تَقومُ السِّياساتُ الحالِيَّةُ في أَغْلَبِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ على نَزْعَةٍ مُحافِظَةٍ غَيْرِ واثِقَةٍ مِنْ نَجاعَةِ تَبَنّي مَشاريعِ الطّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ على نِطاقٍ واسِع، وَتُبقي المُبادَراتِ في حُدودٍ تَجْريبِيَّةٍ وَاحْتِفالِيَّة، بَدَلًا مِنْ أَنْ تَكونَ جُزْءًا مِنْ تَحَوُّلٍ بُنْيَويٍّ مُحَوِّل. وَهَذا ما يُفَسِّرُ عَوَزَ الحُكوماتِ إلى المُحَفِّزاتِ التَّشْريعِيَّةِ وَالمالِيَّةِ التي تُشَجِّعُ القِطاعَ الخاصَّ على الاسْتِثْمارِ في هَذا المَوْرِد.
بإمكان المنطقة العربية تحقيق وفرة مالية ضخمة نتيجة إحلال الطاقة الشّمسية محلّ الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء
إِنَّ ضَعْفَ الإِرادَةِ السِّياسِيَّةِ لا يُؤَدّي إلى تَضْييعِ فُرْصَةِ التَّنْمِيَةِ فَقَط، بَلْ يُعَمِّقُ هَشاشَةَ الاقْتِصاداتِ العَرَبِيَّةِ في مُواجَهَةِ ارْتِفاعِ الطَّلَبِ على الطّاقَةِ وَتَقَلُّباتِ الأَسْواقِ العالَمِيَّة.
يُمَثِّلُ الإِشْعاعُ الشَّمْسِيُّ أَحَدَ أَهَمِّ الفُرَصِ الضّائِعَةِ في بِناءٍ اقْتِصادٍ عَرَبيٍّ قَوِيّ، خاصَّةً أَنَّ مُعْظَمَ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ تَتَوَفَّرُ على مُعَدَّلاتِ إِشْعاعٍ مُرْتَفِعَةٍ تَتَعَدّى تِلْكَ المُتَوَفِّرَ عَلَيْها في أَغْلَبِ المَناطِقِ العالَمِيَّة. فَالكَثيرُ مِنَ التَّقاريرِ التَّنْمَوِيَّةِ تُؤَكِّدُ على أَنَّ الطّاقَةَ الشَّمْسِيَّةَ تُشَكِّلُ مِحْوَرًا اسْتْراتيجِيًّا لِتَنْويعِ مَصادِرِ الدَّخْلِ وَتَخْفيضِ التَّكاليفِ الإِنْتاجِيَّةِ مَعَ تَعْزيزِ أَمْنِ الطَّاقَة.
هَذا يَعْني مِنَ النّاحِيَةِ الاقْتِصادِيَّةِ أَنَّ قِطاعَ الطّاقَةِ مُحَرِّكٌ قَوِيٌّ لِخُروجِ الاقْتِصادِ مِنْ دَوْراتِهِ التَّقْليدِيَّةِ وَتَجَنُّبِ كَسادِهِ المُتَكَرِّر، لِأَنَّ وَفْرَةَ الإِشْعاعِ تَزيدُ مِنَ الأَرْباح، سَواءً عَبْرَ الخَلايا الكَهْروضَوْئِيَّةِ أَوِ الأَنْظِمَةِ الحَرارِيَّةِ المُرَكَّزَة.
تقنيات الضخ بالطاقة الشّمسية تُوفّر مياه الريّ بتكلفة منخفضة
وَتَرى الوَكالَةُ الدَّوْلِيَّةُ لِلطّاقَةِ المُتَجَدِّدَةِ أَنَّهُ بِإِمْكانِ المنطقَةِ العَرَبِيَّةِ تَحْقيقُ وَفْرَةٍ مالِيَّةٍ ضَخْمَة، نَتيجَةَ إِحْلالِ الطّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ مَحَلَّ الوُقودِ الأُحْفوريِّ في تَوْليدِ الكَهْرَباء. مِنْ جِهَةٍ أُخْرى تُتيحُ مَشاريعُ مِثْلُ "نور" في المَغْرِبِ وَ"مَحَطّاتِ الطّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ المَرْكَزِيَّةِ" في السَّعودِيَّةِ وَالإِماراتِ خَلْقَ فُرَصٍ اسْتِثْمارِيَّةٍ جَديدَة، وَتَقْوِيَةَ السّوق، وَخَلْقَ وَظائِفَ عالِيَةِ المَهارَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَراحِلِ التَّصْميمِ وَالتَّشْغيلِ وَالصِّيانَة.
كَما يُؤَثِّرُ اقْتِصادُ الإِشْعاعِ الشَّمْسيِّ على قِطاعِ المِياهِ عَبْرَ دَعْمِ تِكْنولوجِيا التَّحْلِيَة. إِذْ إِنَّ تَكاليفَ الطّاقَةِ تُمَثِّلُ مُكَوِّنًا رَئيسًا في تَكْلِفَةِ المِتْرِ المُكَعَّبِ مِنَ الماءِ المُحَلّى. وَمَعَ تَزايُدِ الطَّلَبِ المائيِّ وَتَراجُعِ المَوارِدِ التَّقْليدِيَّةِ في مُعْظَمِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة، تُصْبِحُ الطّاقَةُ خِيارًا اقْتِصادِيًّا يُقَلِّلُ تَكْلِفَةَ التَّحْلِيَةِ على المَدى الطَّويلِ وَيَحُدُّ مِنَ المَخاطِرِ المُرْتَبِطَةِ بِتَقَلُّبَاتِ أَسْعارِ الوُقود. وَهَذا ما أَكَّدَتْ عَلَيْهِ دِراساتٌ عِلْمِيَّةٌ في تَقْييمِها لِتَكْلِفَةِ التَّحْلِيَةِ وَالبَحْثِ عَنْ سُبُلِ الأَمْنِ المائيِّ في ارْتِباطٍ بِدَعْمِ القِطاعِ الزِّراعيِّ الَّذِي يُعَدُّ رَكيزَةً أَساسِيَّةً في الأَمْنِ الغِذائِيّ، لِأَنَّ تِقْنِياتِ الضَّخِّ بِالطّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ تُمَكِّنُ مِنْ تَوْفيرِ المِياهِ لِلرَّيِّ بِتَكْلِفَةٍ مُنْخَفِضَة، خاصَّةً في المَناطِقِ الرّيفِيَّةِ التي تُعاني مِنْ ضَعْفِ البُنْيَةِ الكَهْرَبائِيَّة. وَهَذا يُؤَدّي بِالنَّتيجَةِ إلى خَفْضِ تَكاليفِ الإِنْتاجِ وَزِيادَةِ القُدْرَةِ على اسْتِصْلاحِ الأَراضي الهامِشِيَّة.
الإشعاع الشمسي يساهم في رفع الناتج الداخلي ويحفّز الاستثمار والصناعة وتقليل واردات الوقود
في هَذا الاتِّجَاه، تُوَفِّرُ الطّاقَةُ الشَّمْسِيَّةُ حُلولًا لِخَفْضِ الهَدْرِ في سَلاسِلِ القِيَمِ الزِّراعِيَّة، مِثْلَ التَّجْفيفِ الشَّمْسيِّ وَالتَّبْريدِ بِاسْتِخْدامِ الطّاقَةِ المُتَجَدِّدَة، مِمّا يَدْعَمُ الإِنْتاجِيَّةَ وَيُحَسِّنُ العائِدَ الاقْتِصادِيَّ لِلْمُزارِعين.
خِتامًا، لَا بُدَّ مِنَ التَّأْكيدِ على أَنَّ الإِشْعاعَ الشَّمْسِيَّ في سِياقِ حَوْكَمَةٍ راشِدَةٍ قَدْ يُمَكِّنُ الدُّوَلَ العَرَبِيَّةَ مِنَ الالْتِحاقِ بِالدُّوَلِ الصّاعِدَِة، لِأَنَّهُ يُساهِمُ في رَفْعِ النّاتِجِ الدّاخِليِّ عَبْرَ إِنْتاجِ طاقَةٍ غَيْرِ مُكْلِفَةٍ وَنَظيفَة، وَيُحَفِّزُ الاسْتِثْمارَ وَالصِّناعَةَ وَتَقْليلَ وارِداتِ الوُقود. كَما يُعَزِّزُ مُسْتَوَياتِ الابْتِكارِ وَيَرْبَحُ رِهانَ التَّحَوُّلِ الأَخْضَر.
(خاص "عروبة 22")

