صحافة

"المشهد اليوم"... الاحتلال يتوغل في غزّة وأوروبا تدرس "معاقبة" إسرائيل الشرع يلمح لاتفاق وشيك مع اسرائيل والسعودية وباكستان توقعان "اتفاق دفاع استراتيجي"

نازحون فلسطينيون يتجهون جنوبًا على طريق في منطقة مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة. (أ ف ب)

تبرز غزّة في الأحاديث والتصريحات الاسرائيليّة على أنها "حق مكتسب لهم" وهم تارة يعلنون عن تهجير أهلها إلى دول أخرى وطورًا أخرى يتحدثون عن مخططات تقسيمها وتوزيع أراضيها بإعتبارها "غنيمة عقارية". فمنذ التصريح "الصادم" للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه الأول برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بعد فترة وجيزة من عودته إلى البيت الأبيض، حيث كشف اللثام عن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" و"شهية" تل أبيب للإحتلال والسيطرة في إزدياد خاصة أنها تستند على "الضوء الأخضر" الممنوح لها من واشنطن، التي فقدت دورها كوسيط "محايد" في حرب الإبادة المستمرة منذ ما يُقارب العامين.

ويمكن هنا القول إن الولايات المتحدة لم تكن يومًا طرفًا محايدًا إذا ما تعلق الأمر بإسرائيل "حليفتها"، ولكن اليوم تشهد الأمور المزيد من التنسيق والتعاون وغض البصر عن مخططات نتنياهو في غزة والضفة الغربية ومنحه "عفوًا" أميركيًا عما تقدم عليه تل أبيب في سوريا ولبنان واليمن كما قطر، التي استطاعت انتزاع تأييد مجلس الأمن برفض الهجوم عليها ولكن دون ذكر اسرائيل، فقد تم تجريم الفعل ولكن بقي الفاعل (المعروف) مجهولًا، وهذا ما يعطيها المزيد من "الثقة" للاستمرار بما تخطط له طالما أن العقاب لا يزال بيانات وتصريحات شجب لم ترقَ إلى أي أفعال حقيقية بعد، ما عدا بعض الخطوات الأوروبية الداعمة عبر الاعلان المتزايد عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة المزمع عقدها خلال الشهر الحالي.

ولكن هذه الخطوات "الرمزية" لا يمكن أن توقف القضم الاسرائيلي المستمر لأراضي القطاع، لاسيما أنها حددت وفق خرائطها 12% فقط من مساحة غزة ككل كمراكز "إيواء" للفلسطينيين الذين يفرون من المجهول إلى المجهول، حيث لا مناطق "آمنة" مع استهداف القوات الاسرائيلية حتى منطقة المواصي في خان يونس ورفح، والتي تعرضت لأكثر من 109 غارات جوية وقصف متكرر. ورغم صمود مليون فلسطيني في بيوتهم في مدينة غزّة وشمالها، بحسب ما اعلن المكتب الحكومي في القطاع، إلا أن الأوضاع تتجه للمزيد من العنف والقصف المروّع بعد إعلان الجيش الاسرائيلي عن تعميق عمليته العسكرية وشنّه غارات عنيفة شملت أهدافًا بينها مستشفيات، ما أسفر هذا عن مجازر متنقلة بحق المدنيين. تزامنًا، اشارت وكالة "رويترز" إلى تقدّم الدبابات لمسافات قصيرة باتجاه المناطق الوسطى والغربية للمدينة من 3 اتجاهات، ولكنها لم تتحدث عن تقدم بري كبير. هذا ويبدو أن عودة المباحثات رهنٌ بما يتفق عليه وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، حيث من المتوقع أن يلتقيا في العاصمة البريطانية، لندن، بحسب ما ذكر موقع "أكسيوس" لمناقشة إمكانية استئناف المفاوضات بشأن صفقة شاملة.

في غضون ذلك، تستمر التنديدات الدولية والمناشدات الأممية وسط مخاوف من إزدياد أعداد الوفيات الناجمة عن التجويع وسوء التغذية وغياب الامكانيات الطبية اللازمة. وعبّرت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ بشأن نفاد المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات في شمال قطاع غزّة، حيث يعاني مئات الآلاف من السكان من المجاعة بالفعل، بعد أن أغلقت إسرائيل معبر زيكيم، الوحيد هناك، الأسبوع الماضي. أما وكالة "الأونروا"، فقد حذّرت من أن الاحتلال يمنع منذ 7 أشهر مساعداتها من الدخول لغزّة، مشيرة إلى أن الحاجة ماسة لإدخال الإمدادات الإنسانية لسكان القطاع. فعلى الرغم من توثيق "المجاعة" والإعلان عن ممارسة الاحتلال الابادة الجماعية، إلا أن ذلك لم يحرك ساكنًا ما يكشف مدى عجز المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية عن وقف حمام الدم السائل والذي يستهدف الأطفال والنساء في الدرجة الاولى، خصوصًا أن الأعداد المعلنة للوفيات لا تزال "تقريبية" وبحاجة إلى تدقيق.

فإستمرار وجود ضحايا تحت الأنقاض وحالات الاختفاء القسرية تجعل الحصيلة النهائية غير واضحة، بينما تعمّد اسرائيل بشكل منهجي إلى طمس هوية غزّة ومعالمها، وفق العديد من المحللين والمراقبين. هذا ناهيك عن توظيفها مليشيات في قطاع غزة لتنفيذ مهام عسكرية مقابل رواتب وسيطرة على أراض، بحسب ما أفادت به صحيفة "هآرتس"، التي ذكرت أن إحدى تلك المليشيات تنحدر من عائلة أبو شباب ويشغلها الجيش وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وهي مخولة بحمل السلاح. وتأتي كل هذه التطورات الميدانية وسط محاولات سياسية من قبل المفوضية الأوروبية لاتخاذ اجراءات بحق تل أبيب، وهو ما رفضت أن تضعه مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد كايا كالاس في إطار معاقبة إسرائيل، مؤكدة أن الهدف هو تحسين الوضع الإنساني في غزة. ورغم طرح هذه الدول خطوات تصعيدية، إلا أن عدم وجود اجماع بينها والتضارب في وجهات النظر يحول دون أن يكون هناك مواقف حاسمة. 

في المقابل، برزت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى العاصمة الأردنية، عمان، واللقاء الذي جمعه بالعاهل الملك عبدالله الثاني في توقيت سياسي شديد التعقيد نتيجة ما تمرّ به المنطقة العربية من تحديات جسيمة، وآخرها الهجوم الاسرائيلي على قادة "حماس" في الدوحة. وتحمل الزيارة العديد من الدلالات والمعاني وتعكس عمق الروابط بين البلدين اللذين جدّدا دعمها للقضية الفلسطينية إىى جانب الدعوة لادخال المساعدات فورًا إلى القطاع المنكوب. وتتأثر الأردن بما يجري ولاسيما أنها تتخوف من مخططات التهجير التي تعمل عليها اسرائيل على قدم وساق. وسبق لها ان رفضت كل التصريحات بشان استقبال الفلسطينيين على أرضها معتبرة ان ذلك "خط أحمر"، وهي تتشارك نفس الرؤية مع مصر، التي تشهد العلاقات بينها وبين تل ابيب تصعيدًا مستمرًا غداة التأكيد على عدم فتح معبر رفح ليكون نقطة لتهجير سكان غزّة إلى خارجها. في إطار متصل، تواصل حكومة نتنياهو عمليات الهدم والتشريد بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والأغوار وصولًا إلى النقب جنوبًا. 

ما تفعله اسرائيل في غزة والضفة الغربية من اعتداءات مشنية وانتهاكات خطيرة تدركها سوريا التي لم تخرج بعد من أتون الحرب الدامية التي مزقت البلاد في وقت اغتنمت تل أبيب الفرصة لزيادة توغلاتها وعملياتها العسكرية في الجنوب السوري على وقع الاستهداف الدائم لمقرات الأمن السابقة وتجريد دمشق من سلاحها. ولكن "الجهود" الأميركية يمكن أن تسهم في فتح ثغرة ما في جدار العلاقات، حيث ألمح الرئيس أحمد الشرع إلى أن المفاوضات الأمنية الجارية مع إسرائيل قد تؤدي إلى نتائج خلال الأيام المقبلة. وإذ اعتبر أن نجاح التفاهمات الأمنية قد يفتح الباب أمام اتفاقات أخرى، شدّد على أن "السلام والتطبيع ليسا مطروحين على الطاولة الآن"، رافضًا الحديث عن ضغوط مباشرة تقوم بها الولايات المتحدة على دمشق للتوصل إلى اتفاق، واضعًا إياها في إطار لعب "دور الوسيط في المحادثات". هذا وكان موقع "أكسيوس" تحدث عن لقاء ثالث سيجمع في لندن بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بهدف بحث ترتيبات وقف التصعيد استنادًا إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.

في سياق متصل، أعلنت الرئاسة السورية عن استقبال الرئيس الشرع، في دمشق، رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم قالن، حيث بحثا تطورات الاتفاق مع قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وأكدا على وحدة الأراضي السورية وسلامتها. وأتت هذه الزيارة بعد ساعات من إعلان دمشق عن التوصل إلى خريطة طريق بشأن حل الأزمة في محافظة السويداء، جنوب سوريا، بجهود مكثفة من قبل الأردن والولايات المتحدة. وكانت تركيا أعلنت عن ترحيبها بهذه الخطوة آملة في أن تسهم بـ "الحفاظ على الهدوء وإرساء الاستقرار وعدم تكرار الاشتباكات". وتلعب أنقرة منذ سقوط النظام السابق دورًا محوريًا في سوريا خاصة أنها تعتبر نفسها شريكًا استراتيجيًا في عملية إزاحة بشار الأسد عن السلطة، مما يثير انتقادات داخلية وخارجية، على حدّ سواء، نتيجة دورها المتعاظم والذي لا يقف عند الحدود السياسية بل يتعداه إلى المجالات الاقتصادية والعسكرية والاستثمارية والثقافية والاجتماعية وغيرها.

ومن سوريا إلى لبنان، الذي ينتظر ما ستؤول اليه المباحثات الجارية على أكثر من صعيد خاصة في ما يتعلق بموضوع نزع سلاح "حزب الله" مع إحياء الذكرى الاولى لاغتيال أمينه العام حسن نصرالله. وهذه المناسبة التي ستشكل فرصة لتجديد رفض التسليم والتمسك بخيار المقاومة، فيما تشهد البلاد انقسامًا حادًا حول هذا الموضوع الحساس والذي يأتي في لحظة حرجة مع استمرار التعديات الاسرائيلية والخرق اليومي لاتفاق وقف النار. فخلال الساعات الماضية نفذّ الطيران الحربي الاسرائيلي غارة استهدفت سيارةً في مدينة بعلبك، شرق لبنان، ما أسفر في حصيلة غير نهائية عن سقوط قتيلين. وفجر أمس، واصلت قوات الاحتلال عدوانها حيث نسفت منزلًا غير مأهول عند أطراف بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان. كما نفّذ الجيش الإسرائيلي تمشيطًا من موقع رويسات العلم باتجاه أطراف كفرشوبا.

على صعيد أخر، عُقدت مباحثات سعودية ايرانية في الرياض، حيث بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني العلاقات الثنائية بين البلدين ومستجدات الأوضاع الإقليمية. وتشهد العلاقة بين البلدين تحسنًا ملحوظًا في الآونة الاخيرة مما يسهم في الحدّ من التوترات خاصة أن طهران اليوم تواجه ظروفًا استثنائية بعد حرب الـ12 يومًا مع اسرائيل إلى جانب ما أصاب محورها من تضعضع وتراجع منذ أحداث 7 تشرين الاول/أكتوبر 2023. إلى ذلك، أكدت ألمانيا أن "الكرة ما زالت في ملعب إيران" بعد أن أجرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا محادثات هاتفية مع الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي. وقال الناطق باسم الخارجية الألمانية إن عرض القوى الأوروبية الثلاث (الترويكا) "بحث تمديد مؤقت لآلية الزناد (سناب باك) إذا استوفت إيران شروطًا معيّنة، ما زال مطروحاً"، لكنه أضاف "في هذه المرحلة، لم تكن الخطوات التي اتخذتها إيران كافية".

في المستجدات أيضًا، وقّع ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف "اتفاق دفاع إستراتيجي مشترك بين البلدين". وقال بيان، نقلته وكالة الأنباء السعودية "واس"، إن الاتفاقية تأتي في إطار "سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم"، كما تهدف إلى "تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء". ونقلت "رويترز" عن مسؤول سعودي كبير قوله إن "الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان تعكس تعاونا طويل الأمد بين البلدين وليست استجابة لأحداث محددة".

وهنا أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم من تحليلات وعناوين:

عن قمة الدوحة، كتبت صحيفة " عكاظ" السعودية أن "القمم التي شهدتها الدوحة لم تكن مجرد لقاءات بروتوكولية، بل تحوّلت إلى منصة لإعادة التذكير بأن الغطرسة الإسرائيلية بلغت حدّاً غير مسبوق من التمادي، وأن استهداف الدوحة ليس سوى فصل جديد في سياسة توسعية متغطرسة تهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأسرها". وأضافت "إن الرسالة التي خرجت من قطر إلى العالم كانت واضحة ومباشرة: لن يُسمح لإسرائيل بالتمادي أكثر في سياساتها العدوانية، ولن يقف العرب مكتوفي الأيدي أمام محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة".

صحيفة " الدستور" الأردنية، جددت التأكيد على أن الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الدوحة "لا يمكن فصله عن مسار التصعيد المتواصل منذ عامين في غزة والضفة الغربية، حيث تحولت السياسات الإسرائيلية إلى مشروع ممنهج للتهجير والتقسيم وفرض الهيمنة بالقوة، وعليه فالرد العربي يجب أن يكون بحجم هذا التهديد"، معتبرة أنه "لقد حان الوقت لمراجعة الأدوات العربية في مواجهة إسرائيل، التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، من استباحة الدم الفلسطيني، إلى تهديد أمن دول عربية مستقرة، والتحدي لم يعد يخص دولة بعينها، بل يطال الجميع، وهو ما يستدعي مواقف موحدة وخطوات عملية"، بحسب قولها.

أما صحيفة " النهار" اللبنانية فإعتبرت أنه "مع رهان نتنياهو على أن ترامب لن يذهب إلى حدّ الانقلاب عليه، فإن خناق العزلة من قبل الحلفاء الأوروبيين بدأ يتحوّل إلى مصدر للشكوى في إسرائيل. وهذا اتجاه سيتعزّز مع قرار مرتقب للاتحاد الأوروبي بفرض مزيد من العقوبات التجارية، في وقت تهبط فيه الأسهم في بورصة تل أبيب منذ الإعلان عن بدء الهجوم البري قبل يومين"، مؤكدة أن "احتلال مدينة غزة فصل عبثي آخر في الحروب الأبدية، التي تعمّق نكبة الفلسطينيين وتؤجج التوترات في الشرق الأوسط".

من جانبها، أشارت صحيفة " اللواء" اللبنانية إلى أنه "لا بد من قراءة مترويّة للزيارة الفرنسية إلى لبنان وأهدافها، التي قد لا تصل إلى حد إعلان خريطة طريق دولية لدعم لبنان، كما يحاول البعض تصويرها، باعتبار أن المجتمع الدولي لن يكتفي بـ"مبادرات حسن النية"، بل ينتظر إجراءات ملموسة، سواء على مستوى حصرية السلاح، أو ​الإصلاحات الاقتصادية​ والمالية"، موضحة أنه "يمكن استخلاص نتيجة واحدة مما يجري عمليًا على مستوى الزيارات وتوخي نتائجها عبر تبادل الأدوار، ان شعارات المستقبل بلبنان مزدهر لا تبدو حقيقة إذا ما تلازمت الرؤية الدولية مع النوايا الإسرائيلية، وان نزع السلاح ليس سوى مدخلا للإخضاع والارتهان".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن