صحافة

"المشهد اليوم"...اسرائيل تخوض "حربًا وجودية" وغارات على لبنان وسوريا"حماس" تنتقد "الأفكار الأميركية" دون رفض مباشر وحريق على متن "اسطول الصمود"

لدى تفقد نتنياهو موقع الهجوم على محطة الحافلات في القدس أمس (أب)

تخوض اسرائيل حربًا وجودية مستفيدة من "الصمت" الأميركي حينًا والدعم اللامحدود في أحيان كثيرة من أجل قلب الموازين لصالحها، خاصة أنها تطلق "الرصاصة الأخيرة" على مشروع حل الدولتين وتسعى إلى تحويل الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى وهمٍ بعد اقرارها خططًا استيطانية جديدة وسعيها لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة التي يتعرض سكانها إلى تضييق ممنهج ومحاولات حثيثة لتهجيرهم وترحيلهم عن أرضهم. فمشروع الضم الذي كان مؤجلًا في مراحل سابقة بات اليوم على الطاولة وبشكل اقوى من أي وقت مضى. بينما تتعرض غزة لحملة محو لمعالمها مع استمرار الحرب ما يُقارب العامين وتدمير قوات الاحتلال لكافة البنى التحتية والمرافق وتحويل القطاع إلى أرض غير صالحة للعيش.

وهذه الاستراتيجية ليست محض صدفة بل هدفها دفع الغزيين إلى العيش في بقعة جغرافية محددة وحشرهم في مساحة لا تتجاوز الـ10% من مساحة القطاع تمهيدًا لترحيلهم أو ما تطلق عليه اسرائيل "الهجرة الطوعية"، بينما فشلت حتى اللحظة في إيجاد دولًا ممكن أن تستقبل الفلسطينيين الذين تخطط عنهم تل ابيب وواشنطن وتبتدع حلولًا وتبتكر سيناريو "اليوم التالي". هذا كله بينما تدك اسرائيل لبنان وتسقط المزيد من القتلى والجرحى وتكمل قصفها للأراضي السورية حيث كانت ثلاث مدن، هي حمص واللاذقية وتدمر، تحت النيران مساء أمس. وتؤكد هذه الاعتداءات المتكررة على بيروت ودمشق، وحتى صنعاء، بأن اسرائيل ترسم مسارًا جديدًا بحجة حماية أمنها ومواطنيها في وقت تبتلع أراضٍ جديدة وتقضم المزيد من المساحات سعيًا وراء تحقيق "اسرائيل الكبرى"، التي لم تعد مجرد تصريحات يرددها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بل حقيقة يدأب الاحتلال على تحويلها لواقعٍ مُعاش.

والبداية مما يجري في قطاع غزة، وتحديدًا في الشق المتعلق بمفاوضات وقف النار التي يبدو أنها تواجه "انتقادًا" غير مباشر من حركة "حماس" التي أعلنت أنها تلقت "أفكارًا أميركية عبر وسطاء"، مجددة موقفها بأنها على استعداد للجلوس فورًا إلى أي طاولة مباحثات بهدف إطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إعلان واضح بإنهاء الحرب، وانسحاب اسرائيلي كامل من القطاع وتشكيل لجنة فلسطينية مستقلة لإدارة غزة. وهذا الموقف يأتي في وقت يضع عليها الرئيس الاميركي دونالد ترامب المزيد من الضغوط متوعدًا إياها في حال رفض المقترح الذي يرضي اسرائيل في المقام الأول ويجرد الحركة من ورقتها التفاوضية الوحيدة وهي الرهائن إذ يدعو إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الاسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، دفعة واحدة وفي اليوم الاول من تطبيق الصفقة.

كما أن اللافت هو عدم تطرق المقترح إلى اليوم التالي في غزة وعملية اعادة الاعمار ناهيك عن الاوضاع الانسانية المأساوية مع استمرار الحصار وكف يد المنظمات الدولية، وتحديدًا وكالة "الأونروا"، لصالح "كمائن الموت" المحيطة بـ"مؤسسة غزة الانسانية". وهذا ما دفع العديد من المحللين إلى التحذير مما يُحاك في الغرف الضيقة، وتحديدًا بين ترامب وصهره جاريد كوشنر من جهة ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ونتنياهو من جهة أخرى. فمن حيث المنطق تجد "حماس" أن المقترح الأميركي الجديد "وجد كي يتم رفضه" وبالتالي تحميلها كامل المسؤولية واستكمال عملية التصعيد العسكري الاسرائيلي بعدما اتخذت أمس، الاثنين، منحى جديد بعد دعوة نتنياهو سكان مدينة غزة إلى المغادرة فورًا، متفاخرًا بنسف الابراج السكنية حيث قال "وعدتكم قبل أيام قليلة بإسقاط الأبراج السكنية في غزة، وهذا بالضبط ما يقوم به الجيش بعد تسوية جميع البنى التحتية وتوجيهه بالقيام بذلك في مواقع إضافية أخرى"، مشيرًا إلى ان القوات الاسرائيلية بصدد البدء بعملية برية.

هذا ويجد سكان مدينة غزة، والبالغ عددهم ما يقارب المليون شخص، في مواجهة حربًا تهدف لاقتلاعهم من جذورهم، ففيما يفضل معظمهم البقاء وتحدي التهجير والنزوح مجددًا، يرضخ أخرون ويبدأون رحلة البحث عن مكان لاقامة خيمتهم في الجنوب الذي بات مكتظًا بشكل مخيف حتى أن المستشار الإعلامي لـ"الأونروا" عدنان أبو حسنة شدد على أنه "لا يوجد مكان لخيمة واحدة في جنوب قطاع غزة"، محذرًا من دعوة الاحتلال السكان للجوء إلى القسم الجنوبي من القطاع المنهار صحيًا ومعيشيًا، وبما ينطبق رسميًا مع الخطة المركزية بالقضاء على الغزيين إما بالتهجير أو الإبادة. واستشهد أمس 46 فلسطينيًا، بينهم 26 في مدينة غزة و8 من طالبي المساعدات، ما أدى إلى ارتفاع الحصيلة الإجمالية للعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى 64,522 شهيدًا و163,096 مصابًا، بحسب وزارة الصحة في القطاع التي رصدت أيضًا 6 وفيات جدد خلال الساعات الماضية بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم طفلان، ليرتفع عدد ضحايا المجاعة إلى 393 شخصًا، ما يعادل النصف من الأطفال.

تزامنًا، قُتل 7 إسرائيليين وأُصيب 20 آخرين في إطلاق نار نفذّه شابان فلسطينيان داخل محطة حافلات مركزية قرب مستوطنة راموت شمال القدس المحتلة. وتُعتبر هذه العملية الأضخم من حيث عدد القتلى بين كل الهجمات التي تم توجيهها داخل إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة. كما أنها تأتي مع تصاعد اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين بالضفة المحتلة بشكل مطرد. وقد استغل نتنياهو الحادث الامني من أجل التهرب من جلسة محاكمته التي كانت مقررة أمس، الاثنين، في قضية الفساد فيما توعد بمطاردة كل من ساهم في العملية واتخاذ إجراءات أكثر تشددًا، أما ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فدعا الإسرائيليين إلى حمل السلاح في كل مكان. ولاحقًا فرضت قوات الاحتلال طوقًا أمنيًا محكمًا وأغلقت جميع مداخل ومخارج القدس، كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه طوق قرى في رام الله ونفذ أعمال استجواب وتمشيط ميدانية واجرى حملة اعتقالات واسعة معلنًا عن توقيف مشتبه بهم.

إلى ذلك، أفادت إدارة "أسطول الصمود العالمي"، الهادف إلى كسر الحصار عن غزة، بتعرّض القارب الرئيسي إلى هجوم بمسيّرة حارقة قبالة سواحل تونس في الساعات الأولى من فجر اليوم ما أدى إلى اشتعال النيران فيه ولكن دون إصابة أحد بأي أذى. وفيما لا تزال المعلومات حول الحادثة شحيحة وما إذا كانت اسرئيل تقف رسميًا خلف ذلك، تزداد العزلة الدولية المفروضة على تل أبيب لاسيما بعدما أصدر رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز مرسومًا ملكيًا بتجريم تصدير الأسلحة إلى إسرائيل وإغلاق المجال الجوي والبحري أمام كل الطائرات والسفن التي تحمل ذخائر اسرائيلية، فيما استدعت الخارجية الإسبانية سفيرتها لدى تل أبيب للتشاور، ردًا على تصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي اتهم مدريد بمعاداة السامية. وهذه الخطوات الأوروبية تترافق مع تظاهرات حاشدة في مختلف العواصم رفضًا لتورط دولها في حرب الابادة والتجويع الحاصلة في غزة وداعية إلى معاقبة اسرائيل على جرائمها.

ومما يجري في غزة والضفة المحتلة إلى لبنان الذي شهد غارات إسرائيلية عنيفة استهدفت السّلسلة الغربيّة في جرود الهرمل ما ادى، وفق مصادر ميدانية محلية، إلى سقوط 5 ضحايا من "حزب الله"، في وقت قال الاحتلال إنه هاجم "معسكرات عسكرية تابعة لـ"قوة الرضوان". ولا يمر يوم من دون أن تخرق قوات الاحتلال اتفاق وقف النار في حين تعيش البلاد على وقع نتائج قرار حصر السلاح وفرض سيادة الدولة على أراضيها. فعلى الرغم من تأكيد الحكومة اللبنانية بأنها تمضي دون هوادة في تطبيق القرار، إلا أن ذلك لا يزال دونه الكثير من العوائق بعدما "فرملت"  انطلاقتها وقررت رهن التنفيذ باستجابة تل ابيب للمطالب وأهمها وقف التعديات والانسحاب من التلال التي تحتلها. وقد استطاع رئيس الجمهورية بعد اتصالات ومشاورات بعيدة عن الأضواء في سحب فتيل "التفجير" من الشارع وإرسال رسائل طمأنة إلى الثنائي الشيعي الذي يفاوض بإسمه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وفي وقت لم يعرف بعد مصير الورقة الاميركية والرد الرسمي من واشنطن على الخطوات اللبنانية التي اتخذت في جلسة يوم الجمعة، يستعد وفد من "حزب الله" برئاسة رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" محمد رعد لزيارة بعبدا للبحث في المرحلة المقبلة، لاسيما أن الرئيس عون يطالب بوضع الاستراتيجية الدفاعية على طاولة المفاوضات بشكل واضح وعملي وبعيدًا عن التأويلات والتفسيرات بهدف التوصل إلى اتفاق شامل يخفف من ضغوط الخارج ويبدد هواجس الطائفة الشيعية ومخاوفها. ولكن ذلك لم ينجح حتى الساعة في دفع الحزب نحو التسليم بمنطق الدولة خاصة أنه يعتبر سلاحه "خط أحمر" غير قابل للنقاش ويرفض المس به بحجة الحفاظ على كيانه وديمومته. وهذا الجدال المستمر لسنوات يكبل الحكومة والعهد ويضعهما في موقف حرج خاصة أن البلاد مقبلة على تحديات كبيرة بظل محيط مشتعل في كل الاتجاهات.

سوريًا، الوضع لا يختلف مع شنّ قوات الاحتلال غارات استهدفت كلية الدفاع الجوي في محيط مدينة حمص، كما ثكنة عسكرية في سقوبين شمال مدينة اللاذقية. هذا وسجل قصف في محيط مدينة تدمر الواقعة وسط البلاد. وبينما التزمت اسرائيل الصمت، ندّدت وزارة الخارجية السورية بالاعتداءات "التي تمثل خرقًا صارخًا لسيادة سوريا وتهدد أمنها واستقرارها الإقليمي"، داعية مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤوليته واتخاذ موقف حازم يضع حداً لاعتداءات إسرائيل المتكررة، والتي تعاظمت منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الاول/ ديسمبر الماضي.

أما على الصعيد الدولي، فقد صوّت البرلمان الفرنسي لصالح إسقاط حكومة فرانسوا بايرو بسبب خططها للتخفيف من الدين العام المتضخم الذي فاقم الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وأوكل إلى الرئيس إيمانويل ماكرون مهمة اختيار خامس رئيس وزراء في أقل من عامين. وكان 364 نائبًا صوتوا لصالح حجب الثقة، بينما أبدى 194 فقط تأييدهم لبايرو الذي تولى منصب رئاسة الحكومة الفرنسية قبل 9 أشهر فقط. وقبل التصويت ألقى الأخير كلمةً ركز فيها على مشكلة المديونية التي بلغت 3415 مليار يورو، التي سيترتب عليها فوائد تزيد على 67 مليار يورو العام الحالي، محذرًا من أن تفاقم الأزمة سيُفقد فرنسا سيادتها وتأثيرها في العالم، ويضعف القيم التي تدافع عنها.

ما يجري عربيًا وإقليميًا كان محط اهتمام الصحف العربية الصادرة اليوم التي ركزت في مقالاتها وعناوينها على التالي:

اشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "هناك ثوابت وخطوط حمراء عربية ودولية من بينها رفض تهجير الفلسطينيين، وحقهم في تقرير مصيرهم، وحقهم في إقامة دولتهم، ورفض العدوان أو التهديد به ضد دول المنطقة. هذه الثوابت وتلك الخطوط الحمراء عبرت عنها الدول العربية بكل حسم"، مؤكدة أن "وقف إطلاق النار هذه المرة لا ينبغي أن يكون مؤقتًا، ولا كما يقول بعض جنرالات إسرائيل وسياسيها لنسترد أسرانا ثم نعود إلى الحرب، ومن ثم فالحاجة ماسة إلى ضمانات أمريكية حقيقية للجم هذا المنطق الإسرائيلي المنفلت".

في السياق عينه، نبهت صحيفة "الراية" القطرية إلى أن "ما فعلته إسرائيل في هذه الحرب من قتل وتدمير وتجويع لا يمكن تصوره أو قبوله ونحن نعيش في هذا العصر الحديث، في حضرة وجود منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية". واردفت قائلة "إن مصير غزة ومستقبلها، مرهون بموقف عربي ودولي صارم لوقف المذابح وتفاقم الوضع الإنساني والصحي وتزايد تداعيات المجاعة في غزة يتطلب من المجتمع الدولي بكل انتماءاته تحركًا سريعًا للجم شهوة القتل والتدمير التي ترتكبها إسرائيل ليل نهار وأمام الجميع".

وعن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، نبهت صحيفة "عكاظ" السعودية الى "إنه في حال حدث وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بها، فإن المعارضين لقيامها، سوف يجادلون ضد سلامة إجراءات طلب العضوية؛ لأن البداية لا بد أن تكون بتوصية من مجلس الأمن، للجمعية العامة، لا العكس". واضافت "إن العداء للقضية الفلسطينية وتقويض أية جهود دولية للاعتراف بها أمميًا، يصل لدرجة الجرم الإنساني، بل لمستوى "الإبادة السياسية الجماعية" لحق هذا الشعب المظلوم ممارسة تقرير مصيره، ولو بعرض قضيته على المجتمع الدولي. فالولايات المتحدة لم تكتفِ بالتخلي عن مشروعها بحل الدولتين، فهي تتمادى عندما ترفض منح تأشيرات للوفد الفلسطيني في مخالفة واضحة لاتفاقية المقر".

وتحت عنوان "حرب مقبلة أم مليارات قادمة؟"، كتبت صحيفة "الغد" الاردنية "إذا كانت حرب غزة تركت كل هذا الأثر على الأردن اقتصاديًا، ويجهد الأردن لاستعادة حيوية اقتصاده، فما بالنا حين تكون التهديدات الإسرائيلية موجهة إلى الأردن مباشرة، وليس إلى الغزيين، وهذا يعني أن التهديدات الإسرائيلية في جانبها الآخر، تعبر عن حرب أمنية ونفسية ومعنوية ضد الأردنيين يراد من خلالها تهبيط معنويات الداخل الأردني وتثبيط قطاعاته". وقالت "إننا لا نلوم أحدا، فالكل فينا يمشي فوق حبل مشدود، والخيارات محدودة، والمطالعة ها هنا لا تتقصد الذوات الكريمة التي تنطق على مسامعنا، بقدر توصيف الحالة العامة، وارتداد العناوين على الشعب".

صحيفة "اللواء" اللبنانية، بدورها، رأت أن "إصرار تل أبيب على استخدام فائض قوتها الجوية والعسكرية لم يعد مجرد "رسائل ضغط"، بل هو مشروع حرب مكتملة الأركان. فهي تسعى إلى فرض معادلة جديدة بالقوة، تعوّض عجزها السياسي والديبلوماسي، وتعيد فرض شروطها على لبنان"، مشددة على أن "الأخطر هو عودة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى إدارة الملف اللبناني، مع أجندة مكشوفة تعطي الأولوية للأمن على حساب السياسة، وتعيد تعويم لجنة المراقبة الدولية عبر تعيين قائد أميركي جديد لها، في خطوة تكشف النية الصريحة لتحويل لبنان إلى ساحة اختبار للنفوذ الأميركي – الإسرائيلي"، بحسب وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن