صحافة

"المشهد اليوم"…اسرائيل تضرب العمق الايراني والمرشد يتوعّد بـ"عقاب شديد" مقتل قيادات ايرانية رفيعة المستوى وعلماء ذرة وقرار أممي يدعو لوقف فوري لحرب غزّة

رجال إطفاء يعملون في موقع انفجار هزّ مجمع سكني شمال طهران جراء الضربات الإسرائيلية (إ.ب.أ)

لم ينتظر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو موعد الجولة السادسة من المفاوضات الايرانية - الاميركية، والتي كانت متوقعة يوم الأحد في العاصمة العُمانية، مسقط، فاستبق نتائجها وما يمكن أن يخرج عنها من معطيات بشنّ عملية "الأسد الصاعد"، حيث نفذّ الطيران الحربي عدة غارات استهدفت حيًا يُقيم فيه كبار قادة "الحرس الثوري الإيراني" وعلماء ذرة في العاصمة طهران ما ادى بحسب المعطيات الاولية الى مقتل قائد الحرس الثوري حسين سلامي وقائد مقر "خاتم الأنبياء" للدفاع الجوي اللواء غلام علي رشيد كما رئيس هيئة الأركان محمد باقري إلى جانب عدد من العلماء النوويين.

وأتت هذه العملية بعد أقل من 48 ساعة على الاجراءات الاميركية الاحترازية بنقل عدد من موظفيها من انحاء مختلفة من الشرق الاوسط بعد تحذير الرئيس دونالد ترامب من ضربة عسكرية إسرائيلية وشيكة للمواقع النووية في إيران. وعلى الرغم من تصاعد وتيرة الحديث عن امكانية توجيه عملية عسكرية، الا ان التوقيت والاهداف الاسرائيلية في غاية الاهمية:  أولًا، تتزامن مع فشل المباحثات الايرانية - الاميركية بالتوصل الى اتفاق نووي جديد بسبب رفض واشنطن وتمسكها بموقفها الداعي الى عدم امتلاك ايران السلاح النووي ووقف تخصيب اليورانيوم وهو ما رفضه المرشد علي خامنئي وكبار القادة الايرانيين. ثانيًا، تأتي على وقع قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أدان عدم امتثال ايران لالتزاماتها النووية، وذلك لأول مرة منذ نحو 20 عامًا. ثالثًا، يواكب ما يحدث في الشرق الاوسط من تغيرات في موازين القوى نتيجة الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لاضعاف أذرع ايران، سواء في لبنان او حتى في اليمن، دون ان ننسى ما يجري في غزة من ابادة جماعية مستمرة منذ اكثر من 20 شهرًا وسقوط نظام بشار الاسد في دمشق، والذي شكل بدوره ضربة قاصمة للنظام الايراني.

رابعاً، يحاول نتنياهو المحشور داخليًا وبعد "تخطي" حل البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) بفارق اصوات ضئيلة أن يحقق "انتصارات" تطيل أمد بقائه في الحكم خاصة ان حرب غزة تشهد انتقادات واسعة، حتى ضمن اصدقاء اسرائيل نفسهم. وخامسًا، ترافقت هذه العملية مع اقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء أمس، مشروع قرار صاغته اسبانيا ويطالب بوقف فوري ودائم وغير مشروط لاطلاق النار في غزة وضرورة التزام جميع الأطراف به. ورغم أن قرارات الجمعية العامة غير مُلزمة، لكنها تعكس أهمية ووزنًا كونها تعكس الرؤية الأممية للحرب. يُذكر أن قرارًا مماثلًا أسقطته الولايات المتحدة الاسبوع الماضي حين استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي رغم موافقة جميع الدول الأعضاء عليه.

وبالعودة الى الحدث الأخطر المُتمثل بالضربات الاسرائيلية، وصف نتنياهو اللحظة بأنها "لحظة حاسمة في تاريخ تل أبيب"، مشيرًا إلى أن الهدف من هذه العملية غير المسبوقة هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية و"ستستمرّ بقدر ما يلزم من أيام للقضاء على هذا التهديد". فيما أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس حالة الطوارىء بشكل فوري وأغلق المجال الجوي، متوقعًا أن تتعرض إسرائيل وسكانها لهجوم وشيك بالصواريخ والطائرات المسيّرة. وكان الجيش الإسرائيلي قال، في بيان، "قبل قليل، أنجزت عشرات الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي المرحلة الأولى التي شملت غارات على عشرات الأهداف العسكرية، بما في ذلك أهداف نووية في مناطق مختلفة من إيران". ويبدو ان التصعيد الاسرائيلي كان بعلم من واشنطن ولكن دون مشاركتها، إذ أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن بلاده "ليست منخرطة بضربات ضد إيران وأن أولوياتها القصوى هي حماية القوات الأميركية بالشرق الأوسط"، موضحًا أن تل ابيب أبلغت واشنطن بأنها تعتقد أن هذا الإجراء ضروري للدفاع عن نفسها، حسب قوله.

أما في طهران، فقد أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني أن غارات جوية إسرائيلية استهدفت فجر الجمعة مرات عدة مفاعل نظنر، المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في محافظة أصفهان، في حين نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول إيراني أن حي شهراك شهيد محلاتي في طهران، حيث يعيش كبار القادة العسكريين تعرض للهجوم الإسرائيلي. واضاف المسؤول أن 3 مبان سكنية بالحي قد نسفت بالكامل. هذا وذكرت عدة وسائل إعلام إيرانية أن السلطات علّقت جميع الرحلات الجوية في مطار الخميني الدولي جنوب البلاد حتى إشعار أخر. كما أعلنت وزارة النقل العراقية، إيقاف حركة الطيران بشكل تام في جميع المطارات العراقية وإغلاق الأجواء بشكل مؤقت، حفاظًا على سلامة المسافرين.

وبانتظار ما ستكون عليه ردة الفعل الايرانية ومدى جهوزيتها للتورط بتصعيد عسكري جرتها اليه اسرائيل خاصة بعد توعد المرشد الايراني بـ"عقاب شديد". وحتى الأمس، كان ترامب منفتحًا على الحلول الديبلوماسية ورافضًا الخطوات العسكرية وسبق ان دعا نتنياهو الى التريث وعدم اتخاذ اي قرارات تصعيدية، الا ان ما جرى بمثابة رسالة مُبطنة لطهران بتنفيذ اسرائيلي ولكن برضى ودراية اميركية ايضًا، خاصة ان المطلوب هو التوصل الى اتفاق جديد يحدّ من قدرات ايران النووية وهو ما يمكن استنتاجه من كلام ترامب نفسه حين قال، في اخر تصريح له: "أتمنى تجنب حدوث نزاع مع إيران، لكن عليها منْحنا أشياء ليست مستعدة لتقديمها". واضاف: "أريد أن أبرم اتفاقًا مع إيران، ونحن قريبون من ذلك". وفي وقت سابق، أفاد موقع "أكسيوس" بأن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف حذّر، في لقاء مغلق، الأسبوع الماضي، مع كبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ، من أن طهران قد تردُّ بـ"هجوم واسع عالي الخسائر"، إذا قصفت إسرائيل منشآتها النووية.

تزامنًا، لا تزال كارثية الاوضاع في غزة تحظى على الاهتمام الدولي، لاسيما مع مشاهد القتل اليومي للفلسطينيين الساعين للحصول على المساعدات الانسانية، والتي اصبحت أشبه بـ"كمائن موت مجاني"، فيما يتفنن الاحتلال الوحشي بفرض التجويع والتعطيش والابادة الجماعية. ويحاول الوسطاء الوصول الى اتفاق لوقف المجازر اليومية وتقليص حجم الخلافات بين اسرائيل وحركة "حماس". ورغم ان المعطيات المتداولة عن ان الدوحة تجري اتصالات دقيقة يمكن أن تفضي إلى  ارساء هدنة ما، الا ان المسار المتبع منذ بداية الازمة يشير الى أن "الشيطان يكمن في التفاصيل". والمطروح حاليًا هو مقترح ويتكوف، والقاضي بهدنة 60 يومًا ومبادلة 28 من أصل 56 رهينة لا يزالون محتجزين في غزة مقابل أكثر من 1200 أسير ومعتقل فلسطيني، إلى جانب إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع.

هذا المقترح سبق وأبدت عليه "حماس" عدة ملاحظات لانه لا يتضمن اي ضمانات بوقف الحرب. ويبدي نتنياهو "ليونة" مستجدة بشأن ايام الهدنة ولكنه يرفض رفضًا قاطعًا الحديث عن انهاء القتال ويصر على ان اي اتفاق سيسمح لاسرائيل باستئناف عملياتها حتى القضاء على "حماس". وإذ تتوجه الانظار حاليًا الى المؤتمر الذي سيعقد في الامم المتحدة الأسبوع المقبل ويهدف إلى إعطاء زخم للجهود الدولية تجاه حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، حذرت الولايات المتحدة الدول التي تعتزم المشاركة و"اتخاذ إجراءات معادية لإسرائيل في أعقاب المؤتمر"، مهددة بأنه "سيُنظر إليها على أنها تتصرف على نحو يتعارض مع مصالح السياسة الخارجية الأميركية، وقد تواجه عواقب دبلوماسية". ورغم بعض التناقضات، الا ان الدعم الاميركي اللامحدود لاسرائيل هو الذي يحبط اي محاولات لوقف الحرب في غزة والتوصل الى اتفاق يرسي حلًا دائمًا للقضية الفلسطينية.

والمشهد في غزة يترافق مع تدهور الاوضاع في الضفة الغربية المحتلة، حيث تستمر القوات الاسرائيلية بعملياتها العسكرية الهادفة نحو احداث تغيير ديمغرافي وتهجير الفلسطينيين وتوسيع مشاريع الاستيطان. ولليوم الخامس على التوالي، استمرت الجرافات بتدمير المنازل في مخيم طولكرم حيث وصل مجموع البيوت المهدمة الى 64 بيتًا حتى الآن فيما سبق لمخيمي نور شمس وجنين ان شهدا على تحركات مماثلة. وهذه المستجدات، التي لا تحظى بتغطية اعلامية كافية، تتزامن مع حملة اعتقالات ومداهمات واسعة النطاق، فيما يقوم المستوطنون، بدعم من قوات الجيش، بايذاء العائلات الفلسطينية والاستيلاء على ممتلكاتها وارزاقها او تدميرها وإعاثة الخراب فيها. ووفقًا لآخر المعطيات، فإن التصعيد في الضفة أدى إلى تهجير أكثر من 5 آلاف عائلة من مخيمي نور شمس وطولكرم، أي ما يزيد على 25 ألف مواطن، 70% منهم من الأطفال.

لبنانيًا، فالوضع ليس افضل حالًا مع تكرار الاعتداءات الاسرائيلية والتي شملت أمس، الخميس، شنّ سلسلة مكثفة من الغارات على مناطق جنوبية متفرقة فيما قتلت مسيّرة اسرائيلية شخصًا في بلدة النبطية الفوقا. ويقيّد هذا الوضع لبنان من معالجة تداعيات الحرب الاخيرة والبدء بعملية اعادة الاعمار خاصة ان الاموال الكفيلة بتحقيق ذلك لا تزال غير متاحة رغم سعي لبنان الجدي لذلك. وتطغى على الساحة مسألة ايجاد حل لسلاح "حزب الله" بظل الضغوط الواسعة التي يتعرض لها لبنان من جانب واشنطن وهو ما ستحسمه زيارة المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك الذي، وفق عدة وسائل اعلامية، يحمل معه مطالب واضحة الى المسؤولين اللبنانيين بتفكيك كل البنى العسكرية التابعة للحزب وحصر السلاح بيد الدولة وحدها عبر القيام بخطوات واضحة وعملية.

الوضع المتأزم في بيروت يأتي مع حلول تطرق على الملف السوري الذي يشهد انفتاحًا عربيًا واميركيًا غير مسبوق منذ رفع العقوبات الشهر الماضي. وتمهد هذه الخطوات نحو اعادة الدور الريادي لدمشق وعودتها الى الحضن العربي بعد سنوات طويلة من الحرب التي فتحت الابواب امام التغلغل الايراني والروسي في البلاد وشرعت وجود ميليشيات طائفية. ولكن التحدي الابرز امام ادارة الرئيس أحمد الشرع يكمن في الجانب الامني خاصة ان اسرائيل أيضًا لا تبدو في وارد التوقف عن انتهاكاتها حيث أعلنت وزارة الداخلية السورية عن مقتل شخص واختطاف 7 أخرين خلال عملية توغل نفذتها قوات الاحتلال في قرية "بيت جن" الواقعة بمنطقة "قطنا" على بعد نحو 50 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة دمشق، في تصعيد جديد وخطير أدانته دمشق ووصفته بأنه "انتهاك صارخ للسيادة الوطنية".

ما يجري على الصعيد الاقليمي، خصوصًا التطورات الايرانية - الاسرائيلية الى جانب مأساة غزة، تصدرتا سلم اهتمامات الصحف العربية الصادرة اليوم. وفي الموجز الصباحي نرصد التالي:

كتبت صحيفة "الرياض" السعودية "الضربة الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية حال حدوثها سترفع مستويات التوتر إلى درجات قصوى، وتهدد استقرار الإقليم، وهو أمر لا طائل منه، وتداعياته غير معروفة العواقب حتى بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، فالخسائر ستكون على الجانبين من دون شك، فلكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومخالف له في الاتجاه". وقالت "فالكل يعرف متى تبدأ الحرب، ولكن لا أحد يعرف متى تنتهي أو كيف ستنتهي، فالجنوح إلى الحوار المؤدي إلى نزع فتيل الحرب هو الخيار الأمثل".

من جهتها، اشارت صحيفة "الوطن" البحرينية الى أن "التطورات المتسارعة هي بمثابة مؤشرات قد تنذر بمواجهة في الشرق الأوسط واقتراب اندلاع حرب إقليمية سوف تهدد أمن واستقرار الخليج والمنطقة"، معتبرة أنه في حال حدوث ضربة عسكرية على ايران ستكون "المنطقة، بل والعالم، أمام تطورات عسكرية غير مسبوقة وسوف تتوسع المواجهة وقد تصل إلى حرب عالمية ثالثة في حال تدخلت قوى عالمية وأصبح اصطفاف تلك القوى ليكون هناك معسكران أو جبهتان".

صحيفة "القدس العربي"، تناولت الاطار نفسه، اذ رأت ان "تحرّكات إسرائيل تشير، بداية، الى اتجاه كبير لدى ائتلافها الحكوميّ ليس لإنهاء المشروع النووي الإيراني فحسب، بل لتقويض مجمل قدراتها العسكرية، وعلى رأسها أسلحة الصواريخ والمسيّرات والبحرية، ولإضعاف نفوذ طهران الإقليمي، وهو اتجاه إسرائيلي راسخ في سعيه لإضعاف كل بلدان المنطقة"، مشيرة الى أن "حكومة نتنياهو، التي تجد في الحرب حلًا لمشاكل داخلية وخارجية، تعرف أن تهديداتها ترفع سقف المطالب الأمريكية، وتأمل، في الوقت نفسه، في رفع أجواء التوتّر الأمريكية ـ الإيرانية إلى حدّ تصبح فيه الحرب خيارًا ممكنًا".

وعن قوافل كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، رأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن غاية "الاحتلال عزل القطاع عن الإمدادات الانسانية وعن التضامن العالمي المتعاظم". واضافت "الاستهانة المتزايدة بالرأي العام العالمي الشعبي والرسمي المتعاطف مع أهل غزة، تؤكد إصرار الكيان الاسرائيلي على سياسة الحصار كأداة عقاب جماعي من منطلق براغماتي وسياسة الإبادة والتقتيل من دون النظر في التداعيات الأخلاقية والإنسانية المتوقعة من منطلق جيوسياسي".

وفي السياق نفسه، جزمت صحيفة "الراي" الكويتية أن "السياسة المتبعة تجاه الجرائم الصهيونية أصبحت مكشوفة ومجردة من أي غطاء أخلاقي. ولم تفضح هذه الإبادة الكيان الغاصب سياسيًا فحسب، بل أسقطت أيضًا سردياته وأساطيره التي لطالما استخدمها لتبرير وجوده غير الشرعي. وهكذا، امتدت جذوة المواجهة إلى الشعوب، التي باتت ترى الصور والمشاهد وتدرك هول الفظائع"، مؤكدة "أن القضية الفلسطينية قد اكتسبت بُعدًا أعمق من أي وقت مضى، بفضل هذه المواجهة الشعبية، التي يراها البعض انتصارًا مؤقتًا لعصابة نتنياهو، لكنها في حقيقتها تمثل بداية لانهيار الأسطورة الصهيونية".

وحول الجدل بشأن "قافلة الصمود" وتوجهها برًا من مصر وما اثير عن توقيف نشطاء واعادتهم الى بلدانهم، حسمت صحيفة "الأهرام" المصرية الموقف الرسمي بالقول إن "حدود أي دولة لا يجب تركها للفوضى، ومن حق كل دولة تنظيم الدخول والخروج منها بما يتفق مع قوانينها الداخلية، وأمنها القومي"، محذرة من وجود "أهداف أخرى غير معلنة لتلك القافلة وأخطرها ما يتعلق بتحسين صورة العدو الإسرائيلي وكأن مصر هي التي تغلق المعبر (في اشارة إلى معبر رفح) وليست إسرائيل، وافتعال أزمة غير مبررة على الإطلاق على الحدود المصرية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن