يسعى الرئيس الأمريكي ترامب بكل السبل إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لتحقيق هدفين رئيسين الأول: اقتصادي كرجل أعمال وهو تقليل النفقات العسكرية والاقتصادية الأمريكية في تلك الحرب، والتي من وجهة نظره أنها استنزفت أمريكا في عهد بايدن بما يتجاوز 350 مليار دولار، بل ويسعى إلى استعادة تلك الأموال عبر اتفاق المعادن والاستئثار بعملية إعادة إعمار أوكرانيا، والثاني شخصي، يتعلق بمحاولات ترامب الظهور عالميا بأنه رجل سلام، وأنه أسهم في وقف خمس حروب، وبالتالي نجاحه في إنهاء حرب أوكرانيا سيعزز صورته عالميا، ويدعم فرصه في الحصول على جائزة نوبل للسلام.
لكن حتى الآن لم ينجح ترامب في إحداث اختراق حقيقي في تلك الأزمة، وهذا يرجع بشكل أساسي إلى أولا: غياب رؤية واضحة ومتماسكة لترامب تجاه حل الأزمة، حيث يعتمد بشكل اساسي على قناعاته المتغيرة والمتقلبة بل والمتناقضة في كثير من الأحيان، كما يعتمد بالأساس على مبعوثه ويتكوف الذي زار روسيا مؤخرا، لكن ويتكوف، الذي كلفه ترامب أيضا بملفات مفاوضات البرنامج النووي الإيراني وحرب غزة، لم ينجح حتى الآن في أي منها، كما يلاحظ تهميش ترامب لوزير الخارجية ماركو روبيو أو المؤسسات الأمريكية في إدارة تلك الملفات.
ثانيا: اعتماد ترامب على إستراتيجية العصا والجزرة في التعامل مع روسيا، لدفعها نحو الحل السياسي وهو ما أفقد ثقة روسيا في سياساته، فقد هدد ترامب روسيا ومنحها مهلة عشرة أيام لوقف الحرب وإلا سيفرض عقوبات شاملة عليها، وعلى شركائها التجاريين الذين يستوردون النفط الروسي، خاصة الصين والهند، وإعطاء الضوء الأخضر للكونجرس لإصدار التشريع الخاص بمعاقبة روسيا، كما أرسل ترامب غواصتين نوويتين لأماكن قريبة من روسيا ردا على ما اعتبره ترامب تهديد الرئيس الروسي السابق ميدفيديف بتحذير أمريكا من اليد المميتة لروسيا ويقصد بها منظومتها النووية، لكن في المقابل يلجأ ترامب إلى سياسة الجزرة، عبر إرسال مبعوثه ويتكوف لروسيا لدفع المسار التفاوضي، ويسعى لعقد قمة مع الرئيس بوتين في محاولة لإحداث اختراق جذري.
القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين في ألاسكا، كان من المفترض أن تعقد منذ شهور، لكن تطورات الأوضاع على الأرض أدت إلى تأجيلها، خاصة مع تزايد الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا وخطاب النقد الشديد لترامب تجاه بوتين. ولاشك أن انعقاد القمة يعكس حرص الرئيسين ترامب على ضرورة حل الأزمة، ويمثل تطورا إيجابيا، ويعكس جدية روسيا في الانفتاح على الحوار لإنهاء الحرب، لكن يظل السؤال، هل تنجح جهود ترامب بالفعل ولقاؤه مع الرئيس بوتين في كسر حالة الجمود السائدة منذ سنوات؟.
الواقع أن قمة ترامب وبوتين، قد تسهم بالفعل في إحداث نوع من الحلحلة في الأزمة، وقد تفضي إلى اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار، أو هدنة جزئية تتعلق بعدم استهداف المنشآت الحيوية، خاصة منشآت الطاقة، لكن حل الأزمة بشكل شامل عملية معقدة لا يمكن للقمة لوحدها أن تفك طلاسمها، وذلك لأنها مرتبطة بمضمون التسوية للأزمة. فروسيا لديها شروط واضحة لإنهاء الحرب، وهي الاعتراف بسيطرتها على المناطق الأربع في شرق أوكرانيا، وهي جمهوريتا لوجانسك ودونيتسك ومقاطعتا زابوريجيا وخيرسون، إضافة لشبه جزيرة القرم، باعتبارها أراضي روسية، وكذلك عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وحيادها وتخفيض جيشها وعدم نشر الناتو لأسلحته الإستراتيجية في شرق أوروبا بالقرب من الحدود الروسية، وأكدت موسكو موقفها، وأنها لن تتنازل عن تلك الشروط، التي هي في المقابل غير مقبولة من أوكرانيا ومن الدول الأوروبية حيث يطالبون بانسحاب روسي كامل من تلك المناطق، إضافة إلى مطالبات أوكرانيا روسيا بدفع تعويضات عن الحرب ومحاكمة المسؤولين الروسيين وهي بالطبع مرفوضة بالنسبة لروسيا.
وبالتالي في ظل تناقض المواقف والرؤى الكبير بين روسيا، وكل من أوكرانيا وأوروبا، يسعى ترامب إلى إيجاد طريق ثالث لوقف الحرب عبر مقاربته الواقعية التي تتضمن أن يرتكز الحل على الوضع الميداني، وأن تتخلى أوكرانيا عن بعض أراضيها مقابل التسوية الشاملة والضمانات الأمريكية لأوكرانيا، لكن الإشكالية أن ترامب يتراجع مرة أخرى إلى الوراء أمام ضغوط الدول الأوروبية وضعوط الدولة العميقة الأمريكية، خاصة المجمع الصناعي العسكري ولوبي الطاقة، المستفيدين الأول من استمرار الحرب، ثم يلجأ ترامب إلى التصعيد تجاه روسيا واستخدام سلاحه المفضل وهو العقوبات الاقتصادية، لكن تأثير العقوبات يظل محدودا في تغيير موقف روسيا أو دفعها للتسوية، فقد تعرضت لأكبر موجة من العقوبات الغربية خلال السنوات الماضية، ولم تؤثر بشكل كبير على اقتصادها، كما ان الصين والهند لن تتجاوب مع العقوبات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق باستيراد النفط الروسي، الذي تستورده البلدان بأسعار رخيصة. كما يعتبران العقوبات الأمريكية والغربية غير قانونية، لأنها لم تصدر عن الأمم المتحدة، وبالتالي غير ملتزمين بها.
قمة بوتين وترامب تعد خطوة مهمة في طريق إنهاء الحرب، لأن التسوية الشاملة هي بالأساس بيد موسكو وواشنطن، لكن هذا يتطلب تغير المواقف الأمريكية والأوروبية بشكل ملموس، خاصة فيما يتعلق بالإصرار على ضم أوكرانيا للناتو، أو توسع الحلف شرقا وتهديد روسيا، وبدون ذلك ستظل جهود ترامب في حل الأزمة كمن يطلق النار في الهواء، وهو ما تجسد في فشل جهوده على مدى الشهور الستة الماضية في إنهاء الحرب.
(الأهرام المصرية)