مفاوضات عن بعد

تتحدث التقارير عن أن إسرائيل قررت تغيير أسلوب التفاوض حول غزة، وانتهاج أسلوب المفاوضات عن بعد، والمضي قدماً في الحرب لتحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية، بغض النظر عن وجود مفاوضات من عدمه، على الرغم من أن هذه الأهداف لم تتحقق بعد أكثر من 600 يوم على اندلاعها.

ولكن لماذا قررت إسرائيل انتهاج أسلوب جديد، وعدم إرسال وفد إلى المفاوضات، سواء إلى الدوحة أو القاهرة، وهل لذلك علاقة بما تدّعيه بشأن الذهاب إلى خيار الحسم العسكري سبيلاً لتحقيق تلك الأهداف المعلنة، على الأقل، وإعلان ما تسميه "نصراً مطلقاً"، لا يبدو في الأفق على أي حال، أم أن هناك أساليب وتكتيكات جديدة تريد تجريبها، لتحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة؟

من الواضح، أن الامتناع عن إرسال وفد إلى المفاوضات هو جزء من عملية الضغط السياسي والعسكري التي تمارسها إسرائيل، لدفع الجانب الفلسطيني إلى القبول بشروطها، وهو هدف بات معلناً، بعدما ربطت ذهابها إلى المفاوضات بقبول آخر نسخة من مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كما هو، ومن دون أي تعديل أو نقاش. لكن هذا الأسلوب ليس جديداً، فهي التي أرست مبدأ "التفاوض تحت النار" والتي خاضت كل المفاوضات السابقة على أساسه، مع أنه لم يؤد إلى أي نتيجة إلا عبر الاتفاق. كما أن الامتناع عن إرسال وفد إلى المفاوضات قابل للتغيير في أية لحظة، وبسهولة تامة، إذا قررت واشنطن ذلك، أو رأت أن إدخال بعض التعديلات على مقترح ويتكوف، يمكن أن يؤدي إلى اتفاق حول إطلاق سراح الرهائن، في وقت أعلنت مراراً أنها لا تعارض وقفاً دائماً لإطلاق النار وفق شروط معينة.

وهنا لا بد من التوقف عند مفترق طرق مهم، وهو أن مسألة وقف إطلاق النار باتت حتمية، بسبب السياسة التي ينتهجها نتنياهو، إذ بغض النظر عن تمسكه الظاهري بمواصلة الحرب فإنه أدخل إسرائيل في مأزق، داخلياً وخارجياً، بات يعرفه القاصي والداني، خصوصاً أنه بعد 20 شهراً من الحرب لم يتمكن من حسمها ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى ذلك. كما انعكس ذلك على الولايات المتحدة ومشروعها السياسي ومصالحها في المنطقة، والتي تريد بالتالي وضع نهاية لهذا الصداع، الذي يتبدى في توتر العلاقات بين الجانبين.

أما ما يحدث في قطاع فهو لم يعد حرباً، وإنما مقتلة يديرها نتنياهو لحسابه الشخصي، وفق ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم، وتحمل في مضمونها كل مواصفات "الإبادة" و"التطهير العرقي"، وما الحصار والتجويع والتهجير والمجازر وكمائن المساعدات القاتلة، سوى عمليات ابتزاز، للحصول على تنازلات سياسية.

لكن محصلة كل هذا الابتزاز، قلبت السحر على الساحر، وهو ما يتجلى في الانتفاضة التي تشهدها عواصم الغرب، وبينها أقرب الداعمين لإسرائيل، والتي تطالب بإنهاء الحرب أو مواجهة العقوبات، وهو ما لم يحدث في تاريخ الصراع من قبل.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن