اقتصاد ومال

فعالية الاستثمارات في تحقيق التنمية والتشغيل في الدول العربية

الاستثمارات الجديدة وضمنها التوسّع في الاستثمارات القائمة، هي المحرك الأساسي لتحقيق التطور الاقتصادي وخلق الوظائف أو فرص العمل الجديدة، واقتحام مجالات ونشاطات اقتصادية جديدة ومتقدّمة. لذا يحظى معدّل الاستثمار أي قيمة الاستثمارات الجديدة كنسبة من النّاتج المحلي الإجمالي، بأهمية كبرى لدى استطلاع حالة ومستقبل ومسار تطور أي اقتصاد.

فعالية الاستثمارات في تحقيق التنمية والتشغيل في الدول العربية

عند مطالعة بيانات معدّل الاستثمار في البلدان العربية ومدى فعاليته في تحقيق التطور الاقتصادي ستصيبك الصدمة من تدنّي مستوى هذا المؤشر في بعض الدول مقارنة بالمؤشر المناظِر في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل والغنية على حدٍّ سواء. وستصيبك الدهشة أيضًا من ارتفاع معدّل الاستثمار لدى بعض الدول من دون أي فعّالية في تطوير وتنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل!

عدم وجود تدفّقات استثمارية هو ثمن باهظ للحروب والاعتداءات وتأثيره شديد السلبية في النموّ

لا تتوفر بيانات عن معدّل الاستثمار الحقيقي في الدول التي عانت من الحروب الأهلية والاعتداءات الخارجية وهي فلسطين ولبنان والسودان والصومال وسوريا وليبيا. ومن المرجّح أن يكون المؤشر سلبيًّا في تلك الدول بسبب الدمار الكبير للاستثمارات القائمة في البعض منها، وعدم وجود أي تدفّقات استثمارية جديدة سوى بشكل هامشي لا يُذكر، وهو ثمن باهظ للحروب الأهلية والاعتداءات الخارجية وتأثيره شديد السلبية في النموّ ومستويات معيشة البشر. وقد بلغ معدّل النمو الحقيقي للنّاتج المحلي الإجمالي في كلّ من السودان، وليبيا، والضفّة وغزّة بالترتيب نحو -18.3%، و-10.2%، و-6.1% عام 2023، بينما لا تتوفّر بيانات عن النمو في سوريا ولبنان. ومن المؤكّد أن يكون تراجع النّاتج في الضفّة الغربية وغزّة قد وصل لمستوى مأساوي في عام 2024. وكذلك الأمر وإنْ بدرجة أخفّ وطأة في لبنان وسوريا.

مستوى الإدارات وترتيب الأولويات وراء ضعف الاستثمار

سجَّل معدّل الاستثمار مستويات متدنّية للغاية في تونس ومصر وجيبوتي واليمن وجزر القمر، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ نحو 26.6% من النّاتج العالمي، والمتوسط في الدول النامية والناهضة البالغ نحو 32.2%، والمتوسّط في دول آسيا النامية والناهضة البالغ نحو 38.7% عام 2023 وفقًا لقاعدة بيانات صندوق النقد الدولي.

ووفقًا لتلك البيانات، بلغ معدل الاستثمار عام 2024 نحو 14.8%، و11.2%، و10.8%، و6.6%، و5.3%، و4.8% من النّاتج المحلي لكل من العراق، وتونس، ومصر، وجيبوتي، واليمن، وجزر القمر بالترتيب. وهي معدّلات لا تتيح سوى المراوحة على حافّة الرّكود بنموّ يتراوح ما بين 1% و2.5%، بغضّ النظر عن البيانات الرّسمية الصادرة عن كل دولة من تلك الدول والتي تنطوي على الكثير من المبالغة في بعض الأحيان لتجميل الأداء الحكومي. وتلك المعدّلات تتيح لتلك الاقتصادات العيش بقوّة الدفع الذاتي والتحرّك البطيء غير المؤهل لتحقيق قفزات اقتصادية فعّالة تؤدي لتنويع هيكل الاقتصاد.

"فجوة الموارد المحلية" تؤدّي إلى الاستدانة من الخارج أو الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية التي تُحَوِّل أرباحها للخارج

الأسوأ أنّ تلك الدول لا تستطيع تمويل استثماراتها المحدودة من مدّخراتها، حيث يقل معدّل الادّخار فيها عن معدّل الاستثمار، ما يخلق ما يسمّى "فجوة الموارد المحلية" التي تؤدّي تلقائيًّا إلى الاستدانة من الخارج، أو الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية التي تُحَوِّلُ أرباحها للخارج بصورة تستنزف رصيد الدولة العربية المستقبِلة لها من العملات الحرّة. وقد بلغ معدل الادخار نحو 11%، و7.6%، و4.2%، و3.3%، و-19.7%، و1.7%، و-3.5%، و-0.6% في كلّ من العراق، وتونس، ومصر، وجيبوتي، واليمن، وجزر القمر، ولبنان، والسودان عام 2024، مقارنة بنحو 26.6% في المتوسط العالمي.

معدّلات استثمار جيدة ومتفاوتة الفعالية

تُحقّق الجزائر، وقطر، والبحرين، والسعودية، وموريتانيا، والإمارات، والمغرب وعُمان، والكويت معدّلات استثمار جيدة أو متوسطة، حيث بلغ المعدل فيها بالترتيب نحو 36.3%، و34.6%، و32%، و30.3%، و29%، و28.1%، و27.8%، و26%، و22.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024. وعلى الرَّغم من تلك المعدّلات الجيدة للاستثمار والتي تفوق المتوسط العالمي في غالبيتها، فإنّ معدّلات النمو التي تحققها تلك الدول، وفرص العمل الجديدة تشير إلى أن فعّالية تلك الاستثمارات، إمّا أنّها متوسطة أو ضعيفة في تحقيق النموّ الاقتصادي وخلق الوظائف المرتبط به. وتشير بيانات صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي إلى أنّ معدلات النمو المقدّرة لعام 2024، بلغت نحو 3.8%، و3%، و2.8%، و1.5%، و1.5%، و1% في كلّ من الجزائر، والبحرين، والمغرب، والسعودية، وقطر، وعُمان بالترتيب. وهي معدّلات إما أنّها ضعيفة وعلى الحافة المباشرة للرّكود كما هي الحال في عُمان وقطر والسعودية، أو أنّها أقل من المتوسط في باقي الدول.

ويعود ذلك إلى أنّ النمو الاقتصادي في الدول العربية المصدِّرة للنفط والغاز يعتمد خلافًا لكل بلدان العالم، على حركة أسعار النفط والغاز وإيرادات تصديرهما، بدرجةٍ أعلى كثيرًا من اعتماده على حركة الاستثمارات الجديدة والعائد منها حتى الآن. وإلى أن تتغيّر تلك العلاقة سيظلّ النموّ في تلك الاقتصادات تابعًا لحركة أسعار النفط والغاز. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ محاولات تطوير وتنويع الاقتصاد في بعض الدول العربية المُصدّرة للنفط يمكن أن تُغيّر تلك المعادلة بقدر تقدّم وتوسّع خطط التطوير والتنويع.

الدول العربية بحاجة لثورة استثمارية ودفعة قوية ومنسّقة وتكاملية بين الاقتصادات العربية

أما التشغيل وخلق الوظائف في غالبيّة الدول العربية والمرتبط بشكل وثيق بحركة الاستثمارات الجديدة والتوسع في الاستثمارات القائمة، فإنّه متدنٍ بصورة جعلت المنطقة العربية هي المنطقة الأكثر ابتلاءً بالبطالة في العالم عمومًا بمعدل بلغ نحو 12.2% من قوة العمل العربية عام 2023. ومن المؤكّد أنه تفاقم في عام 2024 في ضوء حرب الإبادة الصهيونية ضدّ غزّة ولبنان، وفي ضوء انهيار النظام السياسي السوري وما أعقبه من اعتداءات صهيونية هائلة لتدمير مقدّرات سوريا.

أما فعّالية الاستثمارات في تنويع الاقتصاد العربي فهي بائسة فعلًا حيث ساهم قطاع الصناعة التحويلية بنحو 11.7% من النّاتج المحلي الإجمالي العربي، وبلغ أدنى مستوياته في العراق وليبيا والجزائر والكويت حيث ساهم بنحو 1.6%، و1.7%، و4%، و5.4% في النّاتج المحلي الإجمالي للدول المذكورة بالترتيب عام 2022. ويمكن القول إجمالًا إنّ الدول العربية بحاجة لثورة استثمارية ودفعة قوية ومنسّقة وتكاملية بين الاقتصادات العربية لفتح بوابات النهوض والتقدّم للجميع.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن