ديمقراطيتنا ليست بخير لأننا، ببساطة، لم نمارسها في حياتنا العملية، فقد اجتهد علماء الاجتماع بتوصيف أشكال النظم الديمقراطية لكن على الورق، ونحن كمجتمعات عربية عاشت في ظل الديمقراطية التي ما زلنا بعيدين عنها، وأساتذة علم الاجتماع والدارسون ربطوا الديمقراطية بوجود أحزاب سياسية تتمتع بصفة قانونية، وغاب عنهم أن معظم الأحزاب السياسية التي نشأت في ظل أنظمة ديمقراطية في عالمنا العربي، لم تعرف الديمقراطية بل هي تمثل أحد وجوه الاستبداد ونسخة مماثلة لواقع الأنظمة القائمة، فإحدى الدول العربية فيها 28 حزباً سياسياً، ولديها دستور مكتوب وصندوق اقتراع، تفتقد إلى أبسط قواعد الديمقراطية، فكيف سيكون حال «المؤسسات» الأخرى التي يفترض أن تشكل أرضية وبيئة صالحة للحياة الديمقراطية؟
وهذه الدولة ليست طائراً يغرد خارج سربه، فمعظم الأنظمة العربية التي تنتهج الديمقراطية كنظام حكم وفيها أحزاب سياسية أنتجت بيئة استبدادية لا تجيد التداول بالمناصب القيادية لهذه الأحزاب، فحكم القائد الأوحد والزعيم الأوحد والرجل الأوحد والمقدس هو القاعدة الأعم والسائدة في الساحات العربية.
كيف يمكن أن تتحدث عن الديمقراطية كنظام سياسي في بيئة اجتماعية تقوم على الطائفية والقبلية والعائلية والعشائرية؟ اختصار الديمقراطية بصندوق الاقتراع فقط كذبة كبرى وعملية يقصد بها تشويه معنى الديمقراطية وقيمتها، وما لم تقترن بالمساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتداول السلطة، وفوق كل ذلك محاسبة ومراقبة من قضاء مستقل وعادل ودون انتقائية فلا قيمة لها، فإذا توافرت هذه الشروط فقد يفتح الطريق أمام ديمقراطية حقيقية.
إذا كانت «الجاهة» كمثال هي القاعدة التي يتم الاحتكام إليها عند القضايا الخلافية، فكيف سنبني مجتمعاً ديمقراطياً؟ وإذا كانت القبيلة هي التي ترشح من ينتخبه الشعب إلى البرلمان الممثل للأمة وتحكم عليه ويمتثل لأمرها فعن أي ديمقراطية نتحدث؟ وإذا كانت الأحزاب السياسية تدين بالولاء والطاعة للرئيس والقائد والموجه، وتسير على خط الأنظمة الحاكمة، فكيف سنؤسس لثقافة ديمقراطية يؤمن بها المنضوون تحت أجنحة هذه الأحزاب؟ ومن يرفض النقد ولا يقبل الاختلاف بالرأي، فهل يستحق أن يقال عنه إنه «ديمقراطي»؟
بيئتنا طاردة للديمقراطية، ومن آمن بها، جاء من يسيء ويشوه التجربة حتى وصل الأمر ببعض الناس إلى الكفر بها متمنياً النقيض تماماً.
أوصلونا إلى مرحلة الاختيار المر، إما الديمقراطية الشكلية والمنهكة والمشوهة وإما عكسها تماماً، فانظروا كيف هي أحوال اليمن والعراق ولبنان وسورية الآن، وعليكم الاختيار (...).
افتحوا النوافذ جيداً ولا تغلقوها لأن «الهواء الفاسد» لا يطرده إلا «الهواء النظيف» كذلك هي الديمقراطية لا تتجدد إلا إذا خرجت من بيئة مكتملة الأركان.
("الجريدة") الكويتية