حرب الممرّات الاقتصادية... التكامل العربي في "عين العاصفة"!

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

يُعيد تبايُن المواقف العربية إزاء ملف إعمار غزّة، الذي أعلنته مصر خلال القمّة الطارئة التي استضافتها القاهرة مطلع مارس/آذار الجاري، الحديث مجدّدًا حول حرب الممرّات الاقتصادية، وما قد تسفِر عنه من المزيد من الانقسام في الموقف العربي، في ظلّ التقاطع الواضح بين المشروع الذي تدعمه واشنطن، والذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي، ومشروع "الحزام والطريق" الذي أطلقته الصين قبل نحو عشر سنوات، وتُعدّ مصر أحد أبرز لاعبيه الرئيسيّين.

حرب الممرّات الاقتصادية... التكامل العربي في

لا يُخفي الكثير من المراقبين في مصر، تخوّفهم من مشروع الممرّ الاقتصادي الجديد، ويقولون إنّ هذا المشروع من شأنه أن يلقي بظلال كثيفة على الكثير من البنى التحتيّة التي أنجزتها القاهرة، استعدادًا لتدشين مبادرة "الحزام والطريق"، وهو ما يجعل من ملف إعمار غزّة، حجر الزاوية في مواجهة هذا المشروع، عبْر تحريرِها من قبضة مشروع "ريفييرا ترامب"، الذي يستهدف في حقيقته تهيئة الأرض أمام استكمال مشروع الممرّ الاقتصادي، في مواجهة المشروع الصيني.

تبدو الورقة التي تقدّمت بها مصر إلى القمّة العربية الأخيرة، والتي تستهدف إعادة تعمير قطاع غزّة من دون تهجير أهله، باعتبارها ورقة رئيسية من بين أوراق عدّة، سوف يلقي بها اللاعبون الرئيسيّون على الطاولة خلال الفترة المقبلة، من أجل إدخال المشروعين الاقتصاديين المتنافسين حيّز التنفيذ، خصوصًا مشروع "الحزام والطريق" الذي تُـمثّل مصر، حسبما يرى الدكتور عمرو فريد، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية التجارة جامعة قناة السويس، رأس الحربة فيه، استنادًا إلى موقعها الجغرافي، فضلًا عن وجود قناة السويس التي تُمثّل محورًا رئيسيًّا وضروريًّا في المشروع الصيني، وبخاصة منطقة محور قناة السويس، التي تحظى باهتمام صيني كبير، عبر سعي الصين الدائم لضخّ استثماراتها في تلك المنطقة، وإقامة العديد من المشروعات الجادّة التي تبرز آفاقًا أرحب، لتطوير التعاون المصري - الصيني المشترك في القارة الأفريقية.

تستند مصر في انضمامها إلى مجموعة دول "الحزام والطريق"، التي تقودها الحكومة الصينية، والتي تستهدف من خلالها بناء نسخة حديثة من طريق الحرير القديم، على النموذج التنموي للتجربة الصينية، التي تصنَّف باعتبارها واحدةً من أبرز النماذج الدولية في التنمية، استنادًا إلى ما حققته الصين من منجزات ترقى إلى درجة المعجزة الاقتصادية، التي تمّ تحقيقها في وقت قصير، وأدّت إلى نجاح الاقتصاد الصيني في أن يصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، بناتج محلي إجمالي بلغ حوالى 17.81 تريليون دولار أميركي في عام 2024، حسب تصريحات للرئيس الصيني شي جين بينغ، وهي الأرقام التي تُعزّز بشكل كبير من اتّساع رقعة الدول الموقّعة على تلك الاتفاقية، والتي تتجاوز حاليًّا 120 دولة، ما يعني أنّ المبادرة الصينية باتت تمضي في طريقِها مثل قطار سريع، فهي من جهة سوف تُعزّز، حسبما يرى فريد وآخرون، من التواجد المصري في أفريقيا، ومن جهة أخرى سوف تُحقّق أكثر من معادلة لمصر، في ظل تنامي الاستثمارات الصينية في البلدان المشاركة في المبادرة، والتي بلغت في السنوات الأخيرة، ما يزيد على 50 مليار دولار، تمثّلت في بناء نحو 56 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في هذه الدول، إلى جانب استثمار ما يقرب من 95.2 مليار دولار في نحو 43 دولة، على طول منطقة الحزام والطريق مع بداية الرّبع الأول من العام 2017 فقط، أي ما يعادل 4.14 % من إجمالي الاستثمارات الخارجية الصينية، فيما بلغت قيمة الصفقات التجارية بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق، نحو 913 مليار دولار في عام 2016، أي أكثر من ربع إجمالي قيمة التجارة الصينية حول العالم.

منذ عام 2013، وعلى مدار أكثر من عقد، ظلّت مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها بكين تُمثّل في نظر الكثير من دول الجنوب، أملًا جديدًا يستهدف محاولة تغيير نمطيّة النظام الدولي الحالي، أو على الأقل إحداث خروقات في شقّه الاقتصادي، من نظام تُهَيْمن عليه الولايات المتحدة الأميركية، إلى نظام متعدّد الأقطاب، قبل أن يفاجئ الرئيس الأميركي جو بايدن العالم في ديسمبر/أيلول 2023 خلال قمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيو دلهي، بالإعلان عن مشروع إنشاء الممرّ الاقتصادي الجديد، الذي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يضمّ إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، مجموعة من الدول العربية من بينها الإمارات والسعودية والأردن، إلى جانب "إسرائيل"، ضمن مبادرة أُطلق عليها حينها اسم "الشراكة من اجل الاستثمار في البنية التحتية العالمية"، وهي المبادرة التي تعتمد، حسب بايدن، على تعزيز حركة التجارة العالمية، عبر تطوير الاتصال الرّقمي، وبناء شبكة عبور فعّالة وموثوقة، تبدأ من الهند مرورًا بـ"بحر العرب"، ثم برًّا عبر الأراضي الإماراتية والسعودية والأردنية، انتهاءً بـ"إسرائيل" ومنها بحرًا عبر ميناء حيفا إلى أوروبا، وهو الممرّ الذي اعتبره الكثير من الخبراء الاقتصاديين، خطوة أميركية واضحة على طريق مواجهة المدّ الاقتصادي لبكين، لتظلّ واشنطن هي القوّة الاقتصادية الأكبر عالميًّا، وهو ما تجلّى تاليًا في العديد من القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع بداية ولايته الثانية، والتي تقضي برفع الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، وما تبعها من ردود صينية بإجراءات مماثلة، على نحوٍ يؤشر، حسبما يرى الدكتور صبري أبو زيد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بكلية التجارة جامعة السويس، إلى حربٍ تجارية ضروس، سوف يشتعل وطيسها خلال الفترة المقبلة، عبر اتّباع الإدارة الأميركية لاستراتيجية توجِّه من خلالِها سلسلة من الضربات للمبادرة الصينية، قد تطال أيضًا إذا ما تطلّب الأمر، الدول الأعضاء في تلك المبادرة.

تقف المنطقة العربية في عين العاصفة، خلال حرب الممرّات الاقتصادية التي يبدو أنّ نيرانها سوف تشتعل قريبًا، فالكثير من الدراسات لا تغفل ما تحظى به منطقة الشرق الاوسط بشكلٍ عام، من أهمية كبرى للمبادرتيْن الأميركية والصينية، على الرَّغم ممّا تعانيه المنطقة من أزمات وصراعات، وما خلّفته تلك الصراعات من غياب كامل لأي فرص لتكامل عربي حقيقي بين بلدان المنطقة، وجميعها عوامل تصبّ في النهاية في صالح المبادرة الأميركية، في ظلّ عزوف الصين، حتّى الآن على الأقل، عن لعب أي دور سياسي، في العديد من القضايا التي تُشعل منطقةً لا تزال، على الرَّغم من كل الأزمات، تُـمثّل محطةً مهمةً للغريمين التقليديين في القرن الحادي والعشرين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن