إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات الثلاثاء الماضي، عن عقدها اجتماعًا لمناقشة الاستعدادات اللوجيستية اللازمة والترتيبات الخاصة بإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، يمثّل ضربة البداية الحقيقية في السباق نحو رئاسة مصر خلال السنوات الست المقبلة.
الهيئة ذكرت في بيان لها عقب الاجتماع أنه «تم استعراض نماذج المحررات الخاصة بجميع محاضر إجراءات العملية الانتخابية وكشوفها، منذ بداية الاقتراع وحتى نهايته، وتسلسل الإجراءات الخاصة بكل منها، سواء المحاضر داخل لجان الاقتراع الفرعية أو العامة، وكذلك بداخل الهيئة الوطنية للانتخابات».
وأضاف البيان أنه «جرى مناقشة القرارات المنظمة الواجب إصدارها أو تفعيلها استعدادا للاستحقاق الانتخابي المقبل، وكذلك التصورات الخاصة بالجدول الزمني للانتخابات في ضوء أحكام الدستور والمواقيت التى حددها في هذا الشأن».
في اليوم التالي لهذا الاجتماع، أعلن حزب مستقبل وطن ــ صاحب الأغلبية البرلمانية ــ تأييده لترشح الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة من أجل «استكمال مسيرة التنمية والبناء التي يقودها.. ودعما لجميع الإنجازات التي تحققت في عهده».
سبق إعلان «مستقبل وطن» تأييده ترشّح السيسي للانتخابات المقبلة، تأكيد ثلاثة أحزاب أخرى هي حماة الوطن، والمصريين اﻷحرار، والمؤتمر، على دعمها خوض الرئيس غمار الانتخابات الرئاسية للحصول على ولاية ثالثة تمتد حتى عام 2030، بينما تتجه أحزاب سياسية أخرى للدفع بمرشح منافس في هذه الانتخابات مثل الوفد والشعب الجمهوري.
السؤال الآن.. هل من مصلحة مصر، إجراء انتخابات رئاسية حقيقية، تشهد منافسة قوية على المنصب الأرفع في البلاد، أم مجرد معركة صورية توحي بوجود شكل من أشكال الديمقراطية في السباق المرتقب على منصب الرئيس؟
يقينًا من مصلحة مصر أن تشهد انتخابات رئاسية حقيقية، كونها بلدًا كبيرًا ومهمًا ومؤثرًا في المنطقة، وليست أقل بأي حال من الأحوال عن دولة مثل تركيا، التي شهدت خلال الفترة الأخيرة انتخابات قوية ونزيهة وشفافة، كما أن مصر تستحق مرشحين أقوياء لديهم الكفاءة والخبرة والقدرة على خوض السباق الرئاسي بكل جدية، وطرح برامج ورؤى وأفكار واضحة، لمعالجة الأزمات والتحديات الهائلة التي تواجهها البلاد.
في المقابل، يتخوف البعض من احتمال عدم وجود مرشحين أقوياء بجانب الرئيس في السباق الرئاسي المقبل، تجنبًا لتدخلات قياسا على تجارب حدثت في الماضي القريب، لكن هذا التصور ربما يحمل قدرا كبيرا من المبالغة، حيث لا توجد دلائل تدعمه على أرض الواقع حتى هذه اللحظة، إذ لم يعلن أحد ممن يمكن أن نطلق عليهم صفة أو لقب «المرشح القوي»، عن نيته خوض معركة الانتخابات الرئاسية، وتم التدخل ضده بطريقة ما لإبعاده أو عرقلة دخوله إلى السباق.
وجود مرشحين أقوياء، وانتخابات رئاسية حقيقية وليست شكلية أو منزوعة الدسم السياسي، ولجان اقتراع تعلي من قيم الشفافية والنزاهة، ولا تعرف العزوف الشعبي المعتاد، وتصطف أمامها طواعية طوابير الناخبين الراغبين في المشاركة السياسية والتعبير عن رأيهم واختياراتهم، ووضع أصواتهم بكل حرية في صناديق الاقتراع، وليس تأثرًا بحملات إعلامية تحض على فضائل المشاركة سياسيا ودينيا، أو خوفا من غرامة مالية قد تفرضها الحكومة، يمثل بلا شك مصلحة وطنية مهمة وضرورة استراتيجية مطلوبة لاستقرار أي دولة، ولشرعية أي نظام سياسى يتولى زمام الأمور والحكم فيها، بما يسمح له بتطبيق برنامجه الانتخابي بكل أريحية وثقة في دعم الشعب له.
هذا الدعم الشعبي للسلطة المنبثقة عن نتائج صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة مهم للغاية، وتحتاجه البلاد بشكل كبير وملح، لمعالجة الكثير من الملفات والقضايا، أهمها الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تحاصر البلاد منذ سنوات، والغلاء المستعر الذي يكوي المواطنين، وفواتير الديون المتراكمة التي ترهق موازنة الدولة، وفتح المجال العام والسماح بحرية العمل السياسي وترسيخ بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
كذلك هذا الدعم مطلوب لمواجهة التحديات الإقليمية والمخاطر الكبيرة التي تتهدد الأمن القومي المصري، مثل الحروب والصراعات والحرائق التي تشتعل في دول الجوار، أو محاولة إثيوبيا السيطرة والتحكم في نهر النيل، والافتئات على حقوق مصر التاريخية والقانونية في مياهه، عبر مواصلة البناء والملء لسد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحقق المصلحة ويعظم الفوائد المشتركة للطرفين.
("الشروق") المصرية