تنتشي قادة الميليشيات في ليبيا بانتصاراتهم العسكرية، وقوة نفوذهم على الأرض وهم يتحكمون في القرارات السياسية، ويستحوذون على مصادر المال المتعددة في البلد الجريح منذ عام 2011. ولكن هذه الانتصارات المزيفة التي تنجز على جماجم أبناء البلد الواحد، تثبت أن سيناريو اللبننة الذي يجري تنفيذه، لن يقود في نهاية المطاف إلى استعادة وحدة الدولة والمجتمع.
نحن أمام مثال حي للحرب الأهلية اللبنانية، ولكن هذه المرة في طرابلس الغرب، تلك الحرب التي امتدت على مدار 14 سنة من المواجهات العسكرية بين أبناء الشعب الواحد. وربما نسي الكثيرون تلك الجرائم والفظائع التي ارتكبت في حق اللبنانيين الأبرياء، وتلك المجازر التي اقترفها قادة الميليشيات في كل بقاع لبنان. ونحن الآن نعيش ذلك المشهد الدموي في طرابلس الليبية بين قادة ميليشيات، يعتقدون أنفسهم أنهم أصحاب الحق ويدعي كل منهم أنه يمثل شرعية الدولة.
فالمواجهات التي حدثت بين كتائب تابعة لوزارة الدفاع، وأخرى تابعة لوزارة الداخلية في حكومة الدبيبة، تثبت هشاشة النسيج الهيكلي للدولة الليبية، وعدم قدرة صاحب القرار السياسي على مواجهة قادة الكتائب والميليشيات. وحين يصبح قائد الميليشيات شخصاً مقدساً لا يمكن المساس به، وعندما تتحول الدولة إلى قطّ أمام غول الميليشيات، عندها فقط يمكننا القول إن الحديث عن «الدولة في ليبيا»، وعن المؤسسات والقانون، هي في حكم الأمور المضحكة والمبكية في آن واحد، لأنّ الشعب الليبي لا يستحق أن يكون في هذا الوضع، وهو الشعب المسالم، والمحافظ على روابط اجتماعية قوية تعمل هذه الميليشيات على تكسيرها، ونسف أسسها.
ضمن هذا الإطار يصف آمر قوة الإسناد بعملية بركان الغضب ناصر عمار، قرار القبض على آمر اللواء 444 ب «المتهور وأنه يقود إلى مجازر ودماء». عمار قال: «هناك من يريد الزج بمنطقة سوق الجمعة في حرب شوارع لا تبقي ولا تذر، ليتهجر من بعد ذلك الآلاف، فتدمر بيوت وأرزاق». وتساءل عمار: «من الذي من مصلحته دخول طرابلس في حرب؟»، لا شك في أنهم المنتفعون من الحروب الذين يسترزقون على مصلحة تدهور أمن العاصمة من أجل مصالحهم .
وأيّا كانت الأسباب التي تقف وراء أحداث ليبيا، فالواضح منها أنّ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الأطراف الليبية لا يمكن أن تؤدي إلى انتخابات عامة في ليبيا، لا في هذه السنة ولا في السنوات المقبلة، لأنّه لم يقع الحديث عن مصير هذه الميلشيات التي تستقوي على الدولة بقوة السلاح. والخطر الأكبر أن يقع اعتبار قادة الميلشيات شخصيات سياسية، تسهم في رسم ملامح الدولة الليبية المقبلة وهنا تتقاطع الحالة الليبية مع المثال اللبناني الذي تم فيه تأهيل قادة الكتائب العسكرية، ليتحوّلوا إلى قادة سياسيين يتحكمون في مصير البلد ويتحكمون في مصير شعب، والحال أنها لو قامت دولة قوية في لبنان لكان مصير قادة الميليشيات هو السجن لا كراسي الحكم.
ولأن سيناريو لبننة ليبيا هو الخيار القاتل، من وجهة نظر سياسية وثقافية واجتماعية، فإنّ الأكثر خطورة هو أن تتولى القوى السياسية الدولية تلميع قادة الميلشيات وتقديمهم وكأنهم أصحاب الحل والربط في البلد الجريح. وهذه القوى الدولية، تدرك أن مصير ليبيا لن يختلف عن مصير لبنان، وأن هذه النخبة السياسية التي تسيطر على البلاد هي نخبة فاشلة، لن تنتج سوى الفشل، ومع ذلك يتم دعمها وتأهيلها، لتكون أدوات طيعة في يد تلك القوى في المستقبل، حينما يحين موعد تقسيم الكعكة الليبية. يقول الناشط الليبي عزالدين عقيل: من مساخر السياسة الدولية القبيحة والمبيتة.. أن يكون هناك جيشان مستقلان يتقاتلان.. ويُتوقع أن تنضم لهما جيوش خاصة أخرى. ويخرج علينا باتيلي ليحدثنا كأطفال عن ضرورة الهدوء ليمنحنا انتخابات نتزحلق عليها ونتأرجح على حبالها !!؟
هذا السيناريو الليبي لن يؤدي إلى أيّ نتائج، سوى تدمير الدولة، وتفكيك المجتمع، وهدر موارد دولة كانت في يوم ما ثرية وغنية، وصار شعبها يقف في طوابير من أجل الحصول على أساسيات العيش.
("الخليج") الإماراتية