صحافة

"المشهد اليوم"…تضارب بشأن "نووي" إيران وكلفة جسيمة لحرب الـ "12 يومًا"ترامب يسعى لتثبيت الهدنة بين طهران وتل أبيب ولبنان يحمل ملفاته وقضاياه الى قطر

من التظاهرات الايرانية التي عمت طهران أمس دعمًا للقوات المسلحة إثر الاعلان عن وقف إطلاق النار (رويترز)

وضعت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية أوزارها بعد 12 يومًا من التصعيد "المجنون" وسط غموض في تحديد ماهية الاتفاق الذي أُبرم "في ليل" وفق وساطة قطرية وبناء على اقتراح أميركي. ويفتح غياب الحديث عن البنود المتفق عليها خاصة في ما يتعلق بمستقبل ايران النووي شهية كل دولة من الدول الثلاث التي كانت مشاركة في الحرب الى ادعاء الانتصار على الطرف الاخر، فايران على لسان رئيسها مسعود بزكشيان أعلنت "النصر العظيم" على "أعداء الأمة" فيما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يدخر أي فرصة للاعلان عن تدمير "محور الشر" الايراني ومنع طهران من امتلاك أسلحة نووية وتحقيق "انتصار تاريخي". أما الولايات المتحدة، الراعي الرسمي للحرب والسلام، فيبدو أنها حققت مرادها بإعادة طهران للجلوس على طاولة المفاوضات.

فبعد فشل 5 جولات سابقة من المباحثات الاميركية - الايرانية بوساطة عُمانية في التوصل الى نتائج مُرضية وملموسة، تتجه الانظار الى الجولة المقبلة وما يمكن أن تحمله من جديد خاصة أن طهران تبدو منفتحة أكثر على الحلول، حيث أبلغ الرئيس الايراني ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال اتصال هاتفي، باستعداد بلاده لحل الخلافات مع الولايات المتحدة "وفق الأطر الدولية وعلى طاولة التفاوض". فيما شدد بمكالمة أخرى مع نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، التأكيد على أن بلاده لا تسعى للحصول على سلاح نووي. وتعول ايران اليوم على الوساطات الجارية، ولاسيما الخليجية منها، من أجل تقريب وجهات النظر والوصول الى اتفاق يرضي كافة الأطراف المتنازعة.

ووسط تساؤلات عن امكانية صمود الاتفاق "الهشّ" بين طهران وتل أبيب، تبرز الخسائر الجسيمة، المادية والبشرية منها، التي تكبدها كلا البلدين خلال الحرب. ففي الجانب الايراني، أعلنت السلطات الرسمية عن مقتل 610 أشخاص وجرح 4,746 آخرين من بينهم 1,342 أصيبوا خلال هجمات اليوم الأخير والذي وصف بـ"الأعنف". وقد خسرت ايران في معركتها هذه كبار الشخصيات السياسية والعسكرية الى جانب العلماء النوويين الذين كانوا ينعتون بأنهم العقول المفكرة والمدبرة في وقت تبدو الاضرار المادية بحاجة الى وقت من اجل تقييمها خاصة انها شملت العديد من منشآتها النووية والبنى التحتية الأساسية. وفي المقلب الاسرائيلي، بدأت تل أبيب تلملم آثار الحرب التي خلفت وراءها تدمير كبير يُصعب حصره بسهولة معلنة عن مقتل 28 شخص وجرح ما يقارب الـ3000. هذا وأنفقت اسرائيل 5 مليارات دولار في الأسبوع الأول من الهجمات على إيران، وفقًا لموقع "فايننشال إكسبريس"، بينما بلغت النفقات اليومية للحرب 725 مليون دولار، منها 593 مليون دولار خُصصت للهجمات و132 مليون دولار للإجراءات الدفاعية والتعبئة العسكرية.

تزامنًا، تتضارب المعلومات بشأن الأضرار الناجمة عن ضرب الولايات المتحدة الاميركية المنشآت النووية الايرانية الرئيسية: فوردو، نظنز وأصفهان. فبينما يصرح ترامب بأن الهجوم "دمر بالكامل" المواقع النووية الإيرانية، أفادت شبكة "سي إن إن" بأن التقييم الأولي للاستخبارات الدفاعية، وذلك نقلًا عن 3 مصادر، يُظهر أن هذه الضربات لم تدمر العناصر الأساسية للبرنامج، وربما لم ترجعه إلى الوراء إلا بمقدار بضعة أشهر فقط. وفي حال صحة المعلومات التي يرفضها ترامب ويضعها في اطار "التزييف والتشويش"، فإن ما جرى يكون أقرب الى رسالة تحذيرية شديدة اللهجة من الولايات المتحدة لدفعها الى القبول بما هو معروض عليها خصوصًا ما يتعلق بموضوع تخصيب اليورانيوم والذي شكل عقدة العقد في وقت سابق.

هذا وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" تحدثت عن مكالمة وصفتها بـ"الصعبة" بين ترامب ونتنياهو، حيث رفع الرئيس الأميركي صوته مطالبًا بوقف الحرب على ايران فورًا، معتبرًا أن تحقيق ذلك هو بمثابة "إنجاز شخصي"، موضحاً، بحسب المصدر المطلع عينه للصحيفة الإسرائيلية، بأنه لن يسمح لأي أحد على الإطلاق بتقويضه. وكان ترامب استبق كل من تل أبيب وطهران بالاعلان عن وقف النار مظهرًا نفسه كراعٍ للسلام ومخلصًا من الحروب ودمويتها، لاسيما أنه يطمح للحصول على جائزة نوبل بعدما كرر ذلك أكثر من مرة. وقبيل توجهه إلى قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أعلن الرئيس الأميركي إن إسرائيل وإيران انتهكتا وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أنه ليس راضيًا عن ذلك. كما جدد التأكيد على منع إيران من الحصول على السلاح النووي أو تخصيب لليورانيوم.

ومع صمود الهدنة حتى الساعة، وسط تحليلات، بأن جولة الحرب هذه انجرت اليها طهران "حفاظًا على ماء الوجه" بعدما فرضتها الضربات الاسرائيلية "المباغتة" وان ترامب نفسه الذي أعطى "الضوء الأخضر" لنتنياهو سابقًا سحبه منه بعدما حققت واشنطن ما تريده. وبانتظار ما ستحمله الايام المقبلة من مستجدات، يتساءل سكان غزة عن امكانية ابرام اتفاق مشابه لما حصل مع طهران يوقف حمام الدم السائل في البلاد خاصة أن الولايات المتحدة، بما تملكه من نفوذ، قادرة على ثني نتنياهو عن مخططاته وايقاف الحرب وابرام صفقة تعيد الأسرى الاسرائيليين لدى حركة "حماس". وكانت مفاوضات الوساطة جمدت نتيجة الحرب الايرانية - الاسرائيلية في وقت تبرز معلومات عن مساعي حثيثة تبذلها مصر وقطر من أجل اعادة احياء المباحثات خصوصًا مع تردي الوضع الانساني ووصوله الى مستويات قياسية.

ويفاقم الحصار ومنع ادخال المساعدات معاناة اهالي القطاع الذين يجازفون للحصول على المعونات الغذائية من خلال "مؤسسة غزة الانسانية" رغم سقوط ضحايا وجرحى يوميًا بالقرب من مراكز التوزيع باستهدافات مباشرة من قبل الجيش الاسرائيلي الذي ينفذ مجازر وإعدامات يومية. من جهتها، دقت الامم المتحدة ناقوس الخطر مؤكدة أن "الوقت ينفد بينما نواجه نقصًا كبيرًا في المواد الأساسية للحياة في قطاع غزة". أما المفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني فوصف نظام توزيع المساعدات الحالي بالـ"مشين والمهين والمذل". ورغم كل الانتقادات الدولية والقتل المجاني اليومي، أظهرت وثيقة اطلعت عليها "رويترز" بأن الولايات المتحدة ستقدم 30 مليون دولار لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المثيرة للجدل.

في سياق منفصل، شيّعت سوريا ضحايا الحادث الارهابي الذي وقع في كنيسة مار الياس في قلب العاصمة دمشق وسط دعوات للمحاسبة الجادة وارساء الأمن والاستقرار وحماية الأقليات. وتزداد الانتقادات للرئيس أحمد الشرع وحكومته بعدم اتخاذ خطوات حاسمة وفعّالة في وقت تم الاعلان عن توقيف عدد من المشتبه بضلوعهم في الهجوم الانتحاري وسوقهم للعدالة. الى ذلك، أعلنت السلطات السورية اعتقال اللواء موفق نظير حيدر، الذي كان قائد "الفرقة الثالثة مدرعات" في قوات النظام السابق، والمسؤول المباشر عن "حاجز القطيفة"، على الطريق الدولي دمشق - حمص. وتبدو معضلة الأمن أبرز التحديات أمام الادارة السورية الجديدة التي تحاول بسط سيطرتها وارساء مظلة أمان بعد سنوات طويلة من الحرب التي دمرت البلاد وخلّفت وراءها عدد كبير من النازحين واللاجئين.

لبنانيًا، أعلن الجيش عن توقيف قائد تنظيم "داعش" في لبنان، بعد سلسلة عمليات رصد ومتابعة أمنية. في وقت تسعى الحكومة الى استعادة زمام الامور وتحسين الأوضاع خاصة أن الاعتداءات الاسرائيلية اليومية تحول دون القدرة على استكمال عملية اعادة الاعمار المجمدة رغم كل المحاولات الرسمية لإحيائها. وفي هذا الاطار، لفتت زيارة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام الى العاصمة القطرية، الدوحة، حيث أجرى سلسلة لقاءات تناولت القضايا المشتركة. وفي مؤتمر صحفي عقب المباحثات، قال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إنه بحث مع رئيس وزراء لبنان التعاون في إعادة الإعمار والطاقة ودعم الأشقاء، إضافة إلى تطورات الإقليم. فيما أشاد سلام بدعم دولة قطر المستمر للبنان، أشار الى أن "الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، وأنه يسعى لحشد الدعم للضغط عليه بدءًا من الأشقاء العرب إلى مجلس الأمن والولايات المتحدة".

هذه التطورات والمستجدات المتسارعة على أكثر من صعيد وجهة كانت محط اهتمام الصحف العربية الصادرة اليوم، وقد رصدنا اهم العناوين والمقالات:

أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "البرنامج النووي الإيراني الذي لا شك أصيب بأضرار كبيرة لم ينته، كما أن مشروعها الصاروخي الباليستي لا يزال فعّالًا، والنظام السياسي لم يُصب بالضعف والوهن، ما يضع أي مفاوضات أمام تحديات جديدة"، معتبرة أنه لا بدّ من "تقديم تنازلات متبادلة للتوصل إلى حلول مقبولة للطرفين، وهنا لا بدّ من دور للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتثبيت وقف إطلاق النار أولًا، والمساعدة على تحقيق اتفاق يحول دون تجدد الحرب".

صحيفة "الجريدة" الكويتية، بدورها، لفتت الى أن "العالم والمنطقة أمام تحوُّل تاريخي بمسمى السلام الذي يحمل شعاره الرئيس ترامب، وهي مرحلة ربما تمثّل حالة استراحة محارب - للمنظومة الإقليمية والعالمية معًا - لإعادة التوازن للعالم نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، بدلاً من عالم أحادي القطب". وقالت "وبهذا التحول، سيكون هناك مسار حاد ومُلحّ للتحول إلى السلام الشامل مع الكيان الصهيوني بملف التطبيع مع الدول العربية، وصار واضحاً أنه لن يتم هذا المسار في الوقت الراهن، ولا وفقاً للمخطط له سابقاً، سواء بمسمى الشرق الأوسط الجديد أو أي مسمى آخر".

ورأت صحيفة "عكاظ" السعودية "أن المنطقة تملك الآن فرصة لتحقيق السلام بعد أن تراجع المدّ الشعبوي للشعارات الوهمية، وتضاءل نفوذ وتأثير الأدوات المحرّكة لها"، مشددة على أن العقبة "لم تكن يومًا في الأنظمة والتنظيمات الراديكالية وشعاراتها الجوفاء وحدها، بل إن إسرائيل بحاجة إلى إدراك أن السلام لن يتحقق دون الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وقيام دولة فلسطينية يعيش فيها الفلسطينيون بأمن وسلام وكرامة".

بحسب صحيفة "اللواء" اللبنانية، فإن "الكل خرج من الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية ــ الأميركية رابحًا، إيران ربحت بقاء النظام، وإسرائيل ربحت الرهان على ضرب وتعطيل المشروع النووي الإيراني أما الرئيس الأميركي ترامب أتقن لعب دور المايسترو"، مؤكدة أنه "وحده الكيان الصهيوني قد يشكل العقبة الكأداء في إنتقال الشرق الأوسط من خنادق القتال والتوتر إلى آفاق السلام والإستقرار، لأن نتنياهو وتحالفه مع الأحزاب الدينية المتطرفة، مستمرون في رفض مشروع "حل الدولتين" وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين.

أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فمن وجهة نظرها، فإن الحرب على ايران "أنقذت، مؤقتًا، كلاً من ترامب ونتنياهو من المشاكل الداخلية المحتدمة التي كانت تتصاعد ضد كل منهما داخل بلاده!"، موضحة أنه "لا يمكن لأيٍ منهما، أي ترامب ونتنياهو، أن يطمئن إلى أن تطورات الحرب في إيران لن تنقلب عليه، وربما بنتائج أسوأ مما كانت عليه أوضاعه قبل الحرب"، بحسب تقديرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن