بدأت إيران تشعر أنها وحيدة، وهو ما ترجمته التكهنات العديدة بأسباب الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لطهران، وسط تحركات إقليمية ودولية متسارعة لاستغلال فرصة وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض من أجل إعادة صوغ منظومة العلاقات والمصالح الدولية. فقد وجدت طهران نفسها تقف مكتوفة الأيدي بعدما رفضت التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعادت فرض أقصى ضغط من العقوبات عليها، بينما يشهد النظام الدولي ارتباكاً واضحاً، في ظل حركة التقارب السريعة بين واشنطن وموسكو بعد قطيعة سببتها الحرب الأوكرانية، وتخطي ترامب للحلفاء التقليديين، الأوروبيين، في إعادة صوغ العلاقات الخارجية لبلاده على أساس المصالح الاقتصادية.
تقف طهران حائرة، بينما الرياض وإسطنبول تستضيفان محادثات بين الروس والأميركيين للتحضير لمرحلة استعادة العلاقات بين الطرفين. كما أن جارتها تركيا التي تسعى إلى استثمار كل لحظة من ولاية إدارة ترامب في خدمة مصالحها الإقليمية والدولية، نصح وزير خارجيتها خاقان فيدان طهران بالتراجع عن سياستها الإقليمية والاستفادة من التحولات الجارية لأنها كبدتها تكلفةً أكبر من المكاسب التي حققتها! لكن طهران أرادت أن تتهم أنقرة بالنفاق، فأعلنت بلسان خارجيتها، أنها ثابتة على مواقفها ومبادئها ولا تُغيرها باستمرار!
وبالنسبة إلى إيران فإن تركيا التي تسبقها دائماً بخطوةٍ، منافس إقليمي لا يمكن الغض عن مراقبته، فقد نجحت أنقرة في الحفاظ على موقع عراب فاعل بين الشرق والغرب، ورغم تورطها في الحرب الأوكرانية، استطاعت، على عكس إيران، أن تحافظ على علاقتها مع روسيا وأوروبا. وفي النهاية قدمت نفسها وسيط سلام بين روسيا وأوكرانيا! بل أن الدعوة التي وجهها الزعيم الكردي عبدالله أوجلان إلى حزب العمال بترك السلاح، ترتبط بتحولات سياسة تركيا في ظل وجود ترامب وستنعكس على إقليمها التي إيران جزء منه.
لذلك، فإن حيرة طهران تشتد كل يوم، في ظل تسارع وتيرة التحولات، وإذا تم اللقاء بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأميركي ترامب، فسيكون سؤالها الكبير: "ما محلنا من الإعراب؟"، والإجابات ستكون أسئلة أيضاً: "هل يتخلى الروس عنا؟"، "هل يمكن الرهان على أوروبا المنزعجة من ترامب؟"!
واقع صعب
تعيش إيران واقعاً صعباً يحتاج إلى تحررها من المثالية العمياء التي أفرزها نظامها الديني، فأسواقها تشهد غلاء أسعار غير مسبوق في ظل انهيار العملة الوطنية أمام الدولار، وهو ما يهدد بعودة الاحتجاجات إلى شوارع مدنها على غرار ما حدث خلال ولاية ترامب الأولى، وإن كان يطفو على السطح أن الإيرانيين منقسمون بشأن تفسير أسباب أزماتهم. فالمحافظون يتهمون حكومة مسعود بزشكيان الإصلاحية بالفشل وأنها تتذرع بالعقوبات الغربية بينما هي عاجزة عن تقديم حلول داخلية ناجعة، وبينما الإصلاحيون يستغلون الوضع الاقتصادي المتردي لبرهنة رؤيتهم عن أهمية الانفتاح على الغرب من أجل دعم حركة التجارة الدولية عبر الأراضي والموانئ الإيرانية.
لكن تحت السطح هناك اتفاق بينهما على أهمية الحوار مع الغرب من أجل مواكبة التحولات الإقليمية، ويبقى الخلاف على إدارة التوقيت والشروط والمكاسب، فمن الجانب المحافظ قال مستشار المرشد الأعلى كمال خرازي: "لا نتهرب من المفاوضات الحقيقية". ومن جانب الإصلاحيين، قال بزشكيان في خطاب إلى ترامب: "اِثبتْ لنا أنك أهل للحوار"!
وإجمالاً، فإن إيران لا تقبل تجاوزها في إدارة المنطقة؛ فهي لا تزال تتحدث عن أهمية سوريا داخل استراتيجيتها الخارجية وعن أهمية تحقيق التوازن أمام إسرائيل. كما أن معادلة التحولات الخارجية في إطار الاستراتيجية الأميركية الجديدة لا تزال مجهولة أمامها، وهو ما يدفعها إلى التزام سياسة "أقصى صبر" في مواجهة "أقصى ضغط" من العقوبات!
(النهار اللبنانية)