تنشط ايران واسرائيل نحو تقييم الخسائر والاضرار الجسيمة التي خلفتها حرب الـ12 يومًا، وسط توقعات بأن الاتفاق "الهّش" بين البلدين قابل الى الخرق في أي وقت لغياب الأطر الواضحة واستمرار التضارب الحاد في وجهات النظر بين الجانبين. بينما يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرابح الأكبر، حريصٌ على انجاح هذه الفرصة باعتبارها مدخلًا من أجل ابرام صفقة مع طهران تؤدي الى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي.
ومن هنا تتجه الانظار الى الجولة الجديدة من المباحثات الايرانية - الأميركية وامكانية حصول خرق ما، رغم أن ذلك لا يبدو بالأمر اليسير، فالنظام الايراني لن يقدم "ورقة على بياض" بل سيسعى الى تحسين شروطه خاصة انه اثبت في هذه الحرب قدرة عالية على توجيه الضربات العسكرية واحداث اضرارًا جسيمة بالبنية التحتية الاسرائيلية واعتمد على سياسة "النفس الطويل"، فلم يستسلم بسهولة بل قرر المواجهة حتى نجاح الوساطات ولاسيما القطرية منها بوقف اطلاق النار، في خطوة أعادت نوعًا من الهدوء الى المنطقة "المتفجرة" والتي تعيش على فوهة بركان.
وفي هذا السياق، لا يزال موضوع تدمير برنامج ايران النووي من عدمه يأخذ حيزًا من الجدل، خاصة أن ترامب يصرّ على أن الضربات التي نفذتها بلاده أدت الى تدميره بالكامل وتحقيق الاهداف الموضوعة بنجاح موجهًا انتقادات لاذعة ضد من يسميهم بـ "مروجي التقارير"، الذين يتحدثون عن أن الضربات على المنشآت الثلاثة، في اشارة الى نطنز وفوردو وأصفهان، أدت الى أضرار محدودة قد لا تتجاوز عدة أشهر. وكان تقرير استخباراتي نقلته وسائل اعلامية دحض كل ما يُقال مؤكدًا أن الضربات أغلقت مداخل بعض المنشآت من دون تدمير المباني المقامة تحت الأرض، وبالتالي أعادت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط إلى الوراء ولم تُدمّره.
تزامنًا، أوحى الرئيس الاميركي في تصريحاته الى امكانية "تخفيف" العقوبات القصوى الممارسة على ايران، والتي تتضمن قيودًا على مبيعاتها من النفط، عازيًا ذلك الى "مساعدتها على إعادة البناء". ويعاني الايرانيون من ظروف اقتصادية ومعيشية ضاغطة، وذلك حتى قبل تحمل تبعات الحرب الاخيرة والخسائر الهائلة التي تركتها وراءها، ما يعني زيادة الضغوطات على المواطن العادي وقدراته الشرائية. ووسط كل هذه المعطيات يبدو مثيرًا للجدل حجم الخرق المخابراتي الذي تعاني منه طهران، والتي تعلن يوميًا توقيف خلايا وأفراد يعملون لصالح "الموساد"، حيث كشف رئيس الأركان الاسرائيلي إيال زامير أن قوات إسرائيلية خاصة نفذت عمليات ميدانية سرية داخل الأراضي الإيرانية خلال الحرب الأخيرة.
وسيستدعي هذا الخرق الخطير قيام طهران بخطوات جدية من أجل اعادة ضبط الأمور واستعادة السيطرة بعدما خسرت في هذه الحرب كبار شخصياتها العسكرية كما العلماء النوويين. الى ذلك، فتحت ايران معركة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث صادق البرلمان الايراني، أمس الأربعاء، على مشروع قانون لتعليق التعاون، بما يعني منع دخول المفتشين الرسميين، فيما أعربت موسكو عن قلقها ازاء هذه الخطوة التي اعتبرتها بمثابة "ردة فعل طبيعية" على الهجوم الأميركي "غير المبرر وغير المسبوق" على المنشآت النووية الإيرانية. وكان المدير العام للوكالة رافائيل غروسي أكد أن الجهود الدبلوماسية مع إيران لا تزال مستمرة، مشددًا على أن "السماح بعودة المفتشين يمثل أولوية قصوى في هذه المرحلة، وذلك لتقييم تأثير الضربات العسكرية على برنامج إيران النووي".
وإزاء هذه المعطيات، تعود حرب غزّة الى الواجهة وسط معلومات مؤكدة عن وساطات وضغوط كثيفة تمارس من أجل التوصل الى وقف لاطلاق النار وذلك غداة اعلان الرئيس ترامب عن "تقدم كبير" في هذا الشأن. ولطالما عرقل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أي فرصة للتوصل الى اتفاق رغم الضغوط الداخلية الممارسة عليه من قبل عائلات الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس" في غزة كما من قبل الشارع العام الذي يرفض التورط أكثر في هذه الحرب لاسيما أن الفصائل الفلسطينية رفعت مؤخرًا من حجم عملياتها الميدانية موقعة عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوق الجيش. وكان أمس شهد على مقتل سبعة من العسكريين الاسرائيليين الذين ينتمون إلى كتيبة الهندسة القتالية 605 المسؤولة خصوصًا عن تدمير الأنفاق والبنى التحتية العسكرية وذلك عبر كمين مُحكم نفذته "كتائب القسام" في خان يونس.
انسانيًا، ارتفعت في الآونة الأخيرة المجازر الإسرائيلية بحق المجوعين في أثناء اقترابهم من نقاط أقامتها "مؤسسة غزة الإنسانية" التي بدأت الإشراف على توزيع الغذاء في شهر أيار/مايو الماضي بموجب خطة أميركية - إسرائيلية "مشبوهة" وذلك بعد حصار تام دام 3 أشهر. وتتعمد تل أبيب تجاهل كل النداءات الدولية والأممية الداعية لفتح المعابر وسهولة تدفق المساعدات بل وتصرّ على ارتكاب مجازر جماعية وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين الذين يجدون نفسهم يوميًا في صراع من أجل البقاء. أما في الضفة الغربية المحتلة، فالوضع يزداد سوءًا مع تعمد الاحتلال تدمير المنازل والأبنية وشنّ حملات اعتقال ومداهمات واسعة في جنين ونابلس وطولكرم في وقت لا يوفر المستوطنون أي فرصة لمضايقة الفلسطينيين والتعدي على ممتلكاتهم وأرزاقهم. وكانت وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت استشهاد 3 أشخاص وإصابة 10 آخرين، أحدهم بحالة خطرة، خلال هجوم مستوطنين على بلدة كفر مالك شمال شرقي رام الله.
في سياق مختلف، أعلن البنك الدولي عن تمويل بقيمة 250 مليون دولار لدعم جهود لبنان في ترميم وإعادة إعمار البنى التحتية المتضررة جراء الحرب الاسرائيلية الأخيرة، بالتزامن مع إقراره منحة بقيمة 146 مليون دولار لتحسين إمدادات الكهرباء في سوريا المجاورة. وتشكل إعادة الإعمار أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية التي تدأب لايجاد حلول والتواصل مع الدول، لاسيما الخليجية منها، للحصول على المساعدات المطلوبة. ولكن حتى اللحظة تبدو الأمور "مُجمدة" حتى معالجة لبنان لمسألة سلاح "حزب الله"، وأي سلاح متفلت آخر، خارج نطاق الشرعية. في وقت تستغل اسرائيل غياب المساءلة الجدية وتستكمل اعتداءاتها اليومية، حيث أعلنت عن قتل "أحد المسؤولين عن تحويل الأموال لأنشطة "حزب الله" في لبنان"، في إشارة إلى الاستهداف الذي حصل وأدى إلى مقتل المواطن هيثم بكري واثنين من أبنائه في غارة استهدفت سيارته في كفردجال.
دوليًا، تعهد أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة إنفاقهم الدفاعي السنوي إلى ما مجموعه 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. كما تعهدوا، في البيان الختامي لقمتهم التي عقدت في لاهاي، بتوسيع التعاون في الصناعات الدفاعية بين ضفتي الأطلسي، مشددين على دعم طويل الأمد لأوكرانيا وإدراج المساعدات العسكرية لها ضمن الإنفاق الدفاعي لاعتبارهم روسيا تمثل "تهديدًا طويل الأمد" لأمن أوروبا والأطلسي. ويسعى الأوروبيون من خلال هذه الزيادة التي حددها الرئيس ترامب، في وقت سابق، لإقناعه بالحفاظ على التوازنات القائمة وتجنب أي تخلٍّ أميركي مفاجئ وغير محسوب عن الدفاع عن أمن القارة الأوروبية.
وتتماشى عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم مع الوقائع والتطورات وخاصة ما يتعلق بما أفرزته الحرب الايرانية - الاسرائيلية الاخيرة. وفي الجولة الصباحية رصد لأهم ما ورد:
اعتبرت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "هناك شياطين كثيرة تكمن في التفاصيل القادمة. فالدراما السريعة التي أُستخدمت لأجل إعلان إيقاف الحرب (بين اسرائيل وايران) يصعب تطبيقها لضمان تثبيت واستمرار الحالة؛ لأنها ستكون هشة دون شروط وضمانات ملزمة مكتوبة". وقالت "وقف إطلاق النار لا يعني سلامًا مستدامًا دون الاتفاق على كل التفاصيل المتعلقة بالخلاف …وعندما يجزم الرئيس ترامب أن إيران لن تعيد بناء قدراتها النووية أبداً فإنه جزمٌ مبكر وغير دقيق؛ لأن العودة إلى المفاوضات لم تتقرر بعد، ولا كيف ستكون".
من جهتها، قيّمت صحيفة "الغد" الأردنية تداعيات الحرب الايرانية - الاسرائيلية التي "لم يحقق الكيان فيها هدف انهيار إيران، ولم تتمكن إيران من ردع الكيان عن استهدافها مستقبلاً"، مشددة على أن "ما خرج به كل طرف من هذه الحرب يتصل أكثر بضمانات البقاء التاريخي: الكيان أكّد قدرته العسكرية، لكنه لم يطمئن إلى تأمين مصيره. وإيران صمدت أمام تحالف هائل غربي- أميركي- وإقليمي ببعض المعاني، وقف كله خلف الكيان المتفوق مسبقًا، وأكدت صعوبة تجاوزها أو عزلها كفاعل إقليمي وموجود تاريخي أصيل في جيوسياسة المنطقة".
أما صحيفة "الصباح" العراقية، فكتبت "تبدو إيران اليوم وكأنها تقف في مواجهة إسرائيل مدعومة، نظريًا، بتحالفات متينة مع كل من روسيا والصين. لكنها، واقعيًا، تقاتل وحدها في الميدان، فيما يراقب الحلفاء من مسافات مدروسة". وأردفت "المشكلة ليست في وجود هذه التحالفات، بل في فهم طبيعتها وحدودها. فالعلاقات الإيرانية مع موسكو وبكين ليست تحالفات أمن جماعي كما في حلف الناتو، بل هي علاقات شراكة استراتيجية مرنة، تخضع لحسابات المصالح لا للعقائد، وللتوقيتات لا للنيات"، بحسب وصفها.
هذا ودعت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى التنبه من "الخطر الكبير المتمثل في انفراد الصهاينة بالمنطقة، بدعم من أميركا، وحتماً سيبدأون - أو بدأوا فعلاً - بتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم وبناء المستوطنات وقتل كل مَن يعترض أو يقف ضد توسّعهم، وتهويد القدس بشقيها إلى الأبد، ونشر "الإبراهيمية" وإجبار الدول العربية على التطبيع"، متسائلة "ماذا ستفعل الدول العربية والإسلامية في هذا الواقع الجديد"؟
الموضوع عينه تطرقت له صحيفة "الأهرام" المصرية، التي شددت على أن "التضامن (العربي) حتمي لا مهرب منها، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها التطورات الدولية الأخيرة"، مشيرة الى أن "الهشاشة التي أصابت الأمن القومي العربي تبدو في غاية الوضوح لكل متابع مدقق لسلسلة النار المشتعلة في دول عربية عديدة كانت حتى سنوات قليلة مضت تتمتع بالأمن والاستقرار، كسوريا وليبيا والسودان وغزة، لذا فهناك العديد من الوسائل والإجراءات التي يجب البدء فيها على الفور، وعلى رأسها المستوى السياسي"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")