يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة والإنتاجية في مكان العمل، فعندما تتمكّن الشركات من تحقيق المزيد بموارد أقلّ، يمكنها توسيع عملياتها وتوظيف المزيد من الأشخاص. ومن هنا نشير إلى أنّ الوظائف الروتينية والمتكرّرة تُعدّ الأكثر عرضةً للأتمتة، ووفقًا لدراسةٍ أجرتها جامعة "أكسفورد" عام 2013، هناك احتمال بنسبة 47% أن تتمّ أتمتة العديد من الوظائف في العالم في المستقبل، وستؤدي الأتمتة إلى تقليل الطلب على العمال ذوي المهارات المنخفضة، ممّا يزيد من أخطار البطالة بينهم.
من خلال التركيز على التعليم والتدريب يمكن التكيّف مع التحوّلات التكنولوجية
في عام 2020، أظهرت دراسة لمؤسّسة "ماكينزي" أن حوالي 14% من القوة العاملة في العالم، قد تحتاج إلى تغيير مجال عملها بحلول عام 2030 بسبب الأتمتة. من ناحية أخرى، ولمواجهة التحدّيات الناتجة عن الأتمتة، من الضروري التركيز على التعليم والتدريب المستمر، إذ إنّ الشركات بحاجةٍ إلى الاستثمار في برامج تدريبية، ووفقًا لـ"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" فإنّ الاستثمار في التعليم والتدريب يمكن أن يساهم في تقليل معدّلات البطالة.
وتظلّ هناك العديد من الوظائف التي تتطلّب مهاراتٍ بشريةً لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدها بسهولة، مثل الوظائف في الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات الاجتماعية. وعلى الرَّغم من المخاوف المتعلّقة بتأثير الذكاء الاصطناعي على البطالة، إلّا أنّه يمكن أن يكون أداةً فعالةً في خلق فرص عمل جديدة وتحسين الكفاءة في مكان العمل. فمن خلال التركيز على التعليم والتدريب المستمرَّيْن، يمكن التكيّف مع التحوّلات التكنولوجية وضمان أن يكون الجميع مستفيدين من هذه التغيّرات، وتحقيق هذا التوازن يتطلّب تعاونًا وثيقًا بين جميع القطاعات لضمان مستقبل اقتصادي مستدام وشامل.
لا شكّ أنّ مشكلة البطالة تمثّل أزمةً داخل كلّ بيت، حيث يتخرّج سنويًا من الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية ملايين الطلاب والطالبات، وأغلب هؤلاء لا يعرفون أين سيذهبون بعد تخرّجهم، بخاصة بعد أن أصبحت معظم الفرص المُتاحة تتطلّب مهارات في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. وأكّد خبراء الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات أنّ المستقبل يتّجه نحو قطاع الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، وضرورة توجيه الطلّاب للعمل في هذا القطاع لأنه هو المستقبل، وعلى الجميع في الدول العربية تبنّي استراتيجيات من شأنها تعزيز وتطوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات وطنية لدعم التعليم الرقمي.
تفعيل دور الذكاء الاصطناعي يتطلّب إنشاء حاضنات تنظيمية وتضمين الاستراتيجيات الوطنية خططًا تنفيذية جديدة
في ظلّ الثورة الصناعية الرابعة والتحوّل الرقمي السريع، أصبحت التكنولوجيا البوابة الأهم لتوظيف الشباب وبناء مستقبل اقتصادي مزدهر. فلم تعد فرص العمل في القطاع الحكومي قادرةً على استيعاب الطاقات الشبابية المتزايدة التي يتم ضخّها سنويًا في سوق العمل، إذ تفتح التكنولوجيا آفاقًا جديدةً للتوظيف في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والتجارة الإلكترونية وغيرها من المجالات الحيوية الأخرى.
تواجه المؤسّسات في الدول العربية تحدّياتٍ على مستوى رأس المال البشري، إذ يمكن أتمتة جزءٍ كبيرٍ من الوظائف المالية مثلًا، ما يتطلّب إعادة تأهيل الموظفين المتأثّرين وتهيئتهم لأدوار جديدة في مجالاتٍ مثل تفسير البيانات وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي. من جانب آخر، يحتاج صانعو السياسات في الدول العربية إلى اتّباع نهجٍ متعدّد الأطراف لتفعيل دور الذكاء الاصطناعي، الذي يتطلّب تسريع إنشاء الحاضنات التنظيمية وتضمين الاستراتيجيات الوطنية خططًا تنفيذية جديدة.
قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو المستقبل ومن المهم توجيه الطلاب للعمل في هذا القطاع
وفي تطوّر مؤشرات البطالة في الدول العربية، وفقًا للبيانات المتاحة، فإنّ متوسط معدّل البطالة في الدول العربية، وصل إلى13 % عام 2024، مقارنة بـ12.2% عام 2023، مع عدد عاطلين عن العمل بلغ 16.4 مليونًا عام 2024، مقارنةً بحوالي 15.7 مليونًا عام 2014، أي بمعدّل نموّ بلغ 4.7%، وبمعدّل نموّ بلغ حوالي 16.1% مقارنةً بعام 2010. وتصل معدّلات البطالة، على رأسها عام 2024، في 13 دولة، فلسطين، وجيبوتي، والأردن، والسودان، والصومال، في حين تصل في بقية الدول العربية، إلى 9 دول على رأسها مصر، وجزر القمر، والسعودية، والإمارات (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2025).
وفي الختام، مما لا شكّ فيه أنّ المستقبل يتّجه نحو الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات وهناك توجّه حكومي مُتزايد يعكس الاهتمام بالاقتصاد الرقمي وأهميته، إذ إنّ قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو المستقبل. ومن المهم توجيه الطلاب للعمل في هذا القطاع الواعد، لأنّ استراتيجية بناء القدرات وإعداد الشباب لوظائف المستقبل تستهدف الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الدول العربية، ومضاعفة عدد المتدرّبين، وذلك في إطار محور عمل برنامج الحكومات في الدول العربية.
(خاص "عروبة 22")