الهجوم الذي أعلنت به إسرائيل الحرب على إيران، الجمعة 13 حزيران (يونيو)، مؤشر واضح إلى أزمة السياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، إذ تَبَدَّلَ شعار "أميركا أولاً" إلى "إسرائيل أولاً". وبدلاً من "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" وسخريته من سلفه جو بايدن الذي اندلعت في عهده الحرب على أوكرانيا، وجد ترامب نفسه يمضي على خطى أسلافه مثل جورج بوش الإبن الذي تورط مباشرة في حربي أفغانستان والعراق.
وبدلاً من استراتيجية "نحو آسيا" والتوجه نحو مزاحمة الصين عند أكنافها وإعادة تأسيس علاقة جديدة مع منطقة الشرق الأوسط، قائمة على التوازن أمام روسيا والصين، والتي كان الاتفاق مع إيران جزءاً منها، انزلقت إدارة ترامب في مستنقع إسرائيل. وبدلاً من الاستفراد بالحوار مع إيران ثنائياً وذلك بتهميش بقية أطراف الاتفاق النووي ضمن مجموعة 5+1، عادت المحادثات تلوذ بهذه الأطراف، سواء الترويكا الأوروبية أم روسيا التي استغلت هذه الحرب لتقويض أحلام الأوروبيين في أوكرانيا، وأصبحت مفتاحاً للمحادثات مع إيران وبات نجاحها ينتظر لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وبدلاً أيضاً من بناء الثقةِ مع إيران التي راهن معسكرها المعتدل على الحوار مع الغرب من أجل الخروج من العزلة الدولية برفع العقوبات، وهو ما كان سينعكس على المحيط الإقليمي في إطار أولوية المصالح الاقتصادية، فقدَ الإيرانيون الثقة بالغربيين وثبتت صحة رؤية المتشددين بأن المحادثات النووية ما هي إلا فخ لبلادهم. وبدلاً من تصحيح الاتفاق النووي الذي غادره عام 2018 بعدما تساءل أين مكاسب بلاده من هذا الاتفاق، وجد ترامب سياسته أسيرة للرؤية الإسرائيلية التي لا تَقبلُ إلا تدمير القوة الإيرانية صاروخياً ونووياً واقتصادياً، ولم يستطع حتى تحصيل جزء مما حققه سلفه باراك أوباما الذي كان يضع إيران أمام خياري الحرب أو الحوار، لكنه فضل في النهاية الانتصار للديبلوماسية لأن استراتيجيته القائمة على الحرب بالوكلاء بدلاً من التورط المباشر لم تنجح بعد فشل الثورة الخضراء عام 2009 في إطاحة النظام في إيران.
كل هذا لأن ترامب لم يتعلم من دروس الماضي سوى السخرية ولم يستطع حتى الآن إنهاء حرب واحدة، سوى التفاخر بإنهاء الأزمة بين الهند وباكستان التي لا تزال ناراً تحت الرماد، بل حتى حليفته الهند تُشككُ في كلامه الذي يعتبره كافياً للحصول على جائزة نوبل للسلام!
كل هذا الفشل لأن ترامب يفكر بطريقة سماسرة المال الذين يجنون المكاسب بطريقة خاطفة وسريعة، ولا يفهمون ديناميكية المنطقة بشكل حقيقي وببعد نظر، فهو يرسل مبعوثه رجل الأعمال ستيف ويتكوف لحل أزمات الشرق الأوسط وأوروبا، بينما وزير خارجيته ماركو روبيو يلتقط بجواره الصور في البيت الأبيض. وكذلك يتجاهل تقارير مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، النافية امتلاك إيران أسلحة نووية، ليتورط في السردية الإسرائيلية بأنها تسعى إلى امتلاك السلاح النووي ويجب إسقاط نظامها أو على الأقل تدمير منشآتها النووية!
وماذا عنا أيضاً؟
إن كانت إيران قد فقدتْ الثقة بمؤسسات النظام الدولي والولايات المتحدة بصفتها راعياً لاستقرار هذا النظام، فإن هذه الحرب حتى وإن سقط النظام في إيران ستصنع تغييراً في رؤية الإقليم، لأنها حرب كاشفة بأن إسرائيل تخطت دورها من شرطي أميركي إلى قوة إقليمية لن تبرح حتى تُدجن بقية القوى الأخرى وتخضعها لرؤيتها نحو إدارة المنطقة، وهو ما يعني عدم استقرار النظام الإقليمي بسقوط نظام الملالي، بل هو بداية لتأكيد وجهة النظر المحافظة الرافضة للسلام مع إسرائيل!
(النهار اللبنانية)