ما لم تحدث معجزة، فإن إسرائيل ماضية بخطى ثابتة لتدمير ما تبقى من قطاع غزة. وهي غير منشغلة بالمرة بمصير الرهائن، منذ اليوم الأول لأسرهم في 7 أكتوبر قبل الماضي، لكنها استخدمت ورقتهم بمهارة فائقة في تدمير القطاع، وحتى لو قامت "حماس" وبقية حركات المقاومة بتسليمهم من دون أي مقابل فإن إسرائيل لن تتوقف عن تنفيذ مخططها الاستراتيجي وهو تدمير القطاع بالكامل، حتى لا يكون هناك أي مجال ليعيش الفلسطينيون فيه، وبالتالي يبدأون في البحث عن أماكن أخرى، وهكذا يتحقق مخطط التهجير نهاية بتصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
ومن الواضح أن وجهة النظر المصرية منذ بداية العدوان ثبت أنها الصحيحة، وهي أن مخطط العدوان ثم التدمير ثم التهجير كان موجودا داخل الأدراج الإسرائيلية منذ عشرات السنوات، ثم جاءت عملية "طوفان الأقصىط في 7 أكتوبر 2023 لتمثل فرصة ذهبية لليمين الديني والقومي المتطرف في إسرائيل لتنفيذ هذا المخطط على أرض الواقع مدعومة بغطاء ودعم أمريكي سافر وأوروبي مستتر وصمت دولي وعجز عربي واضح. وللموضوعية فإن قادة هذا التيار المتطرف لم يكترثوا يوما بشأن الأسرى إلا بكلمات عاطفية أمام أسرهم، لكن حينما جد الجد فإنهم قالوا إن أمن إسرائيل ومصالحها العليا أهم تماما من مصير هؤلاء الأسرى.
ومن الواضح أن تنفيذ المخطط الإسرائيلي يتم على مراحل حسب الظروف الموضوعية على الأرض، وكذلك الظروف السياسية داخليا وإقليميا ودوليا. وبالتالي فأغلب الظن أن كل ما يتم تداوله بشأن المفاوضات طوال الشهور الماضية كان هدفه استهلاك الوقت وإشاعة أجواء من التفاؤل الكاذب حتى يتم تخدير أسر الأسرى الإسرائيلية من جهة والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي من جهة أخرى، وهو ما يشبه الدور الأمريكي في خداع إيران بشأن المفاوضات، ثم فوجئ الجميع بالعدوان الإسرائيلي عليها، والذي انضمت إليه أمريكا في اللحظات الأخيرة.
ولم يعد خافيا على أحد أن إسرائيل سعت وتسعى بكل الطرق إلى تهجير الفلسطينيين، سواء عبر القوة الإسرائيلية الغاشمة أو مؤسسة غزة اللاإنسانية، أو إقامة ما يسمى بالمناطق الإنسانية الأمنية، وكلها تسعى لحشر الفلسطينيين في رفح تمهيدا لدفعهم إلى سيناء. هي بدأت محاولات مخطط التهجير منذ بداية العدوان، ولولا الموقف المصري الصارم والحازم من البداية، فالمؤكد أن المخطط كان سيتم تنفيذه، وتصفية القضية في الأيام الأولى للعدوان.
تخيلوا لو أن مصر وافقت على الأفكار الإسرائيلية في بداية العدوان أو أفكار ترامب بمجرد انتخابه، وتذكروا أن العديد من قادة الاحتلال ومنهم على سبيل المثال يائير لابيد - الذي يصنف نفسه معتدلا وحمامة سلام !! - دعا مصر إلى لعب دور في إنهاء القضية مقابل إسقاط ديونها، وهناك آخرون دعوا علنا للضغط على مصر بكل السبل للقبول بمخطط التهجير، ونعرف أن القاهرة رفضت كل ذلك بوضوح. يعتقد نتنياهو وائتلافه المتطرف أن هناك فرصة تاريخية قد لا تتكرر مرة أخرى تتيح لإسرائيل تنفيذ ما ظلت تحلم به لعقود طويلة، وهي الضعف العربي والصمت والعجز الدولي والدعم الأمريكي غير المسبوق.
وللأسف فإن إسرائيل حققت نتائج استراتيجية خطيرة، وهي تحلم بإكمال تنفيذ المخطط بتدمير القطاع وتهجير أهله وتهويد الضفة وتصفية القضية الفلسطينية عبر خطط تدريجية حققت منها الكثير حتى الآن. والسؤال: هل تنجح في ذلك حتى النهاية، أم نجد حدا أدنى من التنسيق بين الدول العربية الفاعلة يوقف هذا المخطط أو على الأقل يحد من آثاره المدمرة؟
(الشروق المصرية)