صحافة

"المشهد اليوم"...روبيو في إسرائيل لتقديم الدعم والأنظار تتجه إلى الدوحةالإحتلال يكثف عملياته العسكرية في غزّة ويتمسك بالسيطرة على قمم جبل الشيخ الاستراتيجيّة

من زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى اسرائيل واقتحامه برفقة نتنياهو حائط البراق في القدس الشرقية المحتلة (وكالات)

حملت زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى اسرائيل العديد من الدلالات، لاسيما أنها تأتي وسط ظروف شديدة التعقيد بعد توسيع العملية العسكرية في مدينة غزة والاغتيال "الفاشل" لقادة حركة "حماس" في العاصمة القطرية، الدوحة وما سببته من حملات شجب وإدانات عربية ودولية بإستهداف دولة آمنة تلعب دور الوسيط في إرساء مفاوضات الهدنة. وعلى الرغم من إمكانية الحديث عن "تمايز" واشنطن في تقييم هذه الضربة التي طالت إحدى حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، إلا أن ذلك يبقى موقفًا "عابرًا" أمام ما حمله روبيو معه إلى تل أبيب من دعم سياسي كامل لخطط احتلال غزة وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة كما التأكيد على مواجهة الاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية.

فالزيارة هذه، التي لا يمكن أن يتم الحديث عنها دون الانتباه إلى ما يجري من أحداث وأهمها ما يتعلق بترتيبات "اليوم التالي" في غزة، خاصة أن الموقفين الاميركي والاسرائيلي يتشابهان في القضاء على حركة "حماس" وإطلاق سراح كل الرهائن الاسرائيليين كما معالجة تداعيات "هجوم قطر" على وقع القمة العربية الاسلامية الطارئة التي ستُعقد اليوم بحضور رفيع المستوى للتأكيد على أن أمن الدول العربية "خط أحمر" وأن استمرار اسرائيل في مشاريعها وغطرستها لن يبقى دون عقاب. فالانظار شاخصة إلى الدوحة وما سيخرج عنها من مواقف يُراد منها أن تكون "جريئة" و"حاسمة" وتضع حدًا للصلف الاسرائيلي الذي يتباهى بالجرائم ويتعهد بتوسيعها مهددًا أمن المنطقة برمتها. وفي هذا الإطار، بدا رئيس الوزراء وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني واضحًا حين أكد أن "الهجوم الإسرائيلي ليس اعتداء على موقع، بل على مبدأ الوساطة بحد ذاته، وهو عدوان لن يؤدي إلا لإجهاض مسار التفاوض"، مشددًا على أن ما يشجع تل أبيب "على الاستمرار بنهجها هو عجز المجتمع الدولي عن محاسبتها".

ولكن قطر، التي فتحت بابها منذ ما يُقارب العامين، لمفاوضات وقف النار وشكلت حجر زاوية في عمليات اطلاق الرهائن الاسرائيلين السابقين، تدرك أن غاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الضربة العسكرية كان وأد المباحثات وإيصالها إلى طريق مسدود، وهي لذلك قررت قلبت الطاولة والتأكيد على الاستمرار بدورها كوسيط لإنهاء القتال المستمر في غزة. ولكن الدوحة تسعى إلى زيادة الضغوط لاجبار اسرائيل على وقف حرب الإبادة كما الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية مستفيدة من التأييد العربي الواسع النطاق، حيث لفت أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى أن العدوان "جمع بين الجبن والغدر والحماقة"، داعيًا إلى "التركيز على وقف الآلة الإجرامية الإسرائيلية عن الحرب المشينة". وكانت قطر شهدت إجتماعًا تحضيريًا، أمس الأحد، لوزراء خارجية وممثلين من 57 دولة عربية وإسلامية ناقش خلاله المجتمعون مشروع بيان يعكس سبل الردّ الجماعي على الهجوم الإسرائيلي الأخير.

أما الفصائل والقوى الفلسطينية، فقد قررت توجيه رسالة مفتوحة إلى القمة المعقودة معتبرة أنها تشكل "فرصة تاريخية لإعلاء صوت الأمة وتأكيد وحدتها"، مطالبة بمواقف حاسمة "تتجاوز البيانات، لتصل إلى قرارات عملية وموحدة" ترتقي إلى "مستوى التحدي الذي يعصف بوجودنا". وتأمل هذه القوى بتفعيل أدوات الضغط العربية والاتفاق على خطة عمل من أجل وقف العدوان المتفاقم على قطاع غزة، والذي يتخذ كل يوم منحى تصعيدي أكثر حدة مع تعمد قوات الاحتلال السيطرة على المزيد من الأراضي ودفع الفلسطينيين نحو الجنوب في رحلة تهجير جديدة محفوفة بالمخاطر والتجويع وبظل إمكانيات وأوضاع مادية صعبة. وقد ركزت قوات الاحتلال في الساعات الماضية عملياتها في مدينة غزة حيث استهدفت المزيد من الأبراج السكنية والمنازل مشردة المئات من العائلات التي تجد نفسها عاجزة عن توفير البدائل. وفي هذا الإطار، جددت وكالة "الاونروا" رفع الصوت عاليًا إذ أشارت إلى أن "القطاع بدأ يتحول تدريجيًا إلى أرض قاحلة وغير صالحة للسكن البشري".

فلا مكان آمن في القطاع المنكوب رغم إدعاء اسرائيل توفير "مناطق إنسانية" في الجنوب بينما هدفها الواضح هو استكمال عملية التهجير التي تحتل سلم أولويات نتنياهو بينما تضيق فرص النجاة أمام الفلسطينيين الذين يعيشون الأمرين، فهم يريدون التمسك بمدينتهم ولكنهم يعجزون عن ذلك أمام القصف العنيف والضربات المكثفة والتي شبهها أحدهم بأنها كـ"أهوال يوم القيامة". فيما الجوع ينهش أجسادهم وفقد أحبائهم أو اعتقالهم يزيد من معاناتهم اليومية، فخلال الـ24 ساعة الماضية استشهد 53 شخصًا من بينهم 35 في مدينة غزة وحدها أما حصيلة التجويع وسوء التغذية فقد ارتفعت إلى 422 فلسطينيًا، وفق وزارة الصحة، منهم 145 طفلًا. إلى ذلك، أثار تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي السابق هرتسي هاليفي جدلًا واسعًا بعد اعترافه بأن الجيش الإسرائيلي تسبب في مقتل أو إصابة أكثر من 200 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي أكثر من 10% من سكان قطاع غزة. وستكشف الحرب بعد أن تخمد عن حقائق مفجعة وخسائر جسيمة خصوصًا أن أعداد كبيرة من الضحايا لا تزال تحت الأنقاض أو في عداد المفقودين.

ورغم التحذيرات الكبيرة التي ينقلها القادة العسكريون إلى نتنياهو والعزلة الدولية التي تتسع إلا أن الأخير لا يبدي أي إهتمام يُذكر. وبحسب "القناة 12" الإسرائيلية فإن رئيس أركان الجيش إيال زامير، أبلغ الأحد، المستوى السياسي، أن حركة "حماس" لن تُهزم عسكريًا أو سياسيًا حتى بعد احتلال مدينة غزة، متوقعًا أن تستغرق هذه العملية نحو 6 أشهر. أما "هيئة البث الإسرائيلية" فقد نقلت عن الرئيس إسحاق هرتسوغ قوله إن "الكراهية لإسرائيل ترفع رأسها القبيح، وهذا يستدعي محاربتها بكل الوسائل"، مضيفًا "أؤكد بشكل قاطع أن إسرائيل لم تشهد مثل هذا العداء". يُذكر أن التظاهرات تتسع في معظم العواصم الرافضة لاستمرار حرب الإبادة والداعية لمحاسبة تل أبيب على جرائمها الوحشية بينما يتصدى فنانون ومشهورون لتسليط الضوء على ما يجري في القطاع من عملية تطهير عرقي إلى جانب خطط الاستيطان الآخذة في التوسع بالضفة الغربية المحتلة على حساب أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وآخرها شق طريق استيطاني في أراضي "واد الجوايا"، في مسافر يطا جنوب الخليل بهدف ربط البؤر الاستيطانية المقامة في المنطقة، وتوسيع السيطرة على الأراضي، إضافة إلى محاصرة التجمعات الفلسطينية هناك.

وبينما يحارب الفلسطينيون ويتصدون لخطط اسرائيل، يستمر الحوثيون في استهداف تل أبيب، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن السلطات أغلقت المجال الجوي في منطقة مطار رامون مؤقتًا بعد اعتراض طائرة من دون طيار في منطقة وادي عربة، أطلقت من اليمن. في المقابل أعلنت الجماعة - المقربة من إيران - عن تنفيذ "عملية عسكرية نوعية بأربع طائرات مسيّرة استهدفت 3 مطارات، منها مطار رامون في منطقة أم الرشراش (إيلات)". أما المسيّرة الرابعة، بحسب الحوثيين، فطالت هدفًا عسكريًا في منطقة النقب بفلسطين المحتلة، مؤكدة أن العملية حققت أهدافها بنجاح. وتضع الجماعة هذه العمليات في إطار الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى وقف العدوان ورفع الحصار عنه. يُذكر أن جماعة "الحوثي" تهاجم إسرائيل بصواريخ وطائرات مسيرة بشكل مطرد في الآونة الأخيرة، كما تستهدف سفنًا مرتبطة بها أو متجهة نحوها، على الرغم من الضربات العنيفة التي توجهها لها تل أبيب وتستهداف مواقع حساسة وحيوية كما شخصيات قيادية.

لبنانيًا، تشهد البلاد المزيد من التعديات الاسرائيلية حيث نفّذ الطيران الحربي غارة جوية استهدفت سيارةً بصاروخين بين بلدتي تولين وبرج قلاويه ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة عدد من الأشخاص. في غضون ذلك، رُصد قيام جيش الإحتلال بعملية تدعيم لأجهزة التجسس والتنصّت المنصوبة في موقع العباد عند الأطراف الشرقية لبلدة حولا، شملت تركيب أعمدة عملاقة مخصّصة لحمل كاميرات. يتزامن ذلك مع استمرار رفض "حزب الله" لقرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح رابطًا بين هذه الخطوة والانسحاب الاسرائيلي من الأراضي التي تحتلها كما بوقف عدوانها واطلاق سراح الأسرى لديها. بينما تجد الحكومة نفسها بين نارين: نار الداخل المنقسم والخوف من تداعيات خطيرة تؤدي إلى فوضى واقتتال وبين الخارج الذي يزيد من ضغوطه ويطالب لبنان بخطوات عملية لاستعادة بسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيها. وكان وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي التقى، على هامش الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة التي تُعقد في الدوحة، نظيره الإيراني عباس عراقجي الذي أكد له أن قرار الحكومة اللبنانية واضح لجهة حصر السلاح بيدها وبسط سيادتها، فيما جدّد عراقجي موقف بلاده باحترام لبنان وعدم التدخّل في شؤونه.

ومن لبنان إلى سوريا حيث الوضع عينه بالنسبة إلى الانتهاكات الاسرائيلية والتي تزداد وتيرتها على الرغم من محاولات دمشق التوصل إلى اتفاق أمني يُعيد الأمور إلى ما كانت  عليه قبل 8 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. ولكن ما يجري على أراض الواقع يجعل ذلك معقدًا خاصة بعدما تناقلت مصادر سياسية إسرائيلية معلومات مفادها بأن تل أبيب أبلغت دمشق، خلال المحادثات الرسمية الجارية بينهما، تمسكها بالسيطرة على قمم جبل الشيخ بوصفها "موقعًا استراتيجيًا لا يمكن التنازل عنه". يأتي ذلك مع تسجيل القوات الإسرائيلية توغلًا جديدًا في بلدة "صيصون" و"سرية جملة" بريف درعا الغربي، وتنفيذ عمليات تفتيش داخل الأحياء السكنية، وفق وكالة الأنباء الرسمية "سانا" التي أوضحت أن هذا التوغل تزامن مع تحليق لطائرات استطلاع في أجواء المنطقة، وسط حالة من القلق والتوتر بين الأهالي، كما أفادت بقيام قوات الاحتلال بعمليات استجواب ميداني خلال عمليات التفتيش.

وإليكم موجزٌ بأبرز ما جاء في الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي:

رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "هذا الصلف الإسرائيلي الذي أدى لقصف دول عدة في الإقليم واستباحة الأجواء، مما يمنح مزيدًا من الشعبوية في الشارع الإسرائيلي خاصة نحو الانتخابات المقبلة في أكتوبر 2026، لكن مشاهد كرة الثلج تكبر نحو مزيد من الضغوط الدبلوماسية على نتنياهو، ومزيد من العزلة لإسرائيل". وأضافت "يبقى الرهان على سقوط سردية الديموقراطية المتحضّرة في الشرق الأوسط، نحو سردية جديدة مفادها دولة مارقة تمارس القتل على الهوية، بشكل بات اليوم الدفاع عنها مخجلًا لأقرب حلفائها، ولا أدل على ذلك من محاولة واشنطن النأي بالنفس عن الضربة الأخيرة".

من جهتها، اعتبرت صحيفة "الصباح" العراقية أنه "من الساذج أن نتصور أن اسرائيل هاجمت قطر دون علم الولايات المتحدة كما يتحدث البيت الابيض، بل إن المعلومات التي تنقلها مراكز الابحاث الاميركية تتحدث عن تنسيق كامل وتنسيق استخباراتي عسكري تم مع "سنتكام" في تنفيذ الهجوم علی قطر. كما أن الوجود الأميركي قد يحدّ من التصعيد القطري أو الإقليمي ضد إسرائيل، مما يمنح تل أبيب مساحة لمواصلة ملاحقة أهدافها"، مستنتجة أنه "يسود الاعتقاد؛ أن الهجوم علی قطر جاء في سياق لتعزيز فكرة "الشرق الاوسط الجديد" التي بشر بها نتنياهو وصولا الی شعار اسرائيلي الازلي "اسرائيل الكبری" التي تمتد من النيل الی الفرات".

صحيفة "اللواء" اللبنانية، رأت أن "مشاركة لبنان في قمة محورها عدوان إسرائيلي على دولة عربية، وهو الذي يعاني من سنوات طويلة آلاف الاعتداءات الإسرائيلية، ستكون مناسبة لشرح مخاطر ما تقوم به إسرائيل ليس على أمن لبنان واستقراره فقط، بل على أمن واستقرار كل العرب، بعدما ظهر بشكل واضح التفلّت الإسرائيلي من أي مساءلة دولية أو قرار إجرائي بحقها يردعها عن مواصلة الاعتداءات"، متسائلة "هل يستفيد لبنان من فرصة القمة بعد العدوان على قطر ليحصل على دعم إضافي، وما هي الرسائل التي سيرسلها العرب من القمة الى إسرائيل أولا والى الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة ودول العالم. وأي إجراء عملي يمكن أن يتخذه العرب لردّ اعتبارهم؟".

أما صحيفة "القدس العربي"، فقالت "لقد تحوّلت إسرائيل إلى دولة إرهاب ودولة مارقة دوليًا"، لافتة إلى أنه "هناك إجراءان مهمّان يمكن الشغل عليهما في الطريق إلى ردع أكبر لإسرائيل، الأول إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية الثلثين تعليق عضوية إسرائيل حتى رفع حصارها الإبادي على غزة، وهو قرار يستند إلى سابقة تعليق عضوية جنوب افريقيا خلال حقبة نظام الفصل العنصري، وهو قرار لا تملك الولايات المتحدة حق نقضه، والثاني هو إعلان الدول العربية الموقعة على "اتفاقيات أبراهام"، وهي البحرين والمغرب والإمارات والسودان، تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل حتى انتهاء حصار غزة وقبول دولة فلسطين في الأمم المتحدة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن