على الرغم من كل المعطيات والوقائع الميدانية التي كانت توحي بأن الحرب الجارية بين اسرائيل وايران ستكون طويلة الأمد وستنعكس اقليميًا على المجريات السياسية، إلا أن ما كان يجري خلف الأبواب المغلقة من مناقشات ومباحثات نجح في ارساء اتفاقًا ينهي المواجهة الحامية الوطيس ويعلي شأن الدبلوماسية بعدما تصاعدت حدة التوترات ووصلت الى ذروتها القصوى عقب انخراط واشنطن في الحرب الى جانب تل أبيب وشنّها ضربات عسكرية ضد 3 منشآت ايرانية النووية، وهي فوردو، نطنز وأصفهان والردّ الإيراني عليها والذي طال القاعدة الأميركية في قطر.
ويمكن القول إن الحرب التي بدأت بشكل مفاجىء ومباغت قبل 12 يومًا انتهت بالطريقة والاسلوب عينه دون معرفة بنود الاتفاق الذي أرسي بين الجانبين، لاسيما لجهة قبول طهران بوقف برنامجها النووي، وهو ما كانت تعتبره بمثابة "الخط الأحمر" الذي لا مساومة عليه أبدًا. وفي التفاصيل المتوافرة على قلتها، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل لاتفاق تام بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق نار كامل وشامل سيدخل حيّز التنفيذ في "الساعات القليلة المقبلة"، موجهًا التهنئة لكلا البلدين على "امتلاكهما القدرة على التحمل والشجاعة والذكاء لإنهاء الحرب".
وبحسب معطيات وكالة "رويترز" نقلًا عن مسؤول مطلع، فإن اقتراح وقف النار تم بوساطة قطرية واقتراح أميركي بعدما توسط ترامب عند رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد ظهر أمس، الاثنين. فيما قالت الوكالة عينها إن نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أجروا محادثات مباشرة وغير مباشرة مع إيران لوقف النار. وكما قلنا سابقًا فإن حماوة الميدان قد لا يعكسها ما يجري خلف الأبواب والغرف الضيقة من مداولات، خصوصًا ان الحرب الاخيرة كانت ستقود المنطقة برمتها الى توترات واحداث دموية لا تحمد عقباها.
وقد أتى الاتفاق بعدما ردت ايران بشكل مباشر على الضربات الاميركية عبر استهداف قاعدة العديد العسكرية في قطر، وذلك ضمن اطار الرد "الفولكلوري"، ان صح القول، بعدما أبلغت طهران مسبقًا الولايات المتحدة عبر قطر عن الهجمات الانتقامية لتفادي وقوع أي قتلى أو جرحى ضمن العملية التي سمتها "بشائر الفتح". ويكشف هذا التنسيق عن رغبة هذه الدول بوقف التصعيد والذهاب نحن الحلول التفاوضية بعد أيام من الضربات غير المسبوقة التي شملت منشآت نووية في فوردو وأصفهان، إضافة إلى قواعد جوية، ومراكز أبحاث، وردّت إيران بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف حيوية في إسرائيل.
تزامنًا، استغلت تل أبيب الساعات القليلة الفاصلة عن وقف النار (وهو اسلوب تعتمده في كل حروبها)، بشّن سلسلة واسعة من الهجمات على طهران ومدينة كرج إلى الغرب، الى جانب اصدار أوامر اخلاء لسكان منطقتين في العاصمة الإيرانية بحجة "ضرب بنى تحتية عسكرية تابعة للنظام الإيراني هناك"، في وقت كشف التلفزيون الإيراني عن اغتيال العالم النووي محمد رضا صديقي. وقد كلفت هذه الحرب ايران الكثير من العقول المخططة والمدبرة الى جانب شخصيات الصف الاول المقربة جدًا من المرشد علي خامنئي. في السياق عينه، ذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، صباح اليوم، نقلًا عن مسؤول عسكري أن مسيرة مجهولة الهوية استهدفت موقعًا في قاعدة التاجي العسكرية العراقية شمال بغداد، دون تقديم المزيد من التفاصيل حول الهجوم أو الأضرار التي نجمت عنه.
ومواكبة للتطورات الجارية، قال المرشد خامنئي إن إيران "لم تعتد على أحد، ولن تقبل أي اعتداء من أحد عليها تحت أي ظرف"، مشددًا على رفض الخضوع "لمضايقات أحد، وهذا هو منطق الأمة الإيرانية". في غضون ذلك، تتسع الفجوة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدما أفادت وكالة "تسنيم"، نقلاً عن المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بأن اللجنة وافقت على الخطوط العريضة لمشروع قانون يهدف إلى التعليق الكامل لتعاون طهران مع الوكالة. وبحسب القانون المقترح، سيتم تعليق أعمال تركيب كاميرات المراقبة والسماح بعمليات التفتيش وتقديم التقارير إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية طالما لم يتم ضمان أمن المنشآت النووية.
الى ذلك، ينتظر أهل غزة "بشرى سارة" من هذا النوع تُعلن وقف الحرب بشكل تام ونهائي بعد أكثر من 20 شهرًا على بدء حرب الإبادة، الا ان مصالح الدول المتورطة هناك، وعلى رأسها تل أبيب ترفض التوصل لأي اتفاق بل تختلق الكثير من الحجج والذرائع لاستكمال العمليات العسكرية وتوسيع نطاق سيطرتها على القطاع الذي يئن سكانه من الجوع والعطش نتيجة السياسات الاسرائيلية وتشديد الحصار. في وقت تزداد أعداد الضحايا من منتظري المساعدات بالقرب من مراكز التوزيع التي حددتها "مؤسسة غزة الانسانية" والتي تلقى الكثير من الانتقادات والمخاوف حول دورها المشبوه في تهجير الفلسطينيين وتنفيذ أجندة اسرائيل. وكانت 15 منظمة حقوقية حذرت من تواطؤ محتمل للمؤسسة في جرائم حرب بغزة، داعية إلى وقف عملياتها التي تشهد فوضى عارمة وسقوط للشهداء والجرحى.
سوريًا، خيّم تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة جنوبي دمشق، والذي يعد أول هجوم من نوعه يستهدف كنيسة في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، على المشهد العام وسط محاولات رسمية وشعبية لرأب الصدع ومنع اثارة الفتنة والنعرات الهادفة لادخال البلاد مجددًا في أتون الصراع. وبينما ارتفعت الاصوات المندّدة بالعمل الارهابي الجبان، تتجه الأنظار الى المعالجات الامنية التي يجب أن تتخذها الادارة الجديدة لطمأنة الاقليات في البلاد لاسيما بعد احداث الساحل السوري الأخيرة. من جهته، جمّد الاتحاد الأوروبي أصول 5 أشخاص مرتبطين بالنظام السابق وحظر سفرهم إلى دول الاتحاد، وذلك لدعمهم جرائم ضد الإنسانية تشمل استهداف المدنيين بالأسلحة الكيميائية وتأجيج العنف الطائفي.
ما يجري على الصعيدين الإقليمي والعربي من أحداث ووقائع عكسته الصحف العربية الصادرة والتي ركزت بمعظمها على الحدث الايراني، حيث رصدنا خلال الجولة الصباحي ما يلي:
رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن العالم يحتاج إلى "إرادة حقيقية من أجل التخلص من كابوس الأسلحة النووية، وبلا رجعة، والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدول الخمس النووية"، داعية الى ضرورة وجود "إطار زمني واضح ومحدد للتخلص من هذه الأسلحة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن دون ذلك تبدو الأمور مفتوحة على المزيد من الانتشار النووي مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر. هناك حاجة ماسة لاحترام التعهدات، والالتزام بالقواعد التي تضمنتها المعاهدات الدولية المعنية بهذا النوع من الأسلحة الفتاكة"، على حدّ قولها.
وأشارت صحيفة "العرب" القطرية الى أن "تمسّك الدول بمبادئ حسن الجوار ليس شعارًا دبلوماسيًا، بل خيار وجودي في منطقة تحكمها الحسابات المتوترة وصراع الإرادات. وقطر، كما عودتنا، اختارت دومًا أن تكون في صف الحكمة لا المغامرة، وفي قلب مساعي التهدئة لا دوائر التصعيد"، مشددة، في معرض ردها، على الاستهداف الايراني لقاعدة "العديد"، على أن "السيادة القطرية خط أحمر، وأن انتهاكها مرفوض تحت أي ذريعة".
وانتقدت صحيفة "الوطن" البحرينية الصواريخ الايرانية باتجاه قطر، واضعة هذا التصرف في اطار "تقويض كل المبادرات الخليجية التي سعت في السنوات الأخيرة إلى التهدئة والانفتاح تجاه إيران"، معتبرة أن "الصواريخ التي استهدفت قطر لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل كانت رسالة مرفوضة تستهدف السيادة الخليجية بشكل عام، وتتجاهل محاولات بناء علاقات مستقرة مبنية على الاحترام المتبادل".
من جهتها، تساءلت صحيفة "اللواء" اللبنانية عن "مصير النظام الحالي في طهران، بعد تعطيل البرنامج النووي؟"، لتصل الى نتيجة مفادها بأنه "ليس في المواقف الأميركية ما يشير إلى أن البيت الأبيض يسعى لإسقاط النظام الحالي في طهران، بقدر ما المطلوب هو التخلي عن البرنامج النووي، وعدم إثارة الإضطرابات والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار. إلى جانب تنفيذ سياسة إنفتاحية، وتخفيف القيود الأمنية والإجتماعية التي تعطل حركة المجتمع الإيراني".
ولفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "استهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة يعد انتهاكًا للقانون الدولي وتصعيدًا خطيرًا ويضع المنطقة على سطح صفيح ساخن، حيث يغذي البيئة الصراعية ويطيل أمد الحرب الإسرائيلية الإيرانية وبالتالي يهدد بتفجر الأوضاع في المنطقة". وقالت "الحرب الحالية في الشرق الأوسط وقبلها الحرب الروسية الأوكرانية وكذلك الحرب العدوانية الإسرائيلية المستمرة على غزة تؤكد ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي ليضطلع بدوره بفاعلية في حفظ السلم والأمن الدوليين ومعالجة الخلافات والأزمات المشتعلة في كثير من مناطق العالم".
صحيفة "الغد" الأردنية كتبت "بما أن منطقة الشرق الأوسط، أمام تحول تاريخي، ومُستقبل مجهول، أو بمعنى أصح ليس في صالح الأُمة العربية أو الإسلامية، على حد سواء"، مضيفة "نحن العرب مُطالبون بتغيير إستراتيجياتنا وخططنا الآنية والمُستقبلية، خصوصًا بعدما أثبتت التجارب العملية على أرض الواقع، والحروب التي خاضها الغرب ضدنا، بقيادة الشيطان الأكبر (أميركا)، أننا في مراتب مُتأخرة كثيرًا في مجالي الحروب العادية وتلك الإلكترونية والتقدم العسكري، مُقارنة بتلك الدول".
(رصد "عروبة 22")