ترامب وبوتين.. هل انتهى الود؟

ما معنى تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بضرورة التوصل لتسوية مع أوكرانيا في مهلة تنتهي في التاسع من الشهر الجاري، وماذا تعني صفقات الأسلحة الأمريكية النوعية الأخيرة إلى أوكرانيا، بعد طول تمنع وتوقف، هل يعني ذلك أن العلاقات بين الرئيسين ترامب وبوتين قد تعكرت؟ أم أن ذلك مجرد ضغوط أمريكية لسحب روسيا إلى مائدة وقف إطلاق النار، تمهيداً لاتفاق نهائي بين موسكو وكييف، تجعل ترامب يقول إنه أنجز وحل أهم مشكلة عالمية، ما يؤهله للمطالبة بجائزة نوبل للسلام؟ هل يعني ما سبق نهاية حبال الود الطويلة بين ترامب وبوتين؟

من يتابع صفقات السلاح الأمريكية إلى أوكرانيا سيكتشف أنها كانت لا تتوقف، خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن. وحينما جاء ترامب فإنه لم يكتفِ بتجميد العديد من الصفقات المتفق عليها، بل إنه طالب أوكرانيا بسداد ثمن كل الصفقات طوال السنوات الماضية، والتي كان الأوكرانيون يعتقدون أنها منحة ومساعدات مجانية. حاول الأوكرانيون المماطلة، لكن ترامب حشر الرئيس الأوكراني في زاوية صعبة خلال لقائهما الشهير في نهاية فبراير الماضي، وطالبه علناً بتسديد ثمن كل الأسلحة التي حصل عليها، وقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار، أو إعطاء أمريكا بدلاً منها المعادن النادرة، وهو ما تم بالفعل لاحقاً.

ترامب كان يضغط على زيلينسكي حتى قبل عودته للبيت الأبيض في 20 يناير الماضي، وفى نفس الوقت كان يتحدث بود مع بوتين، باعتباره رجلاً قوياً يملك العديد من الأوراق. وطوال الشهور الثلاثة التالية كان ترامب يرفض تزويد أوكرانيا بالأسلحة بحجج مختلفة، منها أن المخزون الأمريكي منها غير كافٍ، أو أن إسرائيل في حاجة ماسة إليها أكثر من أوكرانيا. التطور الأهم هو أن دول حلف شمال الأطلنطي الناتو، ومعظمها في أوروبا، قد أقنعت ترامب باستئناف تقديم الأسلحة إلى أوكرانيا، على أن تقوم هذه البلدان بسداد ثمنها مباشرة لواشنطن، وهو ما تم تأكيده وتصديقه في قمة الناتو الأخيرة في لاهاي الهولندية أواخر يونيو الماضي.

بناء على هذا التطور فقد أعلنت واشنطن الأسبوع الماضي موافقتها على بيع أسلحة لأوكرانيا بقيمة 322 مليون دولار، تتضمن بيع معدات لأنظمة هوك الدفاعية الجوية وصيانتها بقيمة 172 مليون دولار، وبيع مركبات قتالية مدرعة من طراز برادلي وصيانتها بقيمة 150 مليون دولار، والهدف هو تحسين قدرة أوكرانيا على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، خصوصاً في الدفاع الجوى، في ظل الهجمات الصاروخية الروسية العنيفة الأخيرة ضد أوكرانيا. قبل هذه الصفقة كانت واشنطن أيضاً قد وافقت على صفقة مماثلة قبل أسابيع بقيمة 311 مليون دولار، لتوفير التدريب وقطع الغيار لمقاتلات إف 16 الأمريكية.

في الرابع من يوليو، وخلال مكالمة هاتفية سأل ترامب زيلينسكي: هل أنت قادر على ضرب العمق الروسي في موسكو وسانت بطرسبورج؟ ثم عاد وقال له، لا تفعل ذلك! والمعروف أن الولايات المتحدة زودت في عهد بايدن أوكرانيا بصواريخ تاكمز الأمريكية متوسطة وطويلة المدى، ولكن لا يعرف هل لا يزال في حوزة كييف هذه الصواريخ، أم لا، وهل ستوافق أمريكا على إعادة تزويدها بها؟ والتطور المهم هو أن بعض الدول الأوروبية تتفاوض مع الولايات المتحدة لشراء أنظمة باتريوت للدفاع الجوى لصالح أوكرانيا، للحد من الهجمات الجوية الروسية.

وتعهدت برلين بالفعل بتمول تسليم أوكرانيا نظامين من 5 أنظمة باتريوت، وتريد التزاماً أمريكياً ببيع هذه الأنظمة إلى الدول الأوروبية، التي تسلح أوكرانيا حتى تضمن أن جيوشها جاهزة في حال تعرضها لأي اعتداء، فألمانيا أرسلت 3 بطاريات باتريوت لأوكرانيا، ويتبقى لديها 9 بطاريات، وبالتالي تريد تعويضها بسرعة.

ومن الأسلحة نعود إلى السياسة لفهم التغيرات في موقف الرئيس الأمريكي، الذي وجه تهديداً وإنذاراً واضحاً إلى روسيا في 15 يوليو، بفرض عقوبات ضخمة ورسوم جمركية قد تصل إلى 100%، إذا لم تتوصل روسيا إلى تسوية مع أوكرانيا خلال شهرين، ثم خفض المهلة إلى 10 أيام فقط، واللافت أن هذا التهديد جاء خلال لقاء ترامب مع مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، بل إن ترامب هدد بفرض رسوم جمركية مرتفعة على شركاء روسيا التجاريين، واللافت أيضاً أنه عقب هذا التصريح فإن الرئيس الصيني، شى جين ينج، دعا إلى تعزيز العلاقات والتعاون مع روسيا، والمعروف أن الاتحاد الأوروبي فشل في التوصل مؤخراً إلى اتفاق بشأن حزمة العقوبات الـ18 ضد روسيا، بسبب اعتراض سلوفاكيا، وقد يناقش الاتحاد في اجتماعه هذا الشهر الأصول الروسية المجمدة لتمويل الإمدادات العسكرية لأوكرانيا.

نعود مرة أخرى إلى ترامب، وأغلب الظن أن مواقفه المتناقضة بشأن روسيا وأوكرانيا، صار يمكن فهمها في ضوء طبيعته المتقلبة، التي تجلت في العديد من القضايا المحلية والدولية. هو لا يريد أن تتحمل بلاده أي نفقات في أي محفل أو منظمة أو صراع، أو تشارك ولكن أن يتحمل الآخرون الثمن. هو أيضاً يعتقد أنه يمكن حل القضايا المعقدة بالتصريحات، ويتجاهل أن هناك واقعاً معقداً في القضايا الدولية. هو يعتقد أن العقوبات والتهديدات يمكن أن تقنع روسيا بالتفاوض أولاً، والوصول إلى تسوية ثانياً، لكنه يتجاهل أن هذا المنهج لم يقنع روسيا أو يغير موقفها منذ فبراير 2022.

الخلاصة أن الوضع في أوكرانيا وبين ترامب وبوتين مفتوح على كل الاحتمالات، وأن الود الظاهر بينهما يمكن أن ينقلب إلى صراع شامل، وربما تتغير كل هذه المعطيات إذا التقي ترامب وبوتين بالفعل في بكين مطلع سبتمبر المقبل، للمشاركة في احتفالات الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد تأكد حضور بوتين بالفعل.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن