هل المقصود غزة.. أم الضفة؟!

هل اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير أهل غزة من أرضهم كلام جاد أم "قنبلة دخانية" حتى يمكن تمرير هدف أسمى وأكبر هو ضم واستكمال تهويد الضفة الغربية؟

ظني أنه كان يقصد ذلك فعلًا فإن حقق هدفه فسيكون قد قدم أفضل خدمة لإسرائيل اعتقادًا أن ذلك سوف يدخله التاريخ حتى لو كان من أسوأ الأبواب، وإذا فشل وهذا هو المنتظر فسوف يأتي الينا كعرب ويقول ما معناه: آسف، لقد اقتنعت بوجهة نظركم ومستعد لسحب مقترحي بتهجير الفلسطينيين، لكن في المقابل أريد منكم كعرب أن تنفذوا لي مجموعة من المطالب. أولها أن يتم نزع سلاح المقاومة بالكامل من غزة وثانيها أن يخرج كبار قادة حماس ويتم نفيهم خارج القطاع، وثالثًا أن تتولى إدارة دولية أو عربية إدارة قطاع غزة، بمشاركة وإشراف أمريكي، ورابعًا أن يتم تنفيذ مخطط التهجير في الضفة الغربية بدلًا من غزة، لأننا قررنا ضم الضفة إلى إسرائيل.

نعلم تمامًا أن الهدف الإسرائيلي الأكبر هو تنفيذ خريطة إسرائيل الكبرى الموجودة في عقول وقلوب غالبية الإسرائيليين وعلى جدران الكنيست. ونعلم أن أهداف إسرائيل الموجودة في الأدراج الصهيونية منذ عقود، يتم تنفيذها خطوة خطوة حسب الظروف على الأرض، وبالتالي وبعد تدمير غزة، يتم الآن تدمير أكبر قدر من الضفة، كما نرى في جنين وطولكرم.

من أجل كل ذلك علينا أن نكون منتبهين ألا نقع في هذا الكمين الخطير. ولم ينتبه الكثيرون لما قاله ترامب خلال لقائه بالعاهل الأردني عبدالله الثاني، مساء يوم الثلاثاء الماضي، بأنه يعتقد أن خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية سوف تنجح تمامًا. هذا التصريح هو ضوء أخضر للإسرائيليين كي يسرعوا بتنفيذ الخطة، خصوصًا أن وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتيريتش هو نفسه صاحب "خطة الحسم"، والتي كتبها كدراسة أكاديمية منذ ثماني سنوات ولخصها بأن أمام الفلسطينيين 3 خيارات لا رابع لها، وهي إما أن يقبلوا العيش في إسرائيل الكبرى كمواطنين من الدرجة الثانية، وإما أن يتم ترحيلهم للخارج، وإما أن يتم قتل كل من يقاوم هذه الخطة.

أخشى أن نفرح كعرب حينما يتم إحباط خطة ترامب بشأن غزة ونعتقد أن المشكلة قد انتهت، ثم نكتشف أن غزة كانت العصفورة التي يريدون أن يصرفوا بها عنا الهدف الأكبر والأخطر. علينا أن ندرك أن المخطط طويل والمعركة أطول، والمشكلة أن الإسرائيليين يعتقدون أن لديهم فرصة قد لا تتكرر كثيرًا لتنفذ مخططهم الأكبر، مدعومين بوجود رئيس في البيت الأبيض يزايد على مطالب الكثير منهم، بصورة لم يحلموا بها، وبصورة لم يتخيلها العرب في أشد كوابيسهم قتامة ومأساوية.

الموقف العربي يبدو قويًا والموقف المصري أكثر من قوي وصامد وواضح وحاسم. علينا أن نستغل هذه الحالة من التوحد العربي والإسلامي بصورة عملية حتى تصل الرسالة واضحة إلى كل من واشنطن وتل أبيب بأن العرب لم يموتوا بعد. لا يعني الاعتقاد لأن خطة ترامب ستفشل أن نركن ونعتقد ان المعركة انتهت، بل لا بد من استمرار التحرك والمواجهة الدبلوماسية والسياسية مع أمريكا وإسرائيل، وطرح البدائل العملية لإعادة إعمار غزة مع بقاء سكانها الفلسطينيين في أرضهم.

المؤكد أن ترامب يدرك أن خطته غير عملية وغير قابلة للتنفيذ، لكنه، ولأنه مطور وتاجر عقارات كبير يؤمن بالصفقات والمساومات وليس بالقوانين والاتفاقيات والمبادئ، فهناك احتمال كبير أنه طرح هذه الخطة، لكي يحقق منها مكاسب كبيرة لإسرائيل وله شخصيًا.

البعض قال إن ترامب وعائلته سوف يستفيدون شخصيًا من هذه الصفقة، لكنه نفى ذلك، وسوف نصدقه مؤقتًا، وأغلب الظن أنه يسعى لرد الجميل لقاعدته الانتخابية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الذي موّل حملته الانتخابية بملايين الدولارات خصوصًا المليارديرة الإسرائيلية الأمريكية الصهيونية ميريام أدلسون التي تبرعت بمفردها بـ217 مليون دولار لترامب. هذا المخطط سوف يفشل بنسبة كبيرة، بالنظر إلى عدم معقوليته ورفض وصمود الشعب الفلسطيني والموقف المصري الحاسم ومعه الموقف الأردني والعربي والعالمي.

وحينما يصف المستشار الألمانى أولاف شولتز الخطة بأنها "فضيحة"، وحينما يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن غزة "ليست صفقة تجارية"، وحينما ترفض بريطانيا الخطة، وحينما تعارضها روسيا والصين وكل العالم العربي والإسلامي، فالمؤكد أن هذه الخطة التي تنتمي إلى العصر الاستعماري السحيق سوف تفشل.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن