وضع استثنائي غير مسبوق، يعيشه قطاع غزة بعد تعمّد اسرائيل استكمال الحصار والسماح بدخول كميات محدودة جدًا من المساعدات الغذائية والطبية فضلًا عن شاحنات الوقود. وعلى الرغم من كل المناشدات الدولية لوقف التجويع وحرب الابادة، الا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض كل "الاتهامات" ويؤكد عدم الانصياع لأي طلبات لا تتوافق مع أهدافه الساعية لاحتلال قطاع غزة وتهجير السكان والقضاء على حركة "حماس". واصوات الرفض والشجب لم تقتصر على الخارج فقط، بل داخل تل ابيب نفسها، تتزايد النقمة لخطط توسيع الحرب وترتفع الاصوات المطالبة بوقفها فورًا لعدم اتضاح الرؤية وتحقيق اي مكسب بعد مرور اكثر من سنة ونصف على بدء القتال.
فتصريحات رئيس الحزب الديمقراطي "الإسرائيلي" يائير غولان ورئيس الوزراء السابق إيهود باراك كما رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت تمثل افضل مثالًا على تعاظم النقد لنتنياهو وحكومته والتحذيرات من تأثير ما يجري على اسرائيل وتعرضها للعزلة والنبذ، لاسيما ان مشاهد القتل العبثية وطوابير الحرمان جعلت التظاهرات في الجامعات الاميركية والدول الاوروبية حدثًا يوميًا ناهيك عن رفع عدة شكاوى حول العالم لملاحقة جنود اسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم حرب. واذ لا يتوقع ان تؤثر المواقف الغربية على الخطط الاسرائيلية الا انها "تهز" العصا لنتنياهو بالتزامن مع الاجتماع الذي عُقد في مدريد أمس، الأحد، وضم الى الدول الاوروبية اخرى عربية سعيًا إلى دعم "حل الدولتين" لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتحقيق وقف اطلاق النار وادخال المساعدات دون قيود.
وترفض الامم المتحدة، كما الكثير من الجهات الاخرى، خطة المساعدات الاسرائيلية المدعومة من واشنطن وترى أنها تفرض مزيدًا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، لأنها تجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة. وفي أخر المستجدات المتعلقة بهذا الموضوع، أشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي الى أن آلية توزيع المساعدات الجديدة في قطاع غزة، ستبدأ العمل اليوم الاثنين، وذلك بالتعاون مع شركات أميركية خاصة. أما صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فتحدثت عن استقالة جيك وود، الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي أنشئت حديثًا بشكل "غامض" بهدف توزيع المساعدات دون الكشف عن الجهات الممولة والداعمة والاهداف الحقيقية الكامنة وراءها.
هذا الملف الانساني بكل ابعاده يزيد من معاناة سكان القطاع ويجدد التحذيرات من مخاطر المجاعة لاسيما لدى الاطفال والمسنين مع ارتفاع اعداد المصابين بسوء التغذية. في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال توسيع العملية العسكرية المعروفة باسم "عربات جدعون"، والتي أطلقتها إسرائيل مطلع الشهر الجاري بهدف احتلال حوالي 75% من القطاع خلال شهرين، في حين يسيطر الجيش فعليًا الآن على نحو 40% منه. وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي كشفت عن إخلاء منطقة خان يونس بالكامل من السكان المدنيين، حيث تم إجلاء نحو 200 ألف شخص من المنطقة، بينما يتركز حوالي 750 ألف فلسطيني في منطقة المواصي. ويشكل النزوح معضلة كبيرة لانه يعزز التهجير الممنهج ويحشر السكان في بقع جغرافية محددة تفتقر الى كل المقومات الحياتية.
في سياق متصل، لا تزال خطوة تعيين ديفيد زيني رئيسًا لجهاز الأمن العام (الشاباك) تثير السخط والغضب حيث أفادت العديد من وسائل الاعلام الاسرائيلية بأن مسؤولين في الجهاز هددوا بالاستقالة في حال تعيينه رسميًا واضعين ذلك في اطار "الدوافع السياسية" كما أعربوا عن قلقهم من أن آراء زيني المتطرفة تتعارض مع القيم الأساسية للجهاز، وقد تُلحق الضرر بطابعه غير الحزبي. الى ذلك، انضمت عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس" الى الرافضين لخطوة التعيين حيث أبدوا مخاوفهم من فقدان ما تبقى من أمل لاطلاق سراح الرهائن بظل تشدد المواقف الحالية وتوقف المفاوضات بعدما وصلت الى طريق مسدود.
وينتظر الوسطاء الضغط الاميركي لدفع نتنياهو الى طاولة المباحثات مجددًا رغم التباعد الكبير بين طرفي النزاع، اي تل ابيب و"حماس". ومن الوضع الفلسطيني المُعقد الى سوريا، التي تحاول مواكبة التطورات السياسية الحاصلة في البلاد عبر اعتماد هيكلية أمنية جديدة لاستعادة الاستقرار وفرض الأمن. ففي خطوة مهمة، أعلنت وزارة الداخلية السورية تعيين قادة لأجهزة الأمن الداخلي في 12 محافظة من أصل 14 بعموم سوريا، اذ لم تشمل التعيينات محافظتَي الحسكة والرقة الخاضعتان لمناطق نفوذ الإدارة الذاتية الكردية، بعد فشل دمشق في التوصل معها الى اتفاق بشأن مستقبل مناطق سيطرتها.
وتسعى الادارة السورية الى مواكبة التحولات الأخيرة بعد رفع العقوبات الاميركية والاوروبية ولكن بشروط واضحة، وتهدف الى اطلاق مسار العمل الاقتصادي بهدف تحسين الاوضاع المعيشية والاجتماعية في البلاد رغم ان الخروقات الاسرائيلية تشكل تحديًا جديدًا امام ادارة الرئيس أحمد الشرع. وتواصل تل أبيب توسيع وجودها في محافظة القنيطرة، حيث لفتت معلومات الى توغل رتل عسكري اسرائيلي يتألف من 14 آلية عسكرية، بينها ثلاث دبابات من طراز ميركافا، على الطريق الواصل بين بلدة الحميدية ومبنى المحافظة بمدينة القنيطرة في جنوب سوريا. ومنذ سقوط نظام بشار الاسد، تتعمد اسرائيل زيادة انتهاكاتها على وقع "تململها" من الخطوات الاميركية المتسارعة للانفتاح على سوريا الجديدة. من جهته، رأى المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك أن "مأساة دمشق وُلدت مِن رحم الانقسام. ويجب أن تأتي ولادتها الجديدة من خلال الكرامة والوحدة والاستثمار في الشعب".
ايرانيًا، يبدو أن سلطنة عُمان يمكن ان تحقق خرقًا ما في الوساطة بين طهران وواشنطن كما فعلت مع الحوثيين في وقت سابق. مع الاشارة الى ان "اتفاق اليمن" ما كان ليتم دون رضى ايراني وقبول من طرفها بالتوصل الى حلول كبادرة حسن نية تجاه ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب. وبينما ترفض ايران، على لسان كبار مسؤوليها، التنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم، تبدو واشنطن حريصة على انجاح المفاوضات والتوصل إلى اتفاق نووي جديد حيث تطرق ترامب الى إحراز بعض التقدم الفعلي مع إيران قائلًا: "عقدنا محادثات جيدة للغاية مطلع الاسبوع"، في إشارة إلى الجولة الخامسة من المباحثات التي عقدت السبت الماضي في العاصمة الايطالية روما. وأضاف "أعتقد أنه يمكن أن يكون لدينا بعض الأخبار الجيدة على الساحة الإيرانية".
أما دوليًا، وتحديدًا في ما يتعلق بأوكرانيا، فتتجه الاوضاع نحو المزيد من التأزم بعد الهجوم الروسي الجوي المكثف على كييف والذي أدى الى مقتل 13 شخصًا وإصابة العشرات. وقد دفعت هذه المستجدات الامنية الرئيس ترامب الى الاعلان عن "استيائه" من نظيره الروسي فلاديمير بوتين رغم ان واشنطن حاولت مرارًا وتكرارًا التوسط لانهاء القتال، الا ان موسكو ترفض حتى اللحظة السير قدمًا بخطط وقف النار.
الصحف العربية الصادرة اليوم ركزت بمعظمها على تطورات المشهد الفلسطيني، الذي يحتل سلم الاولويات ونرصد:
كتبت صحيفة "الوطن" القطرية "إجبار عشرات الآلاف من السكان المدنيين على النزوح المتكرر هو تطهير عرقي تعاقب عليه القوانين الدولية، لكن دولة الاحتلال بقيت في منأى عن المحاسبة على الرغم من كل جرائمها الماثلة للعيان"، لافتة الى أن "تكرار اقتحام المسجد الأقصى المبارك ينذر بمزيد من المواجهات، وهو أمر يجب عدم السكوت عنه أبدا، وعلى المجتمع الدولي التحرك بشكل فعال من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات وإجبار إسرائيل على القبول بما أجمعت عليه دول العالم، على اعتبار أن من شأن ذلك وحده تحقيق الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط".
وتحت عنوان "هل هناك خط أحمر لإسرائيل؟"، اشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "الخطوة القادمة ستكون مؤلمة لنتنياهو عبر اعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين، وهذا تغيّر استراتيجي سيذهب بخطط إسرائيل طويلة المدى أدراج الرياح، وهو تطور كبير كيف لا وهما الدولتان اللتان خطتا خرائط المنطقة". وقالت "نتنياهو ما زال يعتقد أن بإمكانه تجاوز كل الخطوط الحمراء، لكن الغرب أضحى اليوم ينظر لحرب غزة كمغامرة بأسلحتهم وسمعتهم، ويومًا بعد يوم تسقط السردية الإسرائيلية العتيقة التي تتبنى نظرية قلعة الديموقراطية الغربية في الشرق الأوسط".
من جهتها، رأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن "البيان المشترك للدول الاوروبية جاء ضمن سقف الإنذار أو التحذير فقط، ولم يصل إلى مستوى التهديد المباشر والاستعداد لتنفيذ حتى لو بعض القرارات أو العقوبات المؤثرة ضد الحكومة الإسرائيلية"، مشددة على أن "الظروف الآن لا تحتمل تأخيرًا ولا مراوغات ومناورات سياسية، فالتأخير في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يعني مجاعة وشهداء ودمارًا أكثر".
اما صحيفة "الأهرام" المصرية فاعتبرت أن حركة "حماس" أصبحت "في وضع بالغ الصعوبة على المستوى السياسي رغم أن قدراتها العسكرية لم تنفد تمامًا"، مضيفة "الحركة الآن أمام اختيار أكثر من صعب بين أن تضحي بنفسها أو أن تضحي بما بقى فى قطاع غزة. وتزداد صعوبة هذا الاختيار بمقدار ما يتواصل صمت المجتمع الدولي وهشاشة ردود الفعل المتأخرة التى تصدر من بعض الدول والتكتلات، ومن ثم ازدياد تشبث حكومة نتنياهو بعدم التوصل إلى أي صفقة إلا باستسلام "حماس".
وعما يجري على صعيد السياسات الاميركية في المنطقة، اوضحت صحيفة "القدس العربي" أنه "يمكن اعتبار خطوات إدارة ترامب المتلاحقة استراتيجية أمريكية لكنها، تعبر في الوقت نفسه، عن طبائع ترتبط بشخصية ترامب، وغرائزه كتاجر عقاري". وتابعت "ترتكز هذه الاستراتيجية على اعتبار أن ما يمكن تحقيقه للمصالح الأمريكية العليا عبر التفاوض (المسنود بالقوة العسكرية) وعقد الصفقات الكبرى، من دون شن الحروب هو خيار أفضل بكثير لأمريكا، وهو خيار أثبت نجاحه في صفقاته الخليجية، كما طبّقه جزئيًا في إقرار اتفاق المعادن مع أوكرانيا".
في سياق مختلف، أكدت صحيفة "عمان" العُمانية أن "العراق الآن هو الذي يُراد له أن يصبح حجر الدومينو التالي في حصار إيران وتقليص نفوذها، بعد وقوع الحجر السوري وانضمامه إلى المعسكر الأمريكي". وأردفت "تميل واشنطن وحلفاؤها إلى أنه دون محاصرة النفوذ الإيراني الهائل في العراق، لا يمكن تحقيق النصر الكامل على طهران وإجبارها على تقديم تنازلات في الملف النووي، والارتداد الانكماشي إلى الداخل، والكف عن مقاومة النفوذ الأمريكي على المنطقة، والتخلي عن النزعة الاستقلالية التي تسير عليها منذ ثورة الخميني عام 1979"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")