التهور الإسرائيلي يطال الصين

 لا يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إيجاد الذرائع الواهية لتبرير جرائمه الصادمة في غزة وتهديده الخطير لأمن المنطقة. ورغم ادعائه المستمر بأنه يحقق الانتصار تلو الآخر ويلوّح بتغيير خريطة الشرق الأوسط، إلا أن واقع الحال يؤكد أنه يقود إسرائيل إلى ورطة استراتيجية ومنعطف تاريخي دونه المجهول، والعبرة النهائية ستكون بالنتائج لا بالجعجعة أثناء المعركة.

بعد عدوانه السافر على دولة قطر، وبالتزامن مع انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، استشعر نتنياهو أنه سيواجه قريباً عزلة خانقة، وأطلق على إسرائيل اسم "سوبر إسبرطة"، وهي مدينة يونانية قديمة تميزت بتفوقها العسكري وانعزالها عن محيطها، لكن نهايتها كانت مدمّرة بعد أن لحقت بها هزيمة مدوية على يد عسكر طيبة في معركة ليوكترا واضمحلت بعدها إلى الأبد، والشاهد الذي ذكره نتنياهو، ثم حاول تداركه لاحقاً، ينطبق على إسرائيل وما تشهده من نفور دولي غير مسبوق من سياستها المتطرفة واعتداءاتها التوسعية في المنطقة، وهو ما يضعها أمام تحديات جيوسياسية لا حد لها، رغم غرورها المفرط وتعويلها على الدعم الأمريكي الذي لن يدوم، وفق ما تؤكد كل المعطيات الاستشرافية لمستقبل هذا النظام الدولي المتهالك، ونجاح إسرائيل الباهر في صناعة الأعداء والخصوم في كل مكان والانقلاب الكبير في الرأي العام العالمي، والغربي خصوصاً، على السرديات الإسرائيلية المشروخة التي بدأت تنكشف حقائقها تباعاً مع كل جريمة ضد الإنسانية يشهدها قطاع غزة.

التهوّر الإسرائيلي وما يتسم به من غرور جنوني واستكبار انتحاري لا يبدو أنه محصور في المنطقة، بل ها هو يبلغ الصين، القوة العظمى الجديدة الصاعدة، فقد اتهم نتنياهو الصين ودولاً أخرى بأنها "تستثمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي" لفرض "حصار معلوماتي" على إسرائيل. ومثلما هو متوقع فقد جوبه هذا الادعاء بتوبيخ صيني صارم تضمن تقريعاً بأن ما ينقص تل أبيب حالياً ليس حروباً بلا نهاية وقصفاً لا حد له، بل "ذكاء سياسي" تفتقده نخبتها التي بالغت في التطرف والاستهانة بالعواقب، وقد تقودها هذه الرعونة إلى فتح "جبهة" مع الصين، ليس لمواجهتها، وإنما لاستدرار مزيد من الدعم الأمريكي واستجلاب التعاطف من كبرى شركات التكنولوجيا الغربية التي تخوض حرباً متعددة الميادين مع أقطاب التكنولوجيا الصينية المتقدمة.

الحرب الإسرائيلية المفتوحة في غزة والتهديدات المباشرة لأمن دول المنطقة، تعتمد في كثير من تفاصيلها على الخدع التقنية والسياسية والمراوغات والغدر بكل أشكاله، وتحاول أن ترسم صورة قوة غاشمة لا يمكن قهرها ولا تسلم من شرها حتى الدول الكبرى، ولكن الحقيقة أن إسرائيل بهذا السلوك لا تنتصر، بل تغرق في مأزق استراتيجي لن تستطيع رسم حدوده، طالما لم تقلع عن هذه السياسة أو تتجنب المواجهة المفتوحة ضد المجتمع الدولي بأسره، خصوصاً في هذا التوقيت، الذي يشهد إعادة رسم خرائط العالم، ومنها الشرق الأوسط، ليس وفق الرؤية الإسرائيلية المزعومة، وإنما بناء على مقتضيات المرحلة التاريخية التي تشهد تغييراً عميقاً يمهّد لبناء نظام دولي جديد قد يكون أكثر عدالة وتقويضاً للمظالم الكبرى.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن