صحافة

"المشهد اليوم"...ترامب يتبرأ من غارات اسرائيل والدوحة "تحتفظ بحق الرد"وفد روسي في دمشق وإيران والوكالة الذرية توقعان على "اتفاق القاهرة" لاستئناف التعاون

صورة للمبنى الذي استهدفته الغارات الإسرائيلية في العاصمة القطرية الدوحة (رويترز)

لم يكن قرار اسرائيل توجيه ضربة إلى قيادات الصف الأول في حركة "حماس" في قطر مجرد "رسالة بالدم" بل أبعد بكثير، فهي أرادت أن تثبت قدرتها على الوصول إلى أي دولة وأن "يدها الطولى" تتجرأ على استهداف سيادة دولة خليجية وزعزعة أمنها واستهداف دورها، لاسيما أن الدوحة تعتبر وسيطًا مهمًا ومحوريًا في مفاوضات وقف النار في غزة والأهم حليفًا استراتيجيًا لواشنطن بعدما زارها الرئيس دونالد ترامب إلى جانب كل من السعودية والامارات خلال زيارته الخارجية الأولى بعد إعادة وصوله إلى البيت الأبيض. فالاستهداف بهذه الطريقة والاعتراف الاسرائيلي العلني يُدخل الصراع منحى جديد مما يفرض على الدول العربية، في المقام الأول، وقبل غيرها الاسراع إلى التفكير بالخطوات المستقبلية لردع الغطرسة الاسرائيلية التي تخطت كل حدود ووقف تجاوزاتها للقوانين والمواثيق الدولية.

ففي تصعيد خطير يهدف إلى تفجير المفاوضات وعرقلة أي محاولة للوصول إلى هدنة في غزة، شنّت اسرائيل غارات ضمن عملية أسمتها "قمة النار" (في إشارة إلى استهداف ما وصفته بـ"قمة الهرم القيادي" للحركة في الخارج) مستهدفة وفد "حماس" المفاوض الذي كان يدرس المقترح الأميركي الجديد المطروح اليوم على طاولة المباحثات داخل مجمع سكني في العاصمة القطرية، الدوحة، والذي يضم مكاتب ومقرات سكنية لقياداتها. وقد أسفرت الغارات التي استهدفت أكثر من موقع عن مقتل 6 أشخاص، بينهم نجل عضو المجلس القيادي لـ"حماس" خليل الحية ومدير مكتبه وعدد من المرافقين الفلسطينيين كما رجل أمن قطري فيما نجا بقية الوفد من محاولة الاغتيال. وعلى إثر هذا العدوان توالت المواقف الغربية والعربية الرافضة والمنددة بما جرى، حيث تكاتفت دول الخليج للاعلان عن وقوفها إلى جانب قطر وأمنها وسيادتها بينما شدّد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على أن "أمن قطر من أمن الأردن".

أما على صعيد المواقف الدولية، فقد سارع الرئيس دونالد ترامب إلى التبرؤ من غارات حليفه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتبرًا أن "الهجوم الأحادي على قطر لا يحقق مصالح اسرائيل ولا الولايات المتحدة، وأنه يشعر بحزن شديد بسبب القرار الذي اتخذه نتنياهو بهذا الشأن". ولفت إلى أنه وجّه مبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لإبلاغ الجانب القطري بالهجوم الإسرائيلي "لكن التحذير جاء متأخرا للأسف". وكان ترامب أجرى إتصالًا بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وأكد لهما أن ذلك لن يتكرر على أرض قطر مجددًا. إلى ذلك شجبت كل من تركيا وإيران كما معظم الدول الأوروبية هذا الاعتداء محذرة من مخاطر اتسارع رقعة التصعيد في المنطقة.

بدروه، تبجح نتنياهو بالضربات التي قال إنها تمت بشكل "مستقل بالكامل"، منعًا لاحراج واشنطن، كما أوضح "أن العملية بادرت إليها إسرائيل، ونفذتها، وتتحمّل المسؤولية الكاملة عنها"، مجددًا تهديداته لقادة "حماس" بأنهم "لن يكونوا بمأمن في أي مكان"، واضعًا هذا القرار في إطار "تصفية الحسابات مع القتلة، ولضمان أمن مواطني إسرائيل في المستقبل". بدورها، أكدت الخارجية القطرية أنها لن تتهاون مع "هذا السلوك الإسرائيلي المتهور والعبث المستمر بأمن الإقليم وأي عمل يستهدف أمنها وسيادتها وأنها تحتفظ بحق الرد"، مشددة على أن "هذا الاعتداء الإجرامي يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية، وتهديدًا خطيرًا لأمن وسلامة القطريين والمقيمين في البلاد". وكان جدل رافق هذه الاعتداءات الاسرائيلية بعد تأكيد علم البيت الأبيض بها وإطلاعه عليها قبل التنفيذ وإخطاره الجانب القطري الذي نفى في بيان صحة "ما يتم تداوله من تصريحات حول إبلاغ دولة قطر بالهجوم"، مشيراً إلى أن "الاتصال الذي ورد من قبل أحد المسؤولين الأميركيين جاء خلال سماع دويّ صوت الانفجارات الناتجة عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة".

في هذا السيّاق، دعت الجزائر إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اليوم، الأربعاء، وذلك لمناقشة الهجوم الاسرائيلي على قطر. في وقت تشير كافة المعطيات إلى أن الدوحة أوقفت الجهود التي تقوم بها بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة الذي يشهد عملية إبادة جماعية وتطهير عرقي على مرأى من العالم أجمع. وهذا "التجميد" يعني أن الأوضاع ستشهد المزيد من التصعيد الاسرائيلي العسكري وأن نتنياهو نجح مجددًا في تفجير المفاوضات وعرقلتها سعيًا وراء احتلال غزة وفرض التهجير على سكانها الذين كانوا أمس، الثلاثاء، في حالة من الضياع والسخط الكبيرين بعد الأوامر التي أصدرها الجيش الإسرائيلي داعيًا فيها جميع سكان مدينة غزة وكل أحيائها بالإخلاء قبل أن يشن هجومًا جديدًا بعدما دأبت قواته خلال الأسبوع الماضي على نسف الأبراج السكنية والشقق والمنازل بشكل متعمد بهدف دفع الفلسطينيين للمغادرة نحو الجنوب المكتظ أصلًا بالعائلات النازحة. وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إن أكثر من 1.2 مليون شخص ما زالوا في مدينة غزة والشمال ويرفضون النزوح نحو الجنوب رغم شدة القصف الإسرائيلي.

تزامنًا، تصاعدت الحملة على الضفة الغربية المحتلة بعد العملية التي نفذها فلسطينيان عند مفترق راموت في القدس المحتلة وأدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 20 آخرين، حيث دفعت قوات الاحتلال نحو المزيد من التعزيزات العسكرية على وقع اقتحامات ومداهمات وتفجير منازل من تدعي اسرائيل أنهم شاركوا في هذه العملية كما في عمليات سابقة. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمر بهدم أي مبانٍ غير قانونية في قريتي منفذي هجوم القدس، وإلغاء 750 تصريح عمل وتصاريح دخول إلى إسرائيل. هذا وتشير المعطيات الفلسطينية إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية أسفرت حتى الآن عن استشهاد ما لا يقل عن 1020 فلسطينيا في الضفة وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، إلى جانب اعتقال أكثر من 19 ألف شخص بينما مخططات الاستيطان وقضم الأراضي وتحويل الضفة إلى "بؤر منفصلة" تجري على قدم وساق للحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية.

ما يجري في غزة والضفة المحتلة تنفذه اسرائيل، ولو بوتيرة تصعيدية اقل، في سوريا ولبنان كما في الضربات التي توجهها إلى الحوثيين في اليمن وذلك كله تحت ذريعة حماية أمنها وأمن مستوطنيها خاصة أن تل أبيب لا تلتزم بالاتفاقيات الموقعة وتنقضها كلما ارتأت ذلك، حتى أنه يمكن القول أن المفاوضات لم تحمِ سوريا مما تخطط له اسرائيل المستمرة في تعدياتها وضرباتها منذ سقوط نظام بشار الأسد ناهيك عن تدخلاتها السافرة من خلال دعم الأقليات السورية مما يزيد من مخاطر التقسيم وإشعال حروب داخلية لم تنجُ من تداعياتها دمشق بعد. في سياق مختلف، برزت الزيارة الروسية التي ضمت وفدًا رفيع المستوى بهدف استكمال المباحثات التي سبق أن أجراها الوفد السوري في موسكو خلال شهر تموز/يوليو الماضي.

وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إن "سوريا وروسيا قادرتان على بناء علاقات قائمة على السيادة والعدالة والمصلحة المشتركة"، مؤكدًا "أن الدعم الروسي الصريح لمسار سوريا الجديد سيكون خطوة في صالح سوريا والمنطقة بأسرها". كلام الشيباني جاء خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك، الذي أعلن اهتمام بلاده بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو للمشاركة في القمة العربية - الروسية المرتقبة في 15 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، التي وإن تمت ستشكل صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين بعد التدخلات الروسية السابقة. وتحاول موسكو بعد سقوط أبرز حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، أي بشار الأسد، إلى اعتماد مقاربة جديدة سعيًا وراء الحفاظ على قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس بسوريا، فيما ستشهد الاتفاقيات الموقّعة بين الطرفين إعادة تقييم في المرحلة المقبلة خاصة أن معظمها تُعتبر مجحفة بحق السوريين وتم توقيعها تحت ضغوط وظروف معينة لم تعد موجودة اليوم.

على الصعيد الايراني، وقعت طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس الثلاثاء في القاهرة، اتفاقًا يفتح الطريق لاستئناف التعاون بين الجانبين، بما يشمل إعادة إطلاق عمليات التفتيش على المنشآت النووية بعد تعليقها من الجانب الايراني كرد فعل على ما أسمته عدم إدانة الوكالة للهجمات غير المسبوقة التي نفذتها إسرائيل على إيران، في 13 حزيران/ يونيو الماضي، واستمرّت 12 يومًا. وفي هذا الإطار، شدّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على حرص القاهرة الدائم على دعم الأمن والاستقرار الإقليمي، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف، محذراً من أن أي مواجهة مباشرة ستكون لها تداعيات خطيرة ليس فقط على المنطقة، بل على العالم بأسره. يُشار إلى أن هذا التوقيع أتى بعد اتصالات وجهود مكثفة أجرتها القاهرة على مدار 3 أشهر خلف الكواليس وشملت الجانب الأميركي أيضًا.

وفي الأخبار الدولية، أعلن الرئيس ترامب إطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف التي كانت تحتجزها "كتائب حزب الله" العراقية الشيعية منذ أكثر من عامين بعدما اختطفت في آذار/ مارس 2023 بمنطقة الكرادة، أحد أحياء بغداد التجارية، وجرى ذلك بعد مفاوضات حثيثة على مدار أشهر طويلة. أما على صعيد التطورات الفرنسية فقد عيّن الرئيس إيمانويل ماكرون وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء بعد سقوط حكومة فرنسوا بايرو وعشية تحرّكات احتجاجية موسعة تعيشها البلاد. وبذلك أصبح لوكورنو سابع رئيس للوزراء في عهد ماكرون، والخامس منذ بداية ولايته الثانية عام 2022.

تزامنًا، ركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على جرى في الدوحة من عدوان اسرائيلي غاشم وإليكم هذا الموجز:

اعتبرت صحيفة " القدس العربي" أنه "على الرغم من استخدام إسرائيل تبرير أن الهجوم استهدف قيادة "حماس" فإن انتهاك العملية لسيادة قطر تشكّل كسرًا لقواعد سياسية وعسكرية عربية وإقليمية، كما إن لذلك دلالات لا يمكن الاستهانة بها بعد الآن، ليس في قطر فحسب، بل في كل المنطقة العربية". وأضافت "يشكّل العدوان الأخير توسيعًا لسياق الهجمات على ثلاث دول عربية، سوريا ولبنان واليمن، وإذا أضفنا إلى ذلك تهديدات نتنياهو الأخيرة لمصر، فإن ما حدث هو إعلان صريح بسقوط السيادات العربية، وتأكيد أنها لم تعد تمثّل حاجزًا تقف عنده إسرائيل ".

وتحت عنوان "الغدر الاسرائيلي يستبيح قطر"، كتبت صحيفة " الخليج" الإماراتية " لم تترك إسرائيل خطاً أحمر إلا تجاوزته، ولا اعتداء إلا ارتكبته ولا حرمة إلا انتهكتها. فبعد عامين من سفك دماء الأبرياء في قطاع غزة المنكوب، امتدت يدها الإجرامية إلى قطر، لتسجل بذلك عملًا دنيئًا نفذته في وضح النهار بحق دولـــة شـــقيقة وذات ســيادة وتتوســــط لإنهـــاء الحرب في غزة"، محذرة من أن "الغدر الإسرائيلي قد لا يقف عند هذا الحد، بل قد يتمادى إلى ما هو أخطر، إذا لم يجابه بموقف عربي حاسم، لا يتوانى عن اتخاذ خطوات جادة وفعالة لوقف العدوان الإسرائيلي المُمنهج على دول المنطقة".

صحيفة "الغد" الأردنية، من جانبها، اعتبرت أن "في هذه الانفجارات أنهت إسرائيل ملف الأسرى الإسرائيليين، ومن الواضح انها تمضي قدما في مخطط تدمير قطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين، وهذا يثبت أن تل أبيب وواشنطن أيضا تمضيان في خطتهما، وكل الكلام عن الهدنة كان استهلاكا للوقت، حيث لا يمكن اليوم حتى تحت وطأة العملية في الدوحة الانصياع للشروط الإسرائيلية التي يتم إعلانها بهدف عرقلة الحل أصلا". وخلصت إلى أن "هذا أخطر تحول منذ 7 أكتوبر 2023، وسنرى تداعيات متعددة، فيما إسرائيل ستمضي في مخططاتها التي تشمل قريبا سورية ولبنان وإيران بشكل أوسع بما يهدد كل أمن المنطقة".

وأوضحت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "تعمّد حكومة نتنياهو إغتيال فريق التفاوض يؤكد مرة أخرى، وبما لا يدع مجالًا للشك، أن الإئتلاف المسياني المتطرف الذي يحكم الدولة العبرية، مصرٌّ على إستمرار الحرب حتى تحقيق الهجرة الجماعية لأهالي القطاع وذلك كخطوة أولية لتحقيق التوسع في الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وتقويض السلطة الفلسطينية والقضاء على فكرة دولة فلسطين"، جازمة أن "إستنكار ترامب الكلامي لا ينقذه من تهمة النفاق إذا لم يتم إتخاذ خطوات أميركية رادعة وحازمة ضد حكومة نتنياهو، لإعادة الثقة بمصداقية المواقف الأميركية"، بحسب تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن