يؤكّد فيفر أنّ نهاية "إسرائيل" قادمة لا محالة على يد نتنياهو، ويرى أنّ سياساته تساهم في إطالة الصّراع، وتعميق الانقسام داخل المجتمع "الإسرائيلي" نفسه، إضافةً إلى أنّها تزيد من عزلة "إسرائيل" على الساحة الدولية، وهذا هو الخطر الأكبر على الكِيان الصهيوني.
يستعرض الكاتب مسيرة نتنياهو، منذ نشأته، حتّى وصوله إلى السلطة في "إسرائيل"، مع تسليط الضوء على فترات معيّنة من حياته التي شكّلت أسلوبه السياسي، والقرارات التي اتخذها.
النشأة المكيافيلية.. "الغاية تبرّر الوسيلة"
يبدأ فيفر الكتاب بتسليط الضوء على حياة نتنياهو الشخصيّة منذ طفولته، ويكشف عن تأثير عائلته، خصوصًا والده بن تسيون نتنياهو، الذي كان أكاديميًًا وصهيونيًًا متطرّفا. ويعكس الكتاب كيف أنّ التوجّهات الفكرية لوالده، الذي كان مؤرّخًا شهيرًا، شكّلت نتنياهو في رؤيته للعالم، وطريقة تعامله مع القضايا السياسية.
كلّ سياسات نتنياهو تخدم مصلحته الشخصية أوّلًا و"أنانيّته لا مثيل لها"
كما يتناول الكتاب تأثير البيئة التي نشأ فيها نتنياهو، بما في ذلك علاقاته مع شقيقه الأكبر يوناتان نتنياهو، الذي قُتل أثناء عملية إنقاذ "عنتيبي" عام 1976، وهو الحدث الذي كان له دورٌ كبيرٌ في تشكيل هوية نتنياهو السياسيّة، واستغلّه أسوأ استغلال لتحقيق مطامحه السياسية. ومن ثمّ، نفّذ سياسة مكيافيلي الشهيرة "الغاية تبرّر الوسيلة"، حيث استغلّ الهالة الأسطورية التي أحاطت بمقتل أخيه يوني، "إذْ لم يحظَ عسكري إسرائيلي آخر بمثل ما حظيَ به يوني من ثناء واحتفاء".
شخصية "بيبي" والطموحات السياسية
يُظهر فيفر كيف أنّ نتنياهو امتلك طموحًا سياسيًا كبيرًا منذ شبابه، حيث بدأ مشواره السياسي من خلال تدريبه الأكاديمي في الولايات المتحدة، ثم توجّهه إلى العمل في السياسة الإسرائيلية. كما يتناول المؤلّف الشخصيّات التي أثّرت في حياة نتنياهو، وكيفيّة تعامله مع الأزمات السياسية التي واجهها في بداية مسيرته.
يُسلّط المؤلّف الضّوء على أسلوب القيادة الذي يتبنّاه نتنياهو، بحيث يصفه فيفر بالقائد الذي يعتمد على الخطابة، والشعارات المؤثّرة، وكلّ سياساته تخدم مصلحته الشخصية أوّلًا، فيصفه بأنّ "أنانيّته لا مثيل لها". ولأجل مصلحته فقد قوّض الثقة في سيادة القانون، وضحّى بالمبادئ من أجل السلطة.
نهجه في استخدام القوّة العسكرية يؤدّي إلى تفاقم العنف
كما يُظهر الكتاب كيف استغلّ نتنياهو التوتّرات السياسية في "إسرائيل"، لزيادة سلطته، وتوسيع قاعدة الدعم له، من خلال تكتيكاتٍ سياسيةٍ تعتمد على تعزيز الصورة الوطنية لـ"إسرائيل" في مواجهة التهديدات الخارجية، وكذلك اتّباعه سياسة التخويف، والزّعم بأن هذا الكيان (إسرائيل) واحة ديموقراطية وسط محيط من الديكتاتوريات العربية، وذلك بهدف المزيد من استعطاف الغرب، وابتزازهم بكلّ السّبل.
المواقف من الفلسطينيين.. والسياسة الدولية
واحدة من النقاط التي يُركّز عليها المؤلّف؛ هي مواقف نتنياهو من القضية الفلسطينية، التي كانت دومًا موضع جدل. وناقش فيفر سياسات نتنياهو القمعيّة ضدّ الفلسطينيين، وهو يعتقد أنّ نهج نتنياهو في استخدام القوّة العسكرية، والضّغط على الفلسطينيين قد يؤدّي إلى تفاقم العنف والمشاكل الإنسانية في المنطقة، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة. ويُظهر الكتاب كيف أن نتنياهو كان يميل إلى تبنّي مواقف متشدّدةٍ في المفاوضات مع الفلسطينيين، وكيف أدّى ذلك إلى تعقيد عملية السلام وأدّى إلى زيادة التوتّر في المنطقة. وانتقد فيفر زيادة المستوطنات في الضفّة الغربيّة، وهو ما يراه بمثابة تحدٍّ لفرص السلام ولـ"حلّ الدولتَيْن" والذي كان يُعتبر الأساس الذي يدعمه المجتمع الدولي لتحقيق تسويةٍ دائمةٍ بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين.
عرض المؤلف تأثير سياسات نتنياهو في العلاقات الدولية، بخاصّة مع الولايات المتحدة، ويُحلّل كيف كانت العلاقة بين نتنياهو والرؤساء الأميركيين، خصوصًا مع باراك أوباما، ودونالد ترامب.
ويركّز الكتاب على الطريقة التي استغلّ بها نتنياهو السياسة الأميركية لصالح الكيان الصهيوني، وكيف قام بتحقيق دعمٍ كبيرٍ من بعض القوى الدولية، خصوصًا من ترامب في السنوات الأخيرة.
الفضائح والقضايا القانونية
أحد الأجزاء المهمّة في هذا الكتاب؛ هو تناول الفضائح القانونية التي طاردت نتنياهو خلال فترة حكمه؛ مثل قضايا الفساد والرشوة والاحتيال التي تمّ التحقيق فيها ضدّه.
ويُحلّل الكتاب كيف أثّر هذا الضغط القانوني في حياة نتنياهو السياسية، وكيف استغلّ هذا الوضع لخلق خطاب سياسي يستند إلى "المؤامرة" ضد حكومته.
الثّقب الأسود وأزمة الهوية داخل الكيان الصهيوني
يطرح الكتاب تساؤلاتٍ حول كيفية تأثير سياسات نتنياهو في المجتمع "الإسرائيلي"، فيرى فيفر أنّ نتنياهو ساهم في تعزيز الانقسامات داخل الكيان، بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، وبين معسكرات اليسار واليمين.
ربّما سيذكر التاريخ نتنياهو بأنّه من حفَر قبر الدولة الصهيونية
وبيّن أنّ نتنياهو يتميّز بكونه رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الوحيد الذي عقد تحالف مصلحة مع "أكثر المتطرّفين عديمي المسؤولية في إسرائيل، وجعَلهم جزءًا لا يتجزّأ من حزبه وإدارة الدولة". ويعتبر فيفر فترة حكم نتنياهو بمثابة الثّقب الأسود الذي ابتلع كلّ الطاقة السياسية في هذا الكيان، وقد أعطى ضعفه لـ"اليمين المتطرّف" والأصوليين الدّينيين سيطرةً غير عادية، مما أسهم في تزايد العنصرية والتطرّف في السياسة "الإسرائيلية".
"طوفان الأقصى" نتيجة طبيعية
ومؤخّرًا، أكد فيفر أن الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، شهدت ارتفاعًا في الممارسات العدوانية غير الانسانية ضدّ الفلسطينيين في الضفّة الغربية، والقدس الشرقية، ومن ثم جاء "طوفان الأقصى" كردّ فعل طبيعي على تلك السياسات الدموية التي ينتهجها نتنياهو.
ويرى فيفر أنّه في المستقبل ربّما سيتذكر اليهود نتنياهو باعتباره السياسي الذي ألحق أكبر قدر من الضرر بالشعب اليهودي خلال الـ21 قرنًا الماضية، وربّما سيذكره التاريخ بأنّه من حفَر قبر الدولة الصهيونية، ولم يُقدّم أحد فيها العزاء.
(خاص "عروبة 22")