صحافة

"المشهد اليوم"…الرياض تحتضن "سوريا الجديدة" وإيران في مرمى الاتهاماسرائيل تعرقل زيارة الوفد العربي إلى رام الله وغموض بشأن هدنة غزّة بعد رد "حماس"

الرئيس السوري أحمد الشرع مرحباً بالأمير فيصل بن فرحان في دمشق أمس (أ.ف.ب)

لم يكن للعرب أن يتخيلوا أن تعود سوريا لموقعها الطبيعي وأن تستعيد دمشق فرادتها وتغلق باب الحرب الدموية وتوقف المدّ الايراني الذي تغلغل في السنوات الاخيرة حتى بات الحاكم الفعلي في البلاد بعدما حول النظام السابق الى مجرد "واجهة" وكرسي يعتليه بشار الأسد ولا يحكم..حرب كلّفت سوريا الكثير من الخسائر والجراح والندوب التي لن تكون معالجتها سهلة ولكنها ليست مستحيلة وسط الاحتضان العربي اللافت والدعم الغربي المهم للانطلاق نحو عملية اعادة الاعمار والتعافي والبدء بمرحلة جديدة سيكون عنوانها الاقتصاد والتنمية ودعم المسار السياسي الحكومي.

ومن هنا يمكن قراءة زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الى دمشق وذلك بعد الجهود الاستثنائية التي بذلتها الرياض من أجل رفع العقوبات الاميركية وبالتالي استعادة سوريا الجديدة مكانتها ودورها الريادي. وتدرك السعودية أن العامل الاقتصادي يشكل أولوية مطلقة من أجل ارساء الاستقرار واستعادة ثقة الشعب بالسلطة والتخفيف من الاعباء الملقاة عليه بعد الدمار والخراب الذي لحق بكل القطاعات الانتاجية في البلاد وأدى الى تدهور سعر صرف العملة وازدياد معدلات البطالة والفقر ناهيك عن الارقام المُرعبة للهجرة والنزوح. ويمكن القول ان السعودية وقطر تسعيان معًا من أجل توفير مظلة أمان لحكومة الشرع للمضي قدمًا وقد ترجم ذلك من خلال الاعلان الرسمي عن دعم مالي مشترك للعاملين في القطاع العام في سوريا لمدة 3 أشهر، كخطوة نحو اعادة شرايين الحياة الى هذه الادارات والمؤسسات وتسريع وتيرة تعافي الاقتصاد.

فالبيان الصادر عن الدولتين كان واضحًا لجهة مدّ اليد الى سوريا ودعمها بشتى الطرق، وذلك استكمالًا للخطوة السابقة التي تمثلت في سداد متأخرات دمشق لدى مجموعة البنك الدولي، والتي بلغت نحو 15 مليون دولار. وتشكل هذه الخطوات رافعة حقيقية لتعزيز فرص التنمية وزيادة أوجه التعاون والاستثمار، وهذا ما كان فحوى زيارة الوزير السعودي على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى من أجل وضع المداميك الاساسية للمرحلة المقبلة التي ستشهد، بحسب التصريحات المُعلنة، زيارات لوفود اقتصادية تضم عددًا كبيرًا من رجال الأعمال في المملكة، بمجالات الطاقة والزراعة والتجارة والبنية التحتية وتقنيات الاتصال والمعلومات. وكانت زيارة وزير الخارجية السعودي تخللتها عدة محطات تمثلت بـ: صلاة في الجامع الأموي، لقاء مع الرئيس أحمد الشرع ومحادثات مع نظيره أسعد الشيباني، تلاها مؤتمر صحافي مشترك عبرا فيه عن مدى رغبة البلدين بشراكة هادفة لإيصال "سوريا الجديدة وشعبها" إلى الاستقرار واستعادة مكانتها بين الأشقاء العرب.

وبينما تسعى دمشق الى توفير كل المقومات اللازمة للاستفادة من الفرصة الذهبية المتاحة أمامها، يستكمل رئيسها زياراته العربية ويحط اليوم، الأحد، في الكويت تلبية لدعوة أميرها الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. وتشكل الكويت الوجهة العربية السابعة التي يزورها الشرع منذ توليه مهامه في كانون الثاني/يناير الماضي بعد الاطاحة بحكم الأسد، والوجهة التاسعة دوليًا، إذ زار خلال الأشهر الماضية كلاً من قطر وتركيا والسعودية ومصر والأردن والإمارات، إضافة إلى فرنسا والبحرين، وذلك ضمن جولات دبلوماسية تهدف إلى إعادة تثبيت موقع سوريا ومكانتها إقليميًا ودوليًا.

التطورات في سوريا تأتي بينما تعيش غزّة يومًا اضافيًا من الحرب الشعواء التي تستخدم فيها اسرائيل كل أسلحتها وقواتها وجنودها من اجل احتلال المزيد من أراضي القطاع وتضييق الخناق على السكان ودفعهم للنزوح المستمر دون وجود أي بقعة آمنة. وفي حين علّت فرص التوصل الى هدنة بعد الاقتراح "المُحدّث" للمبعوث الاميركي الى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والذي وافقت عليه اسرائيل، عادت الامور الى مرحلة الضبابية والتخوف من تصعيد جديد بعد ردّ حركة "حماس"، والذي جاء بصيغة القبول ولكن مع بعض التحفظات والملاحظات سعيًا وراء الحصول على ضمانات اميركية واضحة بوقف الحرب وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل من القطاع وادخال المساعدات وفق الآلية التي كانت معتمدة قبل انهيار الهدنة مقابل اطلاق سراح الأسرى المحتجزين لديها، ولكن على دفعات.

الا ان هذه التحفظات لم تلقَ قبولًا لدى الجانب الاميركي، اذ وصف ويتكوف ردّ الحركة بـ"غير المقبول بتاتًا"، داعيًا اياها الى "قبول مقترح الإطار الذي طرحناه كأساس لمحادثات التقارب والتي يمكننا البدء بها فورًا الأسبوع المقبل"، معتبرًا أن هذه هي "الطريقة الوحيدة لإبرام اتفاق وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا يعود بموجبه نصف الرهائن (الإسرائيليين) الأحياء ونصف الأموات". أما المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فجددت القول بأن الرئيس دونالد ترامب مصمم على أن يكون جزءًا من جهود إنهاء المذبحة في غزة، بحسب وصفها. وسارعت اسرائيل الى اعتبار جواب "حماس" أشبه بعرقلة للمفاوضات واضعة الكرة في ملعبها ومحملة اياها مسؤولية الفشل في التوصل الى اتفاق، وهو ما يرضي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وافق على المقترح الاميركي بعدما قرأ في بنوده ما يمكن أن يشكل رفضًا كليًا من قبل الحركة التي تسعى لانهاء الحرب ووقف الاحتلال الاسرائيلي الذي يقضم المزيد من المناطق ويحشر السكان في بقع جغرافية ضيقة مقابل توفير الغذاء بأساليب قمعية مهينة.

ومع هذا الجواب تقف "حماس" عند مفترق طرق خطير لاسيما ان معاناة سكان القطاع تجعلهم يتعجلون أي هدنة تضع حدًا لحمام الدم المستمر منذ أكثر من 18 شهرًا وسط غياب كل المقومات الحياتية. فاسرائيل تحاصر القطاع من كل الاتجاهات ولا تبالِ بالانتقادات الدولية والاممية الموجهة اليها بل تضعها في خانة "التضليل" وتشنّ هجومًا شرسًا على منتقديها، ولاسيما الدول الاوروبية الساعية الى الاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية. وتواجه تل أبيب المزيد من العزلة والمظاهرات التي تجوب العديد من العواصم والداعية الى وقف تسليح حرب الابادة في غزة ومحاسبة اسرائيل على جرائمها المتعاظمة في القطاع كما الضفة الغربية التي تشهد على اكبر موجة استيطان بالتزامن مع حملة ممنهجة لتهجير السكان. وكانت اسرائيل منعت زيارة وفد من وزراء الخارجية العرب إلى رام الله ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمسؤولين الفلسطينيين ما اعتبرته الأردن يمثّل "خرقًا فاضحًا" لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال.

وترفض الدول العربية ما يجري في غزة والضفة من احتلال وتقسيم واضح المعالم وتدعو الى وقف مخططات التهجير واعادة اعمار غزة. ومع دخول الهدنة في مرحلة جديدة من الغموض والتعقيد، تبرز المباحثات بين واشنطن وطهران بعدما أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن تسلّمه "عناصر" من اقتراح أميركي بشأن اتفاق نووي محتمل "سيتم الرد عليه بشكل مناسب؛ لينسجم مع حقوق الشعب الإيراني ومبادئه ومصالحه القومية". وكان المقترح نقله الوسيط العُماني، وزير الخارجية بدر البوسعيدي دون معرفة ما يتضمنه رسميًا رغم أن موقع "أكسيوس" نقل عن مسؤول أميركي قوله إنه يشمل اقتراح يسعى لكسر الجمود حول نقطة الخلاف وهي مطالبة إيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم محليًا.

وتتزامن هذه التطورات مع تعاظم الخلاف بين ايران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي اشارت في تقرير جديد لها، بأن المخزون الإيراني من اليورانيوم عالي التخصيب، يمكن تسريعه لتشكيل نواة نحو 10 قنابل نووية إذا اختارت طهران ذلك. وأوضح التقرير عينه أن المخزون ارتفع بنسبة نحو 50 ٪؜ خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في حين تم تسريع وتيرة إنتاجه بنسبة 60 ٪؜، القريبة من مستوى الاستخدام العسكري. من جانبها، رفضت طهران ما ورد واضعة اياه في اطار "التسييس" و "الترويج" لمزاعم قديمة تستند إلى معلومات مصدرها اسرائيل. وردًا على التقرير، طالب نتنياهو المجتمع الدولي باتخاذ "إجراءات فورية" لوقف البرنامج النووي الإيراني، مؤكدًا أنه "ليس سلميًا" وأن "مستوى التخصيب الذي تبلغه إيران لا يبرره أي استخدام مدني".

لبنانيًا، يزداد الشرخ بين رئيس الحكومة نواف سلام و"حزب الله"، وذلك على خلفية مواقفه الاخيرة المتعلقة بنزع السلاح، حيث لا يفوت المسؤولين في الحزب اي فرصة دون التعرض له مع تحييد رئيس الجمهورية جوزاف عون. وفي هذا السياق، قال النائب حسن فضل الله "لا أحد يأتي ويطالبنا بتطبيق البيان الوزاري بالمقلوب كمن يضع العربة أمام الحصان؛ ولذلك اذهبوا وطبّقوا أولًا التزاماتكم، وبعدها قوموا بمطالبتنا؛ لأنّه ليس لدينا شيء بعد لنعطيه لأحد". وبات واضحًا أن "حزب الله" يربط بين نزع سلاحه وعملية اعادة الاعمار التي تسعى اليها الحكومة وتوظف علاقاتها في هذا الاطار، الا انها تصطدم بعقدة الخوف من الاعمار والبناء بظل استمرار وجود السلاح والتعديات الاسرائيلية وعدم تطبيق القرار الدولي 1701 بحذافيره.

وتطالب الدول المعنية، وعلى رأسها واشنطن، بحصر السلاح بيد الدولة والقيام باصلاحات اقتصادية وسياسية لا تزال في مرحلة الاقاويل دون القدرة على التنفيذ الفعلي. في وقت يتصدر التجديد للقوات العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" سلّم الأولويات في ظل المعلومات المتناقضة الواردة عن مطالب بتعديل المهام المنوطة بها وصولًا الى تلويح تل أبيب بانهاء عملها بالكامل. وفي السياق، ربط رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حديث خاص لصحيفة "الشرق الأوسط"، بين هذه الاحاديث والزيارة المتوقعة لنائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس وما ستحمله "للتأكد من الموقف الأميركي على حقيقته ليكون في وسعنا أن نبني موقفنا على قاعدة تمسكنا بدورها بلا أي تعديل يتعارض، وإصرارنا على انسحاب إسرائيل تمهيدًا لتطبيق القرار 1701".

واخيرًا مع المستجدات السودانية بعد اداء كامل الطيب إدريس، أمس، اليمين الدستورية كرئيسًا لمجلس الوزراء حيث من المتوقع أن يشرع في تشكيل وزاري جديد بغضون الأيام المقبلة. هذا ويواجه إدريس تحديات كبرى، أبرزها إدارة الأزمة السياسية والاقتصادية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق الاستقرار، في ظل الحرب المتواصلة بين الجيش وقوات الدعم السريع مع استمرار تعثر المفاوضات والتوصل الى حل للازمة المستشرية في البلاد.

في الجولة الصباحية تركيز على أبرز ما ورد في عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم:

رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "ما أقدمت عليه اسرائيل من منع للوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله، فعلت أفظع منه قبل أقل من أسبوعين، عندما أطلقت قواتها الرصاص الحي باتجاه وفد دبلوماسي ضم سفراء من دول أجنبية وعربية في مخيم جنين المدمر". وقالت "الاعتداء لم يكن بريئًا، بل كان صالفًا بلا حدود، وعكس تمردًا جنونيًا على المواثيق والأعراف، وسجل حجة، لا تقبل الطعن، على أن هذه الدولة القائمة على القتل والاحتلال لا تراعي الحرمات أو المعاهدات، وأخذها الغرور بعيدًا عن أي ضوابط أو خشية ردع، طالما أنها لا تخضع للمساءلة أو المحاسبة".

الموضوع ذاته سلطت عليه صحيفة "الغد" الأردنية الأضواء، اذ أشارت الى أن "دلالات المنع الإسرائيلية أخطر بكثير من منع وزراء خارجية عرب، فهي تقول إن الضفة الغربية إسرائيلية، وليست فلسطينية، والسيادة عليها إسرائيلية أيضا، ولا شرعية بالمفهوم الإسرائيلي لسلطة أوسلو التي كان الوزراء يريدون زيارتها، وهذا المنع يؤشر فعليًا إلى أن لا دولة فلسطينية ستقام في الضفة الغربية". وخلصت الى أن "مواصلة الكلام عن حل الدولتين، متاجرة في الوهم أيضا، ولا أعرف ماذا ينتظر الفلسطنييون والعرب للخروج والاقرار علنًا أن لا دولة فلسطينية على الطريق!!".

واعتبرت صحيفة "الراية" القطرية، في معرض حديثها عن الاوضاع المأساوية في غزة، أنه "لا قيمة للشرعية الدولية إن لم تنتصر للحق وتنصف المظلومين وتوقف، وإلى الأبد، عربدة الكبار فوق الساحة الدولية التي أصبحت مسلخًا للضحايا والبؤساء في جميع أنحاء المعمورة"، داعية "شعوب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم لتعيد للشرعية الدولية مكانتها أو أن تستقيل بصورة جماعية من المنظمة الدولية المسماة "الأمم المتحدة ومجلس أمنها اللعين"، على حدّ قولها.

من جهتها، قالت صحيفة "البلاد" البحرينية "ربما لم نشهد تباعدًا في المواقف والسياسات الأميركية والإسرائيلية كما شاهدناه هذه الأيام وفي قضايا مفصلية لمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يحمل فرصًا حقيقية للدول العربية كي تعلي أجندتها وتعزز مصلحتها وتوحد كلمتها". وتحدثت عما أسمته "قرارات وتحركات أميركية خارج الصندوق المتعارف عليه من التلازم الحتمي والتوافق الدائم والتنسيق المشترك بين أميركا وإسرائيل، فإذا بالرئيس ترامب يسلك مسارًا بعيدًا ويركب قطارًا جديدًا لا تعلم إسرائيل له ميعادًا ولا وجهة".

الواقع اللبناني عكسته صحيفة "الراي" الكويتية "التي كتبت "وبدا أن لبنان لم ينجح حتى الآن في انضاج ظروف تفاهمات داخلية من شأنها الإفادة من الاندفاعة الإقليمية - الدولية لإخراجه من النفق. فـ"حزب الله" يتمترس خلف احتفاظ إسرائيل باحتلالها للتلال الـ5 للاحتفاظ بسلاحه". واضافت "ولم يعد خافيًا أن الولايات المتحدة تتماهى مع الموقف الإسرائيلي الذي يشترط نَزع سلاح الحزب من جنوب نهر الليطاني وشماله وتجفيف الموارد المالية والتسليحية للحزب لإنجاز الانسحاب من جنوب لبنان، وهو الأمر الذي يشكل "أسبابًا موجبة" للارتباك في بيروت التي تلهو بإنجازات جانبية".

وضمن السياق نفسه، ذكرت صحيفة "الجريدة" الكويتية أنه "يلوح في الأفق مسعى أميركي متكامل يسعى إلى بلورة صيغة توفيقية توازن بين الأولويات المتناقضة لـ"حزب الله" والمجتمع الدولي، مع الحرص على تثبيت معادلة الردع التي تحول دون انزلاق الأوضاع الميدانية نحو التصعيد"، لكنها أكدت أن "نجاح هذا المسعى يبقى رهنًا بمدى استعداد الأطراف للانخراط في حوار جدي يأخذ بعين الاعتبار توازنات القوى، وحسابات الربح والخسارة على المستوى الإقليمي في ضوء المفاوضات النووية بين إدارة ترامب وإيران".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن