صحافة

"خطوات صغيرة " في خضم اضطراب الجوار

روزانا بو منصف

المشاركة

أصدرت الولايات المتحدة الأميركية قبل ايام قليلة تحديثاً لقائمة " التحذير من السفر " شملت 21 دولة لا تتمتع بأفضل الاستقرار للأوضاع الامنية فيها من بينها لبنان . ومع ان هذه التحذيرات لغالبية الدول تأتي في إطار تصاعد التوترات الأمنية العالمية وتدهور الأوضاع في مناطق تشهد نزاعات أو اضطرابات، وليست جديدة في المعايير الاميركية وهو أمر مفهوم، فإن لبنان الذي كان أو بقي جزءاً من هذه القائمة والذي قام بخطوات صغيرة ( baby steps ) بحذر تقدم بها نحو النهوض من أزمته، كان يود لو أتته جرعة معنويات صغيرة رغم انه لم يخرج بعد إستناداً الى هذا التصنيف، الى واقع أن يشكل واقعاً آمناً ومضموناً حتى الان بالنسبة الى الزوار الاميركيين وخصوصاً أن هذا التصنيف يتصل بالاستقرار الامني في الدرجة الاولى .

وترجمته تفيد بأن لبنان لم يحقق المطلوب بعد على هذا الصعيد، وأن ثمة جهداً كبيراً لا يزال مطلوباً في هذا الاطار. ولا أوهام واقعياً حول ذلك في ظل استمرار الاهتزاز الامني تحت وطأة استمرار الاستهدافات الاسرائيلية لعناصر من "حزب الله"، واستمرار احتلال اسرائيل خمس نقاط في جنوب لبنان، فيما اعلن رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ان الجيش اللبناني أنجز 85 في المئة من مهماته جنوب لبنان، ما يترك المجال مفتوحاً لانجازات أخرى مطلوبة. التعويض المعنوي اللافت المقابل الذي غطى على التصنيف الاميركي أو حجبه إذا صح التعبير ، على رغم روتينيته وقد حصل تزامناً مع هذا الاجراء ولو مصادفة، جاء باعلان الامارات العربية المتحدة رفع الحظر عن سفر مواطنيها الى لبنان، في إشارة انفتاح ودعم تشجيعية ورسالة ثقة بالمسار الذي بدأته السلطة الجديدة في لبنان. وهذا بالغ الاهمية بالنسبة الى لبنان نظراً الى التعويل اللبناني على الانخراط في الامارات والحاجة الى الانخراط المتبادل .

في الوقت الذي تظهر السلطة فيه عبر الاجراءات التي اتخذتها على الصعيد المالي أو إجراء المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان، أنها عازمة على تنفيذ ما وعدت به فبالدرجة الاولى وأنها جدية في التزاماتها نقل البلد الى مكان آخر. وأهمية الانتخابات البلدية وليس التزام مواعيدها فحسب، فيما انتقد لبنان سابقاً لتأجيل الاستحقاق البلدي بل إعادة بناء المؤسسات العامة لا سيما منها تلك التي على تماس مع اللبنانيين وإعادة الثقة بها . وهذا يعني زيادة الاستثمار الداخلي في جهود الاستقرار والتعافي التي لم تكتمل بعد والحاجة الى الاسس المُلِحّة للحصول على الدعم الدولي.

الرعاية التي محضها رئيس الجمهورية على نحو مباشر لانطلاق الانتخابات البلدية والاختيارية وكذلك الامر بالنسبة الى الحكومة ورئيسها، توجه رسائل عن المؤشرات المشجعة على الاستقرار المتزايد وصولا في المراحل اللاحقة الى اجراء الانتخابات في الجنوب، على رغم هشاشة الوضع هناك وإن كان هناك تقدم أحرز منذ دخول التفاهم بشأن وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024.

والرسالة الاهم انه على عكس كل الاضطراب الذي لا يزال مستمراً في الحرب على غزة والوضع الهش والمتوتر جداً في سوريا على خلفية جملة حوادث وتطورات كان آخرها ما حصل مع ابناء الطائفة الدرزية، فإن لبنان يخوض مساراً عكس هذه التيارات الاقليمية الضاغطة ، وهو أمر نادر وصعب الحدوث في لبنان الذي يتأثر بمحيطه الى حد كبير . إذ أن الحرائق المجاورة سهلة الانتقال الى لبنان وثمة معجزة فعلية في عبور الاضطربات المحيطة . ويسجل له كذلك في الاطار نفسه القرار الذي اتخذه مجلس الدفاع الاعلى بتوجيه تحذيرات صريحة وواضحة الى حركة "حماس" في لبنان وضرورة التزام احترامها سيادة لبنان واستقراره وتسليمها مطلقي الصواريخ من الجنوب .

وهذه مؤشرات مهمة قياساً بـ"تجرؤ" لبنان الرسمي على القيام بذلك وخصوصاً أن الرسالة الرسمية لـ"حماس" متعددة البعد وتطاول الحزب في المدى القصير والابعد، فيما ان الشكوك لا تزال كبيرة فعلاً حيال قدرة السلطة اللبنانية وامكاناتها والبعض يقول قرارها ايضاً، إنطلاقاً من واقع أن اللبنانيين لم يختبروا الدولة فعلاً منذ قرابة خمسين عاماً، أي منذ بدء الحرب في 1975. وكل ذلك جديد عليهم فعلاً بمقياس مظلة الدولة الفعلية وليس الوهمية التي سادت أعوام الحرب في الوقت الذي لا يفارقهم فيه الخوف مما يمكن ان يطرأ ويعطل هذا التعافي أويؤخره كما حصل مراراً في السابق .

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن