مؤسَّساتُ التمويلِ التنمويّة التي توفِّرُ شروطًا مُيَسَّرَةً وأسعارًا مناسبةً للفائدة على قروضِها لهذا النّوعِ من المشروعات، تجعلُ ترتيباتِ القروضِ دالّةً في توافرِ أحدِ شرطَيْن: إما أنّ القوائمَ الماليةَ للشركاتِ والمؤسَّساتِ طالبة التّمويل تعكسُ ملاءةً ماليةً وقدرةً على السَّداد Balance Sheet Based Finance، أو أنَّ المشروعَ محلّ التمويل يحقِّقُ جدوى اقتصاديةً عاليةً وتدفُّقاتٍ تسمحُ بسدادِ القرضِ أو أداةِ الدَّيْنِ المستخدمةِ في التّمويل (السندات أو الصكوك مثلًا) Project Based Finance. والعديدُ من المشروعاتِ والمؤسساتِ في الدولِ الناميةِ والناشئة غير مُهَيَّأ مصرفيًّا Not Bankable وبالتّالي يواجهُ تحدّياتٍ كبيرةً في تدبيرِ التّمويلِ اللّازم.
القيود على الاستثمار الأجنبي وتحويل الأموال ومخاطر العملة مِن العوامل المثبّطة للاستثمار في مشروعات انتقال الطّاقة
من التّحدّياتِ التي تواجهُ الاستثمارَ في مشروعاتِ انتقالِ الطّاقةِ، التشوّهاتُ السّعريّة الناتجة عن دعمِ منتجاتِ الطّاقة في العديدِ من البلدان. فالدّعمُ الموجّهُ لمنتجاتِ الوقودِ الأحفوري مثلَ البنزين والغاز يقلِّلُ من تنافسيةِ منتجاتِ الطّاقةِ البديلةِ مثل الطّاقةِ الشمسيّةِ والرّياحِ والمَسَاقِط المائيّة. كفاءةُ تسعيرِ الكربون والموارد الناضبة وفقًا لنُدرتِها وتلويثِها للبيئة، هي مِن المحدِّدَاتِ الهامة لنجاحِ استراتيجيّاتِ انتقالِ الطّاقة في كلّ دولِ العالم.
الإجراءاتُ الطويلةُ والعقيمةُ لاستخراجِ التّراخيصِ والتّصَاريح وتخصيصِ الأراضي اللازمةِ لمشروعاتِ الطّاقةِ النظيفةِ وتحسين كفاءةِ الطّاقة، تلعبُ كذلك دورًا معوّقًا لنجاحِ مشروعاتِ انتقالِ الطّاقة، وتكون عنصرًا طاردًا للاستثمار، بخاصة الاستثمار الأجنبي. كذلكَ، تُعتبرُ القيودُ المفروضةُ على الاستثمارِ الأجنبي وتحويلِ الأموال ومخاطِر العملةِ الأجنبيةِ وتقلّباتِ أسعارِها وتعدُّدِ أسواقِها داخلَ البلد الواحد، وضعف الجهازِ المصرفي وانخفاض السّيولةِ في أسواق المال... مِن العواملِ المثبّطةِ للاستثمارِ في مشروعاتِ انتقالِ الطّاقة.
يضافُ إلى تحدّياتِ انتقالِ الطّاقةِ، ضعفُ الأداءِ المالي لشركاتِ المنافعِ العامة مثل شركاتِ الكهرباءِ والمياهِ والغازِ الطبيعي... ذلك يعكسُ تراجُعَ العائِدِ على الاستثمارِ في مشروعاتِ تلك الشركاتِ من خلال صُوَرِ الشّراكة بين القطاعيْن العام والخاص، وكذلك فإنّ ضعفَ الأداءِ المالِي لتلكَ الشركاتِ يجعلها عاجزةً عن شراءِ منتجاتِ الطّاقةِ النّظيفةِ من المشروعاتِ الخاصَّة، علمًا أنَّ شركاتِ المنافعِ العامّة عادةً ما تكونُ المُشتري الأكبر لهذا النّوع من المنتجات off-taker.
ويُعَدُّ ارتفاعُ الدَيْنِ العامّ في الدولِ الناشئةِ والناميَةِ أحد معوّقاتِ تمويلِ مشروعاتِ انتقالِ الطّاقة، نظرًا لكوْنِه يُضْعِفُ من مؤشّراتِ الاستدامةِ الماليّةِ لموازناتِ تلك الدّول، ويخفّضُ من تصنيفِها الائتماني، ويحدُّ من قدرتِها على الاقتراضِ الدّاخلي والخارجي على السّواء. وقد تسبَّبَت جائحةُ كورونا في تعميقِ الفجوةِ بين احتياجاتِ وتدفُّقاتِ الاستثمارِ في مشروعاتِ انتقالِ الطّاقة.
وفي الوقتِ الذي تمثّلُ فيه الكتلةُ السكّانيّةُ بالدولِ الناميةِ والناشئةِ ثُلْثَ سكّانِ العالم، فإنَّ فقط خُمْسَ الاستثماراتِ في الطّاقةِ النظيفةِ تُوَجَّهُ إلى تلك الدّول. وقد تراجعت معدلاتُ الاستثمارِ السّنويةِ في مختلفِ قطاعاتِ الطّاقة بتلك الدّولِ بنسبةِ 20% منذ العام 2016 وحتّى اليوم. جانبٌ من هذا التّراجعِ يمكنُ إرجاعُه إلى التحدّياتِ التي تواجهُ تحريكَ التمويلِ إلى مشروعاتِ الطّاقةِ النَّظيفة. وجائحةُ كورونا كانت إحدى هذه التحدّيات، نظرًا لما أَحْدَثَتْهُ من إرباكٍ في القوائمِ الماليّةِ للشَّركاتِ والقوى الشرائيّةِ للمستهلكين فضلًا عن الضّغوط التي فرضَتْها على الموازناتِ العامَّةِ للدول.
من العوائق عدم وضوح ضوابط تعويض المستهلك أو المستثمر ببيع فائض الإنتاج والقيود على صادرات الشّبكات
ومن الرّاجِحِ استمرارُ ارتفاعِ تكاليفِ الاقتراضِ على المدى القريبِ مع استمرارِ تشديدِ السياساتِ النّقديةِ في العديدِ من البلدان (وتباطؤ وتيرة التيْسير في بلدان أخرى)، ما قد يضرُّ ببعضِ مشروعاتِ الطّاقةِ النّظيفةِ التي تلعبُ تكاليف التمويلِ فيها دورًا رئيسًا. ومع ذلك، تظلُّ التّقنياتُ النظيفةُ الخيارَ الأكثر فعّاليةً من حيث التكلفةِ لتوليدِ الطّاقةِ الجديدةِ في العديدِ من الدّول، حتى قبلَ الأخذِ في الاعتبارِ الأسعار شديدة الارتفاع التي شوهدت عام 2022 للفحم والغاز.
ومن العوائِقِ التي تواجه المستثمر في مجالاتِ انتقالِ الطَّاقة، عدمُ وضوحِ ضوابطِ التعويضِ التي يحصلُ عليها المستهلكُ أو المستثمرُ ببيْعِ فائضِ الإنتاجِ إلى الشّبكات، والقيود المفروضة على صادراتِ الشّبكاتِ كما هي الحال في ماليزيا. في الوقت عينه، فإنّ السَّخاءَ المُفْرِطَ في منْح حوافزِ الاستثمارِ يمكن أن يتسبَّبَ في دوراتٍ من فائضِ العرضِ وفائضِ الطلبِ كما هي الحال في فيتنام.
ومع زيادةِ إنتاجِ الطّاقة الشمسيّة وطاقة الرّياح، يحتاج مُشَغِّلُو الشَّبكاتِ إلى معداتٍ جديدةٍ لتحقيقِ المرونةِ في عملِ نظامِ الطّاقةِ بأكملِه. وفي حين تقومُ بعضُ الحلولِ على السّوق، يتطلَّبُ بعضُها الآخر الاستثمارَ في حلولِ التِّكنولوجيا الحديثة. وتُعتبرُ الاحتياطيّاتُ سريعة التّزايُد في مجال التّوليد الحراري، والطّاقة الكهرومائيّة التي يتمُّ ضخّها، وشبكاتِ النّقلِ والتوزيعِ المُعزّزة، وأجهزةِ التحكّمِ الرَّقمية، وسعةِ التّخزين الموسّعة إلى حدٍّ كبير، وإدارةِ جانبِ الطلبِ من خلالِ المضخَّاتِ الحراريّة، والمراجِل الكهربائيّة، وأنظمةِ البطاريات لتخزينِ الطّاقة من المصادر المتجدِّدَة، مجرّد جزءٍ من مجالاتِ الاستثمارِ في نظامِ الطّاقة.
وفقًا لمؤشراتِ التطوّرِ في النُّظم الماليةِ التي أطلقتها الوكالة الدولية للطّاقة (IEA) والتي تُحتسبُ كنسبةٍ من النَّاتجِ المحلّي الإجمالي، فإنَّ جنوب أفريقيا وسنغافورة وتايلاند وماليزيا قد قطعت شوطًا مُهمًّا في تطوّرِ الأنظمةِ الماليةِ فوقَ المتوسطِ العالمي، بينما ظلّت القطاعاتُ الماليةُ في مجموعةٍ من الدّول الناميَةِ تنمو بِنِسَبٍ بعيدةٍ عن المتوسِّط العالمي. وبين مجموعةِ الدّول الناميَة والناشئة هناك عددٌ محدودٌ قام بإصدار سنداتٍ خضراء، منها تشيلي وإندونيسيا ونيجيريا ومصر.
(خاص "عروبة 22")