صحافة

التطلعات المنتظرة للقمة العربية

علي محمد فخرو

المشاركة
التطلعات المنتظرة للقمة العربية

لا تستطيع عبارات التهديد والوعيد التي تصدر يومياً من قبل رئيس الولايات الأمريكية المتحدة، تجاه الأمة العربية، وعلى الأخص قضيتها الكبرى الوجودية في فلسطين المحتلة، إلا أن تثير غضب واستنكار جميع سلطات وشعوب هذه الأمة. من هنا الترحيب الواسع والإشادة بدعوة مصر لانعقاد مؤتمر قمة في نهاية هذا الشهر، ومن هنا أيضا الآمال الكبيرة المعقودة على جدية وفاعلية القرارات والمواقف التي ستصدر من ذلك الاجتماع.

فتصريحات واقتراحات الرئيس الأمريكي، ومن ثم صنوه المجرم السفّاح نتنياهو الصهيوني ليست عبارات خلافات في وجهات نظر سياسية وأمنية وإنما هي قرارات ومؤامرات مدروسة ومخططة لرجوع الاستعمار إلى كل أرض العرب والتحكم في حاضر ومستقبل هذه الأمة. وهي قرارات تنطلق من المبدأ الاستعماري الاستئصالي الغربي الشهير القائم على الاستعلاء العرقي للرجل الأبيض على كل الأعراق الأخرى، وعلى كذبة أن هذا الرجل هو أكثر ذكاء وتمدنا وعقلانية وقدرة على إدارة شؤون الإنسانية برمّتها، وعلى أن قتل أو تهجير الشعوب التي قد تقف في وجه الرجل الأبيض هو ممارسة مقبولة حتى ولو كانت تتناقض مع كل شرعة وقيم وحقوق إنسانية.

فنحن اليوم أمام رجلين يريدون إرجاع كل مبادئ وقيم وأخلاقيات وسلوكيات الرجل الأوروبي الأبيض الذي قتل وشرّد وأفقر وعزل الملايين من السكان الأصليين في أمريكا الشمالية والجنوبية وفي أستراليا ونيوزيلاند، والذي تمتع بكل صلف استعمار أغلب مجتمعات وشعوب الكرة الأرضية.

ولذلك فإن دعوتهما لتهجير سكان غزة، ومن ثم الاستيلاء على أرض غزة ، وتسمية مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، وكأنها ملكهما الخاص، كأوطان بديلة للمهجرين، والمناداة بضم الضفة الغربية لأملاك الكيان الصهيوني، والتهديد الأمريكي بإيقاف المساعدات لمصر والأردن... فإن كل تلك التصريحات المشينة والسلوكيات المقززة هي في الحقيقة ليست أكثر من إرجاع لتاريخ الاستعمار الأسود وللأيام التي كان فيها الرجل الأوروبي متحكما في مقدرات هذا العالم كله.

ولكن مع إضافة عنصر جديد: التحاق مميز توراتي خرافي للاستعمار الصهيوني الذي بزّ في جرائمه وقدراته التدميرية واحتقاره لكل القوانين والأعراف والقيم الأخلاقية كل ما فعله الرجل الأوروبي سابقا. ولكن أيضا مع انتقاء لضحية جديدة ممثلة في الشعب العربي الفلسطيني حاليا في الدرجة الأولى وفي كل الشعوب العربية مستقبلاً.

لن يسلم شعب عربي واحد ولا قطعة أرض عربية واحدة من هذه المؤامرة الاستعمارية الصهيونية القديمة ــ الجديدة ــ المتجددة وراء ألف قناع. من هنا الأهمية الكبرى للاجتماع القادم، ليس فقط من أجل مواجهة المؤامرات المتناثرة العابرة وإنما أيضا من أجل اتخاذ قرارات جذرية ووضع خطوط حمر لمواجهة هذه الهجمة الأمريكية ــ الصهيونية التي قررت أن تفتح أبواب جهنم على كل الأمة العربية، في كل حقل من حقول الحياة، بهدف إبقائها ممزّقة ومتخلفة وخاضعة على الأخص للأحلام والإملاءات الصهيونية.

إننا بانتظار أن يكون الاجتماع القادم صحوة حقيقية تاريخية وجودية تؤدي إلى رجوع الإرادة العربية المشتركة التي عانت الكثير من الطعنات، وإلى التحام قوى الدولة مع قوى المجتمع على مستويات الأقطار ومستوى الوطن العربي، وإلى بناء كتلة عربية ــ إسلامية تتمتع باحترام العالم وبالقدرة على ممارسة الأفعال والندّية في مواجهة الأخطار المحيطة بكل دولها، وإلى زوال الاعتقاد من قبل البعض بأن الخلاص الفردي الذّاتي السّيادي للدول والأنظمة مقدم على الخلاص الجمعي السّيادي الشامل، وإلى الإدراك العميق الصادق بأن دخول منافسات عوالم التكنولوجيا والعلوم والأنظمة المتطورة في السياسة والاقتصاد والأمن على الأخص لا يمكن أن تكون أبوابه مفتوحة إلا من خلال أنواع من توحيد الإمكانيات العربية والعربية ــ الإسلامية في شتى المجالات، وبدون استثناء.

إننا نشعر بأن بداية ذلك الوعي قد أزف أوانها بعد أن عانى الجميع من مآسي النكبات وجحيم ضعف الإرادات الحرة المستقلة.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن