إذا ما نظرنا سريعًا لما تُقدّمه شركات تطوير تكنولوجيات الذّكاء المتنوّعة في هذا الشّأن، نجد أنّ هناك سوقًا متخصّصةً باتت تتّسع لشتّى متطلّبات التحصيل الابتكاري الأدبي، بل إنتاج الابتكار نفسه. ومع ذلك لا يمكن للذّكاء المُصنَّع أن يتّسع في طرح أسئلته وتخطيط مسار تطوّره في هذا الاتجاه ما لم يُمَهِّد له الإنسان طريقه الأنجع... وما لم يُحَدِّد له الاحتياجات الحقيقية في عالمنا البشريّ، سيظلّ هذا "الذّكاء الاصطناعي" في أي مجال كان، مجرّد مخزونٍ رقميّ في آلةٍ صمّاء، تسير على غير هدًى، ولا يمكن لها إشباع حاجة الناس من دون إدراج الأسئلة والقضايا الحقيقية من قِبَل الإنسان نفسه.
تزايدت مشاركات تطبيقات الذّكاء الاصطناعي الأدبية إنتاجًا وتحليلًا وتقييمًا
فيما يتعلق بالإبداع الأدبي عمومًا، فهو يتطلّب على الأقل توفّر ثلاث قدرات، يمكن حصرها في القدرة على إنتاجه وابتكاره، والقدرة على مراجعته وتحليله، والقدرة على نقده وتقييمه؛ وهذه إمكاناتٌ إنسانيّةٌ بحتة. وإنّما يكون التحوّل الإلكترونيّ فيها مجرّد محاكاةٍ وتشبيهٍ وفق قواعد تفكير إنسانية مقنّنة إلكترونيّا. فالأدب الإلكتروني يَنشأ ويُوزَّع على أجهزة الأنظمة الرّقمية، كالحواسيب والأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة، ويتجسّد كليًّا من خلالها سواء في إنتاجه أو التفاعل معه. لكنّه لديه القدرة على إتاحة فرصة المشاركة الآنيّة للقارئ والمُستخدِم عمومًا، في إنتاجه ومراجعته وتقييمه في شتّى أشكاله، نصًّا وصوتًا وصورةً أو حركةً مرئيّة.
في السنوات الأخيرة، تزايدت مشاركات تطبيقات الذّكاء الاصطناعي الأدبية بقوة، إنتاجًا وتحليلًا وتقييمًا، شعرًا ونثرًا. منها التطبيقات التالية:
1 - تطبيق (Character AI)، أنشأه وأطلقه مطوّرون من شركة "غوغل" سنة 2021؛ وهو يقدّم خدمة دردشةٍ آليةٍ، يمكنها إنشاء شخصيّات واستجابات يُخصّصها المُستخدِم، أي يمكن عبره التحدّث مع شخصياتٍ خياليةٍ وتاريخيةٍ يولّدها التطبيق بحسب اختيار الاستخدام.
2 - تطبيق "ChatGPT 4"، أطلقته شركة (Open AI) في 2023. يمكن أن يُقدّم نصًّا أدبيًّا حول الصور المُحمّلة، مثل نصّ مُوَلَّد لشرح الصورة، وتحليلها، وتلخيص مضمونها؛ أي يُقدّم قراءةً للشكل أو النّموذج المرئيّ، ويُبرز رسالته المُضمّنة. وبالتالي، فهو يساعدُ كثيرًا على إنشاء المحتوى والترويج للمنتج. ويمكن أيضًا إضافة الصوت المسموع الذي يولّده، ما يُضيف بُعدًا جديدًا للمحتوى. لكنّه غير قادرٍ على تقديم المزايا الرّاقية نفسها بلغاتٍ أخرى غير الإنكليزية.
3 - تطبيق (Claude AI)، أطلقته شركة "أنثروبيك" الأميركية في 2023، وهو محرّك ذكاء اصطناعي مُتقدّم، يمكنه قراءة وفهم آلاف الصفحات من النصوص في ثوانٍ، والاستجابة للاستفسارات حولها، ويمكنه تحليل الصور والرسوم البيانية والرسومات والنصوص المكتوبة بخط اليد وتحويلها إلى نصوصٍ رقمية، ويُقدّم استجاباتٍ بناءً على تحليل كمّيات هائلة من المعلومات. يُلخّص المستندات الطويلة، ويُقدّم الأفكار والأسئلة ويُحدّد الأخطاء المحتملة والخطوات التالية المقترحة في الموضوع. وهو أيضًا قادر على إنتاج النّصوص الإبداعيّة الشعريّة والنثرية، في القصّة والرواية، وأيضًا في النقد الأدبي، إذ يمكن استخدامه في التحليلات والقراءات النقدية.
نماذج ذكية مُتقدمة لتحليل الإبداع القصصي وبرمجيات ذكية لتأليف الكُتُب
4 - تطبيق (Gemini)، أطلقته "غوغل" في نهاية 2023، وهو قادر على فهم الوسائط المتعدّدة، نصًّا وصوتًا وصورةً وفيديو، ومن ثَمَّ فهو متعدّد الوسائط، يتناسب تمامًا مع منتجات الأدب الإلكتروني. وهو يُقدَّم في ثلاث نسخٍ مختلفة: "جيميناي نانو" يختص بالترجمة الفورية والكتابة التلقائية، و"جيميناي برو" لكتابة المحتوى وإنشاء الصور وتوليد الشفرة (الكود)، و"جيميناي ألترا" مُصمَّم للمهام المعقّدة للغاية، مثل تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي للمؤسسات. وقد أضافته "غوغل" أخيرًا إلى "شات جيميناي" باسم "جيميناي أدفانسد" (المُتقدّم).
5 - تطبيق "DeepSeek"، أطلقته شركة "ديبسيك" الصينية في يناير/كانون الثاني 2025؛ يساعد بقوةٍ في مجال الإبداع الأدبي من خلال فهم اللغة البشرية وتحليلها، وبخاصةٍ قدرته على تحليل المشاعر والترجمة الآلية، وتوليد النصوص، وتحليل الصور والفيديوهات، ويمكن توظيفه فيما يتعلق بالإبداعات الأدبية الإلكترونية، وأتمتة المهام الروتينية والمُعقّدة.
يُضاف إلى ذلك تطبيقات ذكية أخرى، مثل: مساعد تحليل الأدبيّات الذكي الخاص بـ"هايبر رايت" (HyperWrite)، فهو أداة نوعية لإنشاء تحليلات مُعمّقة للأعمال الأدبية. وبرنامج (MAXQDA) لمراجعة الأدبيات الشاملة، مثل إدارة المراجع والأدوات النوعية والمفردات وأدوات تحليل النص، وغيرها. أيضًا، أداة تحليل أو نقد القصة القصيرة (AI Story Critique)، تُقدّم نماذج ذكيةً مُتقدمةً لتحليل الإبداع القصصي، إذ تقوم بتقييم العناصر الأساسية مثل الحبكة، وتطوير الشخصية، والإعداد، والموضوع، وأسلوب الكتابة، ويُقدّم تعليقاتٍ حول كلّ جانب من هذه الجوانب. بل هناك كذلك برمجياتٌ ذكيةٌ لتأليف الكُتُب؛ مثل برنامج (Squibler) لسنة 2024، الذي لا يقتصر على المساعدة في الكتابة باستخدام الذّكاء الاصطناعي، بل يُتيح مزايا أخرى مُصمّمة خصيصًا للمؤلّفين، مثل أدوات نماذج الكتابة، وقوالب السيناريو والرواية والمسرحيات، وتتبّع التقدّم في كتابة النصّ، وتحديد الأهداف، وغيرها...
قدرات الإنسان الإبداعية حتى الآن بعيدة عن المقاربات الخوارزمية
يبرز الآن سؤال يفرض نفسه. سؤال بات يصاحبنا حين نوظّف الذّكاء الاصطناعي في أي مجالٍ بشريّ: هل يمكن للذّكاء الاصطناعي أن يحلّ محلّ الكُتّاب البشر؟... لعلّ الإجابة تتعلّق بمضامين التفكير الإبداعي والتفكير النقدي والموهبة الإنسانية، وترتبط بتلك المكامن الغامضة في قدرات الإنسان الإبداعية، وهي حتى الآن، بعيدة عن المقاربات الخوارزمية.
لقراءة الجزء الأول
(خاص "عروبة 22")