صحافة

المؤتمر الدولي لحل الدولتين: هل من أمل؟

مروان المعشر

المشاركة
المؤتمر الدولي لحل الدولتين: هل من أمل؟

بذلت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع فرنسا، جهودا كبيرة في الفترة الماضية هدفها ليس وقف الحرب على غزة فقط، وإنما تحريك عملية السلام الراكدة ودفعها باتجاه الوصول إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي، ويؤمن الوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية مبني على حل الدولتين الذي كثر الحديث عنه، فيما تقوم إسرائيل بكل ما في وسعها لوأد هذا الحل ومنع إقامة الدولة الفلسطينية.

لقد أعربت مرارا عن قناعتي الشخصية، أن حل الدولتين لم يعد ممكنا، ولا حتى مرغوبا فيه لدى الجيل الفلسطيني الجديد. لم تتغير هذه القناعة بمرور الزمن، خاصة مع وجود رأي عام دولي يؤيد هذا الحل لفظيا، من دون أن يقرنه بخطة عملية لتنفيذه، للوقوف أمام الغطرسة الإسرائيلية، وحتى تتبلور مثل هذه الخطة الجادة والعملية، من الاستحالة الوصول إلى استنتاجات مختلفة، لكن هذا لا يقلل من أهمية الجهد السعودي الفرنسي لأسباب عدة.

إن أي جهد سياسي يحاول إنهاء الاحتلال الإسرائيلي يجب أن يقدر ويحترم. لذا، أشاء اليوم أن لا أركز على فرص تحقيق حل الدولتين، بل على مساهمة هذا الجهد في تسليط الضوء على ضرورة معالجة أسباب الصراع العربي الإسرائيلي من أساسها، وعلى تعرية الموقف الإسرائيلي، الذي يدعي عدم وجود نية للسلام لدى الجانب الفلسطيني، والأهم مساهمته الكبيرة في بدء تغيير جدي لدى مواقف العديد من الدول الغربية تجاه إسرائيل، التي بدأت باللحاق بمواقف شعوبها المتزايد ضد الانتهاكات الإسرائيلية وضد الاحتلال.

إن قراءة متأنية للبيان الختامي للمؤتمر الدولي لحل الدولتين الذي عقد في 28 و29 من شهر يوليو الفائت، تظهر عدة أمور يجب عدم تجاهلها. شدد البيان على نية الدول التي شاركت في ترؤس المؤتمر (19 دولة بما فيها الأردن تقودها السعودية وفرنسا وحضره أكثر من 130 دولة عضوا في الأمم المتحدة) على اتخاذ جهد جماعي لوقف الحرب على غزة، وعدم إعاقة جهود الإغاثة الدولية، وأيضا لتحقيق حل نهائي للصراع خلال فترة زمنية قصيرة. كما دعم المؤتمر الخطة العربية لإعادة إعمار غزة، وجهود الأونروا، ودعا إلى قوة دولية مؤقتة برعاية الأمم المتحدة لتحقيق السلام والاستقرار في القطاع، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، مشددا على ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع.

دعا البيان أيضا إلى انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية خلال عام واحد، بما في ذلك القدس المحتلة، لتحديد التمثيل الفلسطيني، المستند إلى موقف منظمة التحرير الفلسطينية وقرارات الأمم المتحدة ودعم سلطة واحدة وحكومة واحدة في غزة والضفة الغربية. أيضا أكد البيان أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية شرط أساسي لتحقيق حل الدولتين، كما نادى بانضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة. بطبيعة الحال، فإن مثل هذا الانضمام سيزود الدولة الفلسطينية بأسلحة سياسية وقانونية، ليست لديها الآن، لمواجهة الرفض الإسرائيلي لإنهاء الاحتلال.

وفي إشارة مهمة للغاية في ما يتعلق "بالتكامل الإقليمي"، أكد البيان أن ذلك يمكن تحقيقه فقط من خلال "وقف الحرب على غزة، إطلاق سراح الرهائن كافة، إنهاء الاحتلال، رفض العنف والإرهاب، تحقيق قيام دولة فلسطينية ديمقراطية ذات سيادة، انهاء احتلال الأراضي العربية كافة من قبل إسرائيل، وتوفير الضمانات الأمنية لإسرائيل وفلسطين"...هذه الفقرة التي أضيفت دون شك من السعودية، تشير إلى الموقف السعودي الواضح، أن لا اتفاقية سلام مع إسرائيل، دون الوصول لدولة فلسطينية، وتدحض بذلك كل المزاعم الأمريكية والاسرائيلية عكس ذلك. دعا البيان أيضا إلى ضرورة بلورة نظام أمني إقليمي، يقود لضمانات إقليمية للجميع، وذلك على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبية OSCE ومثيلتها الآسيوية ASEAN.

بطبيعة الحال، يحتاج هذا الجهد لإتباعه بخطوات جادة وعملية مستدامة لتعظيم إمكانية تحقيقه إلى واقع قبل أن يقتنع به الكثيرون. لكن محاولته كسر الجليد، وتأكيده على الشرعية الدولية، وتعريته للموقف الإسرائيلي المدعي، أن الجانب الفلسطيني لا يريد السلام، يستحق أن يدعم دون رفع سقف التوقعات، ودون التهوين منه أيضا. المهم أنه منذ انعقاد هذا المؤتمر، أعلنت فرنسا وكندا وبريطانيا ومالطا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في شهر سبتمبر المقبل، وحتى الموقف الألماني الداعم تاريخيا لإسرائيل بدأ بالتغير.

من وجهة نظري، وبغض النظر في ما إذا سيتحقق حل الدولتين من عدمه، فإننا اليوم نشهد مدا متصاعدا دوليا، شعبيا ورسميا، لم يعد يصدق الرواية الإسرائيلية، بل بات مقتنعا بأن ما تقوم به إسرائيل هو تطهير عرقي وجرائم حرب. لذا، من الأهمية الإبقاء على هذا الضغط المتزايد ضد إسرائيل، واستغلاله لمصلحة الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن شكل الحل.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن