تخوض اسرائيل الحرب على عدة جبهات مستندة إلى المقولة التي يتبناها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومفادها أن "السلام من خلال القوة". فعلى ركام منازل الفلسطينيين واحتلال مدينة غزة وتهجير سكانها وعبر الانتهاكات اليومية للسيادة اللبنانية والتمدّد في الجنوب السوري كما الغارات التي تستهدف أهدافًا حيوية لجماعة "الحوثيين" في اليمن، تُبشر تل أبيب بأنها تصنع "السلام" وتحارب "الارهاب والارهابيين". فهي التي وضعت نفسها "شرطيًا" على المنطقة لتفتيتها وإعادة تشكيلها بما يتوافق مع "اسرائيل الكبرى" التي تعد لها العدة لتحويلها إلى واقعٍ ملموسٍ مستفيدة من العجز الدولي والعربي وتآكل قوانين المحاسبة والعقاب وبروز الولايات المتحدة كقوة مساندة لها.
وليس أدل على هذا الدعم إلا حق النقض (الفيتو) الذي تستخدمه واشنطن في مجلس الأمن كل مرة لإجهاض أي مشروع لوقف الحرب في غزة، رامية الطابة في ملعب حركة "حماس" التي تحملها مسؤولية "عدم وصول المساعدات إلى محتاجيها في غزة واستخدام المدنيين كأدوات لتحقيق أهدافها"، وفق ما جاء على لسان ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مورغان أرتاغوس التي برّرت رفض مشروع القرار بحجة أنه "يساوي بين إسرائيل و"حماس"، ولا يعترف بالواقع على الأرض"، وفق تعبيرها. وهذه هي المرة السادسة التي تعطل فيها واشنطن أي قرار يتعلق بوقف مأساة غزة منذ بدء الحرب قبل عامين مستخدمة المزاعم الاسرائيلية عينها بينما تتزايد انتقادات الدول الأوروبية لممارسات تل أبيب، حيث أكدت ممثلة الدانمارك كريستينا ماركوس لاسن، في كلمة ألقتها نيابة عن عدة دول، "إن المجاعة في غزة حقيقة واقعة"، مشيرة إلى أن هذه الدول تطالب بإدخال المساعدات للقطاع فورًا.
الموقف الأميركي "غير المستغرب" يأتي على وقع معلومات وتقارير تحدثت عن منح البيت الأبيض "مباركته" لعملية احتلال مدينة غزة ولكنه طالب بأن تكون "سريعة وحاسمة" بعدما اقتنع بأن القضاء على "حماس"، بحسب ما يروج له نتنياهو، يكون بالسيطرة على المدينة التي تضم ما يُقارب المليون و200 فلسطيني يواجهون خطر النزوح المضني والقصف المروّع بينما شهادات الذين ينتقلون إلى مناطق الجنوب تتحدث عن المخاطر المرافقة والحرب النفسية الموازية التي يشنّها الاحتلال إلى جانب القصف المرّكز والتدمير المنهجي بظل ارتفاع حاد في تكلفة التنقل وتواصل اغلاق المعابر، الأمر الذي يفاقم المعاناة خاصة أن حصيلة التجويع في ارتفاع مطرد. وعلى الرغم من بقاء عدد كبير من الفلسطينيين في مدينة غزّة رافضين الخروج منها، واصل الجيش نسف منازل وبنايات سكنية باستخدام عربات مفخخة وسط تقدم بري محدود.
هذا وأورد تقرير مطول نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل"، أمس، أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير طوَّر خطة لـ"اليوم التالي" لانتهاء الحرب في قطاع غزة، تقوم على تشكيل هيئة دولية مؤقتة وقوات دولية ومحلية متعددة الجنسيات، لحين نقل المسؤولية للسلطة الفلسطينية. واستند التقرير عينه إلى تصريحات من أربعة مصادر مطلّعة قالت فيها إن الرئيس ترامب منح تفويضًا كاملًا لبلير بحشد الأطراف الإقليمية والدولية للاقتراح الذي لم يحظى بعد بموافقة كاملة من البيت الأبيض ولا من الدول العربية. وينص الاقتراح على إنشاء سلطة غزة الانتقالية الدولية (GITA) إلى جانب سلسلة من الهياكل التابعة لها. وكان بلير قد دخل على خط الحرب في غزة عبر صهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي شغل منصب كبير مستشاريه خلال ولايته الأولى. وهذه الخطة "الجديدة" تضاف إلى المخططات الاميركية الاسرائيلية بعد التصريحات "المستفزة" لوزير اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي قال "إن إسرائيل دفعت أموالًا طائلة لهذه الحرب، لذا يجب تحديد كيفية توزيع عائدات بيع الأراضي" في غزّة التي اعتبرها "فرصة ذهبية في مجال العقارات". وأضاف: "أتممنا مرحلة الهدم، وهي عادةً أولى مراحل إعادة الإعمار. الآن يجب البناء؛ فهو أرخص بكثير".
والتباهي بالهدم وتوزيع الأرباح يأتي عبر التهجير الذي تضعه حكومة نتنياهو أولوية قصوى معتقدة أنها ستحقق "أرباحًا" سياسية واقتصادية من خلال ذلك، بينما الواقع أنها تشهد المزيد من عمليات الفصائل الفلسطينية ضدها والتي أودت أمس، الخميس، بحياة 4 ضباط أحدهم برتبة رائد و3 برتبة ملازم وإصابة 3 جنود بانفجار عبوة ناسفة في رفح جنوبي القطاع. فيما قُتل جنديان إسرائيليان في إطلاق نار عند معبر "اللنبي" الحدودي مع الضفة الغربية على يد عامل مساعدات أردني كما أصابت مسيّرة أُطلقت من اليمن فندقًا بشكل مباشر في إيلات جنوبي إسرائيل ما أدى إلى اندلاع النيران. وهذا اليوم "العصيب" على تل أبيب يأتي بينما توعدت قيادة "كتائب القسام"، في بيان، بحرب استنزاف يدفع فيها الاحتلال ثمنًا باهظًا في مدينة غزة، وقالت:"إن بدء العملية البرية وتوسيعها يعني أن إسرائيل لن تحصل على أي أسير حي أو ميت". وهو ما يتفق مع تحذيرات القيادة العسكرية الاسرائيلية التي حذّرت مرارًا وتكرارًا من مخاطر احتلال مدينة غزة والعواقب المحتملة لذلك، إلا أن نتنياهو قرر السير بالمخطط دون أي اكتراث لحياة الرهائن، وهو ما دفع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الحليف الوثيق لاسرائيل، إلى الاعتراف بأن "إجراءاتها في قطاع غزة لا تتناسب مع أهدافها المعلنة" رغم رفضه تسمية ما يجري بـ"الابادة الجماعية".
وفي خطوة لها دلالات كبيرة على مستوى العزلة التي تواجهها تل أبيب والآخذة في التوسع، طرح أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي أول قرار في المجلس يحث على الاعتراف بدولة فلسطينية. وعلى الرغم من صعوبة إقرار هذا الإجراء الذي يقوده الديمقراطيون في المجلس الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية 53 صوتاً مقابل 47، إلا أنه يشكل سابقة من نوعها يمكن أن يُبنى عليها الكثير في المستقبل. وكان ترامب، الذي اختتم زيارة دولة إلى بريطانيا، أعلن أنه يختلف مع رئيس وزرائها كير ستارمر، بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فجدّد القول بأن هذا الاعتراف "يُعتبر أفضل طريقة لعزل حركة "حماس"، مؤكدًا بأنه كان يرغب بزيارة إسرائيل قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لشرح موقفه، لكن السلطات في الدولة العبرية رفضت زيارته.
ومن مستجدات غزّة التي تحتل صدارة الأحداث إلى سوريا التي تشهد حراكًا سياسيًا مستمرًا وذلك بسبب الضغوط الأميركية الممارسة من أجل إبرام اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب قبل نهاية هذا الشهر، حيث يأمل ترامب بأن يستعرض ذلك كـ"انجاز" جديد له. ولكن المعطيات تشير إلى اختلاف حاد في وجهات النظر رغم حصول بعد تقدم في المحادثات التي استمرت 5 ساعات بين وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون دريمر في العاصمة لندن بحضور المفوض الأميركي توم برّاك، خاصة أن المطالب الاسرائيليّة تعتبر بمثابة انقلاب على اتفاق فض الاشتباك الذي أسهم في فرض هدنة بالجولان منذ عام 1974. ولم تقدم بعد السلطات السورية ردها على المقترح الاسرائيلي الذي يرفض، التنازل عن قمة جبل الشيخ الاستراتيجية من ضمن بنوده، كما ينص على تشكيل منطقة منزوعة السلاح شرق المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، يحظر فيها تواجد القوات العسكرية والأسلحة الثقيلة، من دون أن يحدد حجم المنطقة. كما يتضمن توسيع المنطقة العازلة في منطقة القنيطرة، بمقادر 2 كيلومتر داخل الأراضي السورية، على أن تبقى تحت إشراف قوة "الإندوف" الأممية.
بدوره، كشف مصدر رسمي بدمشق لوكالة الصحافة الفرنسية أن "سوريا وإسرائيل ستُبرمان اتفاقيات متتالية قبل نهاية العام الحالي"، موضحًا أن الجانبين يريدان التوصل إلى اتفاق "يوقف الأعمال العسكرية داخل سوريا، ولاحقًا اتفاقات تعود بالنفع على السوريين". في سياق متصل، حطّ الشيباني في واشنطن كأول وزير خارجية يزورها منذ 25 عامًا حيث على أجندته الرئيسية رفع عقوبات "قانون قيصر". ونقل موقع "أكسيوس" في وقت سابق عن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام قوله إن وزير الخارجية السوري سيجتمع خلال الزيارة مع مشرّعين أميركيين لمناقشة هذا الموضوع كما، بحسب المعلومات المتداولة، سيكون له لقاء مع نظيره الأميركي ماركو روبيو اليوم، الجمعة. وتترافق الزيارة مع تسريح "بشكل مفاجىء" لبعض من أكبر الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في "منصة سوريا الإقليمية" ومقرها إسطنبول. في حين تسعى واشنطن إلى دمج حلفائها الأكراد في سوريا، أي قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مع الإدارة المركزية في دمشق تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع. إلى ذلك، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أنه سيتنحى "في المستقبل القريب" بعد أكثر من 6 سنوات "لاسباب شخصية"، واصفًا، في الإطار ذاته، التدخل الإسرائيلي في سوريا بـ"غير المقبول".
الحدث الأكبر أمس، الخميس، جاء لبنانيًا مع تصعيد عسكري اسرائيلي شديد الخطورة بعدما استهدفت قوات الاحتلال 5 بلدات جنوبية. وكان الجيش الإسرائيلي وجه انذارات بقصف أبنية في الشهابية وبرج قلاويه جنوب لبنان، بعد موجة من الغارات التي شملت ميس الجبل وكفرتبنيت وتبنين. وغداة هذه الضربات، قال المتحدث بإسمها بأنه جرى استهداف مخازن أسلحة لـ"حزب الله" وبنى تحتية. ويتزامن هذا العدوان والخرق المستمر لاتفاق وقف النار مع اقتراب الذكرى الأولى للحرب التي خاضتها إسرائيل ضد لبنان والتي أدت إلى مقتل قيادات رئيسية في الحزب وأبرزهم الأمين العام السابق حسن نصرالله. بدوره، دعا رئيس الوزراء نواف سلام المجتمع الدولي إلى ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها فورًا. وقال، خلال جلسة لمجلس الوزراء إن "لبنان متمسك بمسار وقف الأعمال العدائية، لكن أين التزام إسرائيل بهذه الآليات؟". وبعد وقت قصير من التصعيد الإسرائيلي، أعلن الجيش اللبناني، في بيان، تسجيل 4500 خرق منذ اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مشددًا على أن هذه الخروق تعيق انتشاره في الجنوب.
على المقلب الآخر، يصوّت مجلس الأمن الدولي، اليوم الجمعة، على إعادة فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، بعدما فعّلت دول "الترويكا"، أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، "آلية الزناد" المنصوص عليها في اتفاق 2015، في حين أوضح الرئيس الفرنسي أن عقوبات الأمم المتحدة ستفعّل بحلول نهاية الشهر الحالي، متهمًا طهران بأنها "ليست جادة في محادثاتها مع القوى الأوروبية لتجنب ذلك". يُشار إلى أن وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاثة كانوا أبلغوا نظيرهم الإيراني، في وقت سابق، بأنهم ما زالوا بانتظار خطوات ملموسة من الجانب الايراني لمنع إعادة فرض العقوبات الدولية عليها.
وإليكم أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم الجمعة:
كتبت صحيفة "الوطن" القطرية بأن "دولة الاحتلال الإرهابية قصفت سوريا ولبنان واليمن والعراق وتونس وإيران.. وارتكبت أبشع جرائم الاغتيالات في كل دول العالم تقريبا وهي واثقة من أنها فوق المحاسبة الدولية. لم يدفع الكيان المحتل أحد إلى ارتكاب هذه الجرائم شيء مثل يقين قادة الحكومة المتطرفة بأنهم لن يحاسبوا". وأضافت "لا يُخفى على أحد اليوم أن الكيان المحتل لا يستهدف الفلسطينيين فقط بل يستهدف إخضاع كامل المنطقة العربية في المشرق. وهو مشروع لا يستعدي الشعوب والمجتمعات بل يستهدف الأنظمة من أجل تسهيل مشروع إسرائيل الكبرى الذي أصبح الساسة الإسرائيليون يعرضونه في العلن".
وأشارت صحيفة "النهار" اللبنانية إلى ان "الرّد الإسرائيلي المتوقع على الاعترافات بفلسطين سيكون إعلانًا بضم أجزاء من الضفة الغربية أو حتى ضمها كلها. ومجددًا، ستضع خطوة إسرائيلية كهذه العلاقات بين أميركا وحلفائها على محك الاختبار"، موضحة أن "ترامب لا يتوقف عند التبدلات السلبية الحاصلة في الرأي العام الأميركي، ولا سيما الجيل الشاب، في النظرة إلى إسرائيل، ولا يزال يعير آذانًا صاغية لصقور الحزب الجمهوري المعجبين بنتنياهو".
الأمر عينه تحدثت عنه صحيفة "الخليج" الاماراتية التي لفتت إلى أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تدركان أنهما لن تستطيعا وقف الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن هنا توظيف الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن وإلغاء مخيمات اللاجئين وأي دور لوكالة "الأونروا" وتسريع عملية الاستيطان في المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية"، معتبرة أن كل هذه "الظروف الداخلية الفلسطينية، والإسرائيلية، والبيئة الإقليمية والدولية هي الأنسب للتخلص من "العقدة" الفلسطينية وغلق ملف القضية. وهذا هو الهدف الاستراتيجي للحرب على غزة وتداعياتها في الضفة الغربية بتسريع الاستيطان".
من جهتها، حذّرت صحيفة "الأهرام" المصرية من أن "ما يحدث لجهة بدء تنفيذ مخطط التهجير لأهل غزة من أرضهم سيؤدي إلى انهيار منظومة السلام في الشرق الأوسط التي تبنتها الولايات المتحدة قبل قرابة خمسة عقود ومع هذه العمليات الكارثية في قطاع غزة فإن أي تهجير ستكون له تداعيات خطيرة على أوروبا والعالم، فمصر لديها 9 ملايين لاجئ يعيشون على أرضها ولن تتحمل أي أعداد إضافية"، مشددة على أن "منطقة الشرق الأوسط تمر بمنعطف خطير ولحظات فارقة بسبب ما ترتكبه دولة الإرهاب إسرائيل من جرائم وتستبيح أراضي وسيادة الدول دون محاسبة أو ردع لها بحجج وذرائع واهية لا تقنع أحدا حول العالم، وهو ما يهدد بالفعل اتفاقيات السلام الحالية التي بدأت مع مصر في عام 1979 ثم الأردن وباقي الدول التي انضمت للتطبيع".
(رصد "عروبة 22")