ضرب الحوثي والعين على إيران

بضرباتها وغاراتها المكثفة على مواقع جماعة الحوثي في اليمن، يبدو أن الولايات المتحدة تمهد الطريق أمام إسرائيل لاستهداف إيران، في ظل التراشق بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني في الظاهر والباطن، وبما يخدم في المحصلة النهائية المصلحتين الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

رسالة أولية للغارات الأمريكية العنيفة على العديد من المحافظات اليمنية التي تضم مواقع عسكرية لجماعة الحوثي مفادها أن التعامل مع ملف الملاحة في البحر الأحمر الذي واجه أخطارا جمة بفعل استهداف السفن التي تمر عبر باب المندب، قد حان وقت التعامل الخشن معه بضربات ذات مصداقية أكبر، مما كان عليه الوضع مع الإدارة الأمريكية في عهد جو بايدن، فقد جاء ترامب بكل صخبه.

"إلى جميع الإرهابيين الحوثيين.. وقتكم انتهى، وهجماتكم يجب أن تتوقف، بدءًا من اليوم. إذا لم يحدث ذلك فستشهدون جحيمًا لم تروه من قبل".. هذه هي كلمات ترامب التي وجهها إلى جماعة الحوثي لكنها في الحقيقة تقول لإيران الكلام لك يا جارة، فبعد خروج "حزب الله" في لبنان من معادلة الصراع مع إسرائيل، والتدمير الهائل لقدرات "حماس" في قطاع غزة، وانتهاء مرحلة سوريا بشار الأسد، تقلص حلفاء طهران في المنطقة، ولم يعد لها أذرع سوى "الحوثيين".

اليوم باتت إيران تحت الضغط الأعنف، من الولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل شرق أوسط مهلهل ، تعمل واشنطن على تعميق جراحه، بينما الصراع الأمريكي، خاصة في الشق الاقتصادي منه، على أشده مع الحلفاء الأوروبيين عبر الأطلسي، والجارتين في الشمال، كندا، والجنوب، المكسيك، ومحاولة للملمة المعارك بين الروس والأوكرانيين، انتظارا لفتح الجبهة الأهم مع الصين التي يعتبرها ترامب التهديد الأكبر للنفوذ الأمريكي المضطرب دوليًا.

وأمام الضربات الأمريكية الأكثر تأثيرا ضد الحوثيين، وفقا للعديد من المراقبين، كان متوقعا أن ترد جماعة الحوثي بتصعيد لغة خطابها، وأن ترفع منسوب التهديد باستهداف السفن في البحر الأحمر، وتوجيه طائراتها المسيرة وصواريخها باتجاه تل أبيب، غير أن العديد من الخبراء الاستراتيجيين يرون أن قوة الجماعة اليمنية لم تعد كما كانت من قبل.

الولايات المتحدة تعمل حاليًا على استنزاف قدرات الحوثيين وطاقتهم العسكرية في العدة والعتاد مع إطباق الحصار عليهم بهدف قطع حبلهم السري مع إيران، بينما طهران "المرتبكة" بعد خروجها من الجبهات الأقرب مع إسرائيل، تدرس السيناريو الأسوأ مع تصاعد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، والهدف كما قلنا إجبار طهران على العودة إلى مائدة التفاوض بشأن ملفها النووي، أو مواجهة عملية جراحية مؤلمة.

فتح الولايات المتحدة جبهة الحوثيين بهذا القدر من الاتساع، واللغة الخشنة التي يستخدمها ترامب وأركان إدارته، ربما تكون مقدمة لتحرك مباشر ضد إيران لمنع وصولها إلى مرحلة الانطلاق النووي التي تنكر إيران دوافعها العسكرية، والتأكيد على سلمية برنامجها النووي.

يبقى السؤال: هل الغارات الأمريكية ضد الحوثيين قادرة على إخراجهم من جبهة الصراع ضد إيران؟ ألم تجرب الجماعة من قبل العديد من الغارات والضربات سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل وبإسناد غربي أحيانا؟.. ما هو الجديد هذه المرة الذي يجعل المراقبين يعتقدون أن الوقت قد حان لإضعاف الحوثيين بالقدر الذي يجعلهم غير فاعلين، ليس على رقعة الصراع مع إسرائيل فقط، بل فى الداخل اليمني؟

ربما يرى البعض أن بنية جماعة الحوثي العسكرية، وطبيعة التضاريس اليمنية الوعرة تجعل من الضربات الجوية غير قادرة على هزيمة الجماعة على الأرض، وأن تهديدها قد ينحسر لكنه سيظل قائما، غير أن مثل هذا الرأي يقلل من تراجع الدور الإيراني، وتقليم مخالبه، بخروج "حزب الله" اللبناني، وسوريا الأسد و"حماس"، من المساندة الإقليمية لطهران، وبما ضيق الخناق على الحوثيين في اليمن.

إذن هي صفحة جديدة في سجل الشرق الأوسط الذي يواجه حاليا أكبر عملية تقليب في أوراقه لكتابة المزيد من المآسي التي تواجه الإقليم على مدى نصف قرن على الأقل، وبما يجعل الجميع يتحسسون رؤوسهم، ومواضع أقدامهم، تحسبا لمقولة "الأهوال الكبرى ربما لم تأتِ بعد".

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن