أحمد الشرع رئيساً للبلاد وسط مخاوف عبّر عنها الشارع السوري من استبدال حاكم بأخر. تحدث الرئيس السوري، لأول مرة متوجهاً في خطابه المقتضب الى الشعب، راسماً خريطة طريق للمرحلة الانتقالية. وأعلن الشرع عن نيته تشكيل حكومة انتقالية تمثل مكونات الشعب السوري وتنظم مؤسسات الدولة حتى الوصول الى مرحلة الانتخابات. كما أكد أنه سيتم تشكيل مجلس تشريعي والتحضير لعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي سينتج إعلان الدستور. وعدّد الشرع أولوياته في المرحلة المقبلة والتي تتلخص بـ"سعي لتحقيق السلم الأهلي، ملاحقة المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري في الداخل والخارج، إتمام وحدة الأراضي السورية، بناء مؤسسات قوية للدولة وصولاً إلى إرساء دعائم اقتصاد قوي، يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية والدولية".
وفي ضوء التطورات السورية ومنها زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى سوريا، ارتفعت الليرة السورية إلى مستوى قياسي أمام الدولار الأميركي، لتصل إلى ما دون العشرة آلاف ليرة لكل دولار واحد، وذلك للمرة الأولى منذ النصف الثاني من العام 2023. وقد شكلت الزيارة القطرية دفعاً معنوياً بظل الحديث عن نيّة الدوحة المساهمة في ضخ مليارات الدولارات كودائع في المصرف المركزي. كما انها استحوذت على الاهتمام لأنها أتت بعد يوم واحد من تنصيب الشرع رئيساً للبلاد كما لكونها أول زيارة لرئيس عربي بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وفي تطور أمني، أعلن الجيش الأميركي عن مقتل القيادي البارز في جماعة "حراس الدين" التابعة لتنظيم "القاعدة" في غارة جوية بشمال غرب سوريا أمس، الخميس. وقالت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، إن الغارة الجوية، تعد جزءا من جهد مستمر لتعطيل وإضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة.
لبنانياً، يستمر الاحتلال في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جرى تمديده حتّى تاريخ 18 شباط/ فبراير المقبل. وقد تصاعدت الخروقات الإسرائيليّة بشكلٍ ملحوظٍ خلال الأيام الماضيّة، وشملت أمس المزيد من التفجير للمنازل والمحال التجارية في برج الملوك وتلّ النحاس ومنطقة "الحريقة" عند أطراف بلدة عيترون كما في كفركلا، فيما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ أنّ "سلاح الجوّ اعترض طائرة مسيّرة تابعة لـ"حزب الله" أُطلقت نحو الأراضي الإسرائيليّة"، مضيفًا أنّ "الجيش لن يسمح بحدوث أنشطة إرهابيّة للحزب وسيتحرك لإزالة أي تهديد على إسرائيل ومواطنيها".
تزامناً، واصل الجيش اللبناني انتشاره في منطقة جنوب الليطاني بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار. ودعا الجيش المواطنين إلى الالتزام بتوجيهاته، مع استمرار مواكبته لعودتهم إلى قراهم وبلداتهم الحدودية لتفقد ممتلكاتهم أو لدفن أحبتهم في وقت لا تزال عملية انتشال جثامين الشهداء من القرى المدمرة مستمرة. هذا ومن المتوقع أن تزور الموفدة الأميركية الجديدة مورغان أورتاغوس، لبنان نهاية الأسبوع الحالي. وعلى جدول أعمالها سلسلة من اللقاءات مع الجانب اللبناني للبحث في استكمال عملية الانسحاب الإسرائيلي في مقابل وجود نوايا اسرائيليّة مبيتة بالبقاء في عدد من النقاط الاستراتيجية والحيوية في القطاع الشرقي.
وعكست جولة اليوم على الصحف العربية تركيزها بشكل رئيسي على المقترح الأميركي القاضي بتهجير أهل غزة مع إلتفاتها إلى التطورات السورية الداخلية. وضمن العناوين والمقالات الواردة نرصد:
رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "قضية الشعب الفلسطيني قضية عادلة، غير أن خصومتهم كانت مع عدو أحمق يتحين أي فرصة ليقوم بإبادتهم". وقالت "من المؤكد أن كل مسلم وعربي يتمنى اليوم الذي تعود فيه للشعب الفلسطيني حقوقه المنهوبة وأراضيه المستلبة، غير أن تحقيق استعادة الأرض والحقوق لا يجب أن يتم من خلال عمليات قد تؤدي إلى قتل عشرات الآلاف من الأبرياء، وخاصة في مواجهة عدو أحمق يلقى تأييداً من بعض الدول العظمى، فما قيمة الوطن إذا كان من يسكنه جرحى ومعاقون لا يملكون بيوتاً أو مرافق أو مؤسسات تعليمية وصحية..".
من جهتها، أثنت صحيفة "الأهرام" المصرية على "الحشود البشرية التي شهدتها غزة وعودة الشعب الفلسطيني إلى بيوته، والتي ينبغي أن تكون درسًا لإسرائيل أن الأوطان ليست باتساع أرضها، ولكن الأوطان بقوة إرادتها وصمود شعبها وقدرتها على تحقيق الأمن والرخاء". وأضافت "إن العالم العربي لن يقبل بتلك الأفكار التي تسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية، حتى لو كان الثمن تهجير شعبها خارج وطنه. فتهجير الفلسطينيين، نهاية قضية ودمار شعب وسقوط أمة".
واعتبرت صحيفة "البلاد" البحرينية أنه "في محاولة جديدة يائسة للتخلص من الثقل الديموغرافي للفلسطينيين يتضح أنّ الخطة كانت على مرحلتين: مرحلة التدمير الإسرائيلي الممنهج لغزة والضفة الغربية، ثم مرحلة التهجير الأميركي بتحفيز الفلسطينيين على خيار التهجير تحت شعار "الهجرة الطوعية"، مشيرة إلى أنه "لو كان حسم القضية الفلسطينية - على أنها قضية ديموغرافية - بهكذا حلول لحُسمت منذ منتصف القرن العشرين، فبعض التاريخ أعاد نفسه، لكنّ القضية أبعد من ذلك بكثير: "إنّها حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره وإقامة دولته على أرضه، وليس حقّ من لا يملك لمن لا يستحقّ".
هذا وشددت صحيفة "الصباح" العراقية على أنه "إذا كان مقترح ترامب حول تهجير الفلسطينيين سياسيا أو تجاريا، فإن بعض المحللين يرونه يفتقر إلى الواقعية والمسؤولية، وسيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر". وأردفت "تاريخ النزاع الفلسطيني-الصهيوني مليء بمحاولات تهجير سابقة لم تؤدِ إلا إلى تعميق الأزمة وتعقيدها، وأن الحل الأمثل هو البحث عن تسوية سلمية عادلة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتؤسس لهم دولتهم".
بدورها، تناولت صحيفة "الخليج" الاماراتية التطورات السورية بالقول "لا يكفي أن يتحدث الشرع عن مرحلة مضت والحفاظ على السلم الأهلي والبنية الاقتصادية التنموية، واستعادة سوريا لمكانتها الإقليمية والدولية، إذ لا بد من فكر جديد يقوم على إقامة توافق داخلي بالتأكيد على السلم الأهلي وتكريس الوحدة الوطنية، وجعل المواطنة هي الأساس وعدم العودة إلى الانتقام والإقصاء"، متسائلة "هل تنجح سوريا في المرحلة الجديدة على عكس تجارب الآخرين الذين دخلوا في مراحل انتقالية وكأنها لم تتغير؟".
وتطرقت صحيفة "القدس العربي" للأمر عينه، حيث اعتبرت بأن "الخطاب حسم الأسئلة التي كانت معلقة حول نوايا السلطات العسكرية التي أسقطت النظام السابق، بالنسبة لمشروعها السياسي، وأوضح للسوريين، الاتجاه الذي تمضي فيه البلاد، بحيث تنتظم القضايا السياسية، ضمن سياق معلوم، وأولويات متوقعة، بشكل يسمح لمختلف الأطراف بتحديد مواقفها من خطط المرحلة القادمة، سلبا أو إيجابا، موافقة أو اعتراضا"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")