بعد فترة من الجمود الكلي، شهدت مفاوضات وقف النار في غزة حراكًا أميركيًا تجلى عبر طرح الرئيس دونالد ترامب مقترحًا جديدًا لانهاء الحرب واطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين، في ما اعتبر صفقة لحل شامل وذلك بعد تلكؤ اسرائيل عمدًا في الرد على موافقة حركة "حماس" في 18 أب/ أغسطس على الصفقة الجزئية التي كانت مطروحة على الطاولة، والتي تتقاطع بشكل كبير مع مقترح الموفد الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وهذه الخطوة تتزامن مع الضغوط الهائلة التي يتعرض لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نتيجة ازدياد التحركات الشعبية والمظاهرات الحاشدة التي تعم تل أبيب والقدس ومدن آخرى مطالبة بإعادة الأسرى فورًا ووقف التصعيد العسكري في غزة.
وعلى مدار أيام رفع المتظاهرون الاسرائيليون الصوت عاليًا موجهين رسائل واضحة للرئيس ترامب للدخول الجدي على خط الأزمة وإنقاذ ذويهم من الموت المحتوم نتيجة اصرار نتنياهو على احتلال مدينة غزة والمضي قدمًا بعملية "عربات جدعون 2". وهذه المناشدة، إلى جانب عوامل أخرى، جعلت ترامب يتبنى شخصيًا الدخول في مفاوضات واضعًا المزيد من الضغوط على "حماس" للموافقة وموجهًا إليها تهديدًا حاسمًا حين اعتبر أن هذا هو "التحذير الأخير ولن يكون هناك تحذير آخر". وفي هذا الإطار، نقل موقع "أكسيوس" عن مصدرين إشارتهما إلى ان المقترح الجديد يتضمن حلًا شاملًا لإطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إنهاء الحرب في غزة، موضحين أن ذلك يهدف لإيجاد حل دبلوماسي قبل العملية الإسرائيلية لاحتلال مدينة غزة.
وبحسب "هيئة البث الاسرائيلية" والقناة الـ12، فإن المقترح الذي حمله ويتكوف يتضمن تعديلات جوهرية مقارنة بالمبادرات السابقة. وتنص بنوده على: إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء منهم والأموات دفعة واحدة خلال اليوم الأول من تنفيذ الصفقة في المقابل سيتم الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام العالية، إلى جانب آلاف المعتقلين الآخرين، وقف العملية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي مطلع الشهر الجاري لاحتلال مدينة غزة بالكامل وفتح مسار تفاوضي جديد بإدارة ترامب للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب بشكل كامل. وأمام هذا الوضع الجديد تبدو "حماس" في موقفٍ لا تُحسد عليه خاصة أنها لا تستطيع الرفض ولا يمكنها الوثوق بالادارة الأميركية التي تدعم بشكل علني إسرائيل ومخططاتها لاسيما أن "الشيطان يكمن في التفاصيل".
ففي موقفها الذي صدر في وقت متأخر من مساء أمس حاولت الحركة "مسك العصا من المنتصف"، فمن جهة رحبت بأي تحرك من شأنه دعم الجهود المبذولة لوقف العدوان الإسرائيلي، ولكنها أيضًا إشترطت ضمان التزام إسرائيل بما سيتم الاتفاق عليه خاصة أن التجارب الاخيرة ليست مشجعة لناحية تخلّف تل أبيب عن وعودها والانقلاب عليها في الساعات الاخيرة. أما موقف اسرائيل الرسمي فلا يزال "ضبابيًا" رغم ما أعلنه ترامب عن موافقة الاسرائيليين على شروطه، خصوصًا أن مكتب نتنياهو اكتفى بالاشارة إلى أن إسرائيل تأخذ المبادرة الأميركية "بجدية"، لكنه اتهم "حماس" بالاستمرار في "التعنت". وعليه ستكون الساعات المقبلة مفصلية لمعرفة أي اتجاه سيتم اتخاذه بعد 700 يوم من حرب الابادة التي لم تترك قوات الاحتلال أي طريقة إلا ونفذتها في القطاع من أجل تهجير سكانه وفرض شروط غير انسانية عليهم. فقد ألقت القوات الاسرائيلية، وفقًا لتقرير صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، ما يُقارب 125 ألف طن من المتفجرات على القطاع فيما يدأب الاحتلال يوميًا على تدمير 300 منشأة سكنية.
والوضع في غزة يأتي بينما تصعّد القوات الاسرائيلية من تعدياتها في الضفة الغربية المحتلة التي تحولت إلى مسرح يومي لجرائم الاحتلال والمستوطنين على حدّ سواء. ففي الساعات الاخيرة سجلت سلسلة من الاعتداءات التي طالت تجمعات وبلدات ومخيمات فلسطينية في مناطق مختلفة، بينما اندلعت مواجهات في بلدة سنجل في رام الله بعدما حاول الاهالي التصدي للاعتداءات المستمرة بحقهم. من جهته، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مدينة أم الفحم وسط حراسة أمنية مشددة، ودعا إلى هدم مزيد من البيوت بزعم أنها غير مرخصة. وكانت اسرائيل بدأت عمليًا خطتها لتوسيع نطاق الاستيطان بعدما أقرت في آب/أغسطس الماضي مشروع "إي 1" (E1) الاستيطاني، والذي هو مخطط إسرائيلي يهدف إلى توسيع مستوطنة معاليه أدوميم وربطها بالقدس الشرقية عبر بناء حوالي 3400 وحدة سكنية في منطقة تبلغ مساحتها نحو 12 كيلومترًا مربعًا شرق القدس.
في سياق متصل، أفاد الجيش الإسرائيلي بإصابة مسافرين جراء انفجار مسيّرة أُطلقت من اليمن على قاعة المسافرين القادمين بمطار رامون في النقب جنوبي إسرائيل مما ادى إلى وقوع عدد من الاصابات. هذا ونقلت إذاعة الاحتلال عن تحقيق عسكري أن "أخطاء خطيرة" حالت دون رصد المسيّرة التي أطلقتها الحوثيون ودخلت المجال الجوي لإسرائيل وضربت هدفها دون أن يتم اعتراضها أو اكتشافها، لافتة إلى أن 8 صواريخ باليستية و7 مسيّرات أطلقت من اليمن منذ اغتيال قادة بارزين من الحوثيين بصنعاء في 28 من الشهر الماضي. يأتي ذلك فيما توعدت الجماعة المقربة من طهران بتصعيد عملياتها وقال الناطق العسكري بإسمها يحيى سريع "لن نتراجع عن مساندة غزة مهما كانت التبعات والعواقب، وعلى شركات الملاحة الجوية مغادرة مطارات فلسطين المحتلة لأنها أصبحت غير آمنة".
التطورات في الاراضي الفلسطينية يلاقيها ما يجري على الصعيد اللبناني بعد "تمرير" الحكومة قرار حصر السلاح بيد الدولة ولكن دون تحديد جدول زمني واضح وهو ما وضعته جهات سياسية في إسرائيل في إطار "الضبابية"، معتبرة أن "الحكومة اللبنانية تجنّبت الصدام مع الحزب وتهربت عمليًّا من إيجاد حل جذري يتلاءم مع احتياجات الاستقرار في المنطقة". بدورها، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "الجيش الإسرائيلي يعتقد أن "حزب الله" ما زال يحتفظ بعشرات الصواريخ الدقيقة وآلاف الصواريخ التقليدية وكمية كبيرة من الطائرات المسيّرة، وبعضها من صنع ذاتي، رغم أن خط التزويد بالأسلحة انقطع مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. وهذه الأسلحة كافية لتهديد أمن إسرائيل". ونقلت الصحيفة عينها عن مسؤول عسكري كبير أن "الحزب يسعى بكل قوته لإعادة بناء قوته العسكرية، خصوصًا في الجنوب والبقاع، والجيش الإسرائيلي يلاحقه ويسعى لمنع نشاطاته عبر عمليات القصف والاغتيالات الدقيقة".
ويتعرض لبنان لضغوط كبيرة من أجل تطبيق حصرية السلاح بينما تجري العديد من الاتصالات والمباحثات خلف الكواليس بهدف سحب فتيل الأزمة من الشارع ومنع أي تداعيات خطيرة يمكن ان تؤدي إلى مشاكل واضطرابات داخلية. في وقت دخل قرار الحكومة الاخير دائرة التجاذب السياسي بين من يراه انتصارًا للحزب وبين من يضعه في سياق الهزيمة كما ورد في تصريحات رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي اكد أن سلاح الحزب "غير الشرعي لا يحمي الشيعة وإنما يحتمي بهم، ولا يؤمن مصالحهم بل يغرقهم في حروب وجودية"، داعيًا إياهم إلى "الانتقال من اللاشرعية إلى الشرعية وتسليم السلاح والانضواء تحت سقف الدولة". في غضون ذلك، استأنفت لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار اجتماعاتها في الناقورة جنوب لبنان بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الأميرال براد كوبر، في خطوة تشير إلى إعادة تفعيل أعمال اللجنة بعد توقف دام أسابيع عدة.
سوريًا، أفادت "هيئة البث الإسرائيلية" عن لقاء جديد سيجمع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، خلال الأسبوع المقبل، من دون أن يتم تحديد مكان اللقاء الذي عُقد سابقًا في العاصمة الفرنسية باريس. وتتزايد اللقاءات بين الجانبين بهدف تهدئة الاوضاع في الجنوب السوري والوصول إلى تفاهمات أمنية واضحة بدعم مباشر من الادارة الاميركية عبر موفدها توم برّاك، ولكن هذه اللقاءات لم تردع تل أبيب من تنفيذ المزيد من الهجمات داخل الاراضي السورية وتوسيع نطاق توغلاتها وانتهاكاتها بينما تلعب على وتر التقسيم من خلال تبني دعوات الأقلية الدرزية الى الانفصال وما تسميه "حق تقرير المصير"، وهو ما ترفضه دمشق التي تتمسك بوحدة أراضيها والوقوف في وجه مثل هذه المخططات الهادفة لتفتيت البلاد واغراقها في حروب دموية جديدة.
أما إيرانيًا، فقد وجه وزير الخارجية عباس عراقجي رسالة إلى "الترويكا الأوروبية" داعياً إلى التراجع عما وصفه بـ"الخطأ الفادح" ومنح الدبلوماسية "الوقت والمساحة" لإنقاذ الاتفاق النووي وذلك عشية بدء الاجتماعات الحساسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا. وعلى الرغم من تنشيط آلية العقوبات إلا أن الثلاثي الأوروبي (فرنسا، بريطانيا وألمانيا) لم يغلق باب المفاوضات بل تركه مواربًا بإطار فرض المزيد من الضغوط على طهران التي تتحضر لحرب جديدة أو لجولة أخرى من المواجهة مع اسرائيل. في المقابل، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي حكومة مسعود بزشكيان إلى ضرورة التغلب على "حالة اللاحرب واللاسلم"، مطالبًا المسؤولين بالتركيز على الإجماع الداخلي وتسليط الضوء على "نقاط القوة" في مخاطبة الرأي العام والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يجب أن تتصدر الاولوية، من وجهة نظره. وتئن طهران من العقوبات المفروضة عليها وتداعيات الحرب الاخيرة التي وضعت البلاد في أزمة خانقة وضاعفت من معاناة السكان.
وفي الجولة اليومية للصحف الصادرة في عالمنا العربي تركيز على المستجدات الاخيرة، وخصوصًا ما يجري على الساحة الفلسطينية، وهنا موجزٌ لأبرز ما ورد:
كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية في معرض انتقادها لخطة تهجير الفلسطينيين "لقد تركت أمريكا، والمجتمع الدولي، والأمم المتحدة إسرائيل تفعل ما تريد بالفلسطينيين عموما، وخاصة الغزيين، وارتكب نتنياهو وحكومته "جريمة القرن" الراهنة، التي سوف يُحاسب عليها، إن لم يكن اليوم فغدا، والتاريخ الإنساني سيكتب من استخدم التجويع سلاحا لقهر، وقتل المدنيين"، مشددة على ان "مصر رفضت أن يكون رفح معبرًا لتصفية القضية الفلسطينية، متجاوزة البعد الإنساني إلى موقف سياسي وسيادي حاسم، وواضح، مؤكدة تمترسها في موقع الدفاع عن أكثر القضايا عدلا، حيث لا تهجير للغزيين والفلسطينيين أو تصفية لقضيتهم على حساب الحق والتاريخ".
من جانبها، انتقدت صحيفة "الوطن" العُمانية ما أسمته "مسايرة الكثيرين واتساقهم مع الهدف "الإسرائيلي" لتهجير الفلسطينيين عبر اختصار الأزمة كُلِّها في وضع كلمة معبر رفح في أي جملة وأي خطاب". وأردفت قائلة "نتنياهو الذي يرى أنَّ الأزمة هي عدم رغبة مصر في السماح بتهجير الفلسطينيين يمكنه أن يطبق إنسانيته من خلال معبر بيت حانون (إيرز) شمال القطاع أو معبر كرم أبو سالم أو يعيد فتح المعابر الأخرى المغلقة منذ سنوات مثل معبر ناحل عوز ومعبر كارني ومعبر صوفا.. ليعبر مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الداخل "الإسرائيلي" وينفذ نتنياهو مخطط التهجير كما يراه، خصوصًا وأنَّه لا بد وأن يكون على يقين أنَّ مصر لم ولن تقبل التهجير"، بحسب تعبيرها.
في الاطار عينه، جزمت صحيفة "الغد" الاردنية بأن "لا شرعية لأي عملية ضم والاستيطان وجميعها مدانة ومرفوضة، وستغلق كل أبواب تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وان محاولات ضم الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها انتهاكا صارخا للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، التي تبطل أي محاولات لإضفاء الشرعية على احتلال إسرائيل غير القانوني للأرض الفلسطينية"، مطالبة بـ"ضرورة تدخل المجتمع الدولي وخاصةً الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن لوقف السياسات الإسرائيلية العدوانية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، ورفضها لأي شكل من أشكال التهجير مهما كانت مسوغاته، وأهمية محاسبة سلطات الاحتلال على جرائم الإبادة والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين".
صحيفة "الرياض" السعودية لفتت الى ان "فلسطين اليوم تعيش واحدة من أقسى مراحل تاريخها الحديث، بين حصار خانق، واحتلال يمعن في سياسات التهجير والقتل، وشعب أعزل يتمسك بأرضه وهويته رغم محاولات الطمس والاقتلاع، هذا الواقع المأساوي جعل من الموقف العربي والإسلامي ضرورة لا تحتمل التأجيل". واضافت "صوت المملكة العربية السعودية في هذا الملف ليس مجرد تضامن، بل هو موقف قيادي ثابت، يجمع بين قوة السياسة وصدق المبدأ، ويجعلها أكثر من مجرد دولة تُدين، بل دولة تتحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية في الدفاع عن الحق الفلسطيني في مواجهة آلة الاحتلال".
(رصد "عروبة 22")