التطورات الراهنة بما فيها من انسداد في الأفق السياسي وعدم وجود فرصة حقيقية مطروحة لوقف إطلاق النار في غزة، وبدء المسار السياسي، تجبر سكان قطاع غزة على الهجرة الطوعية إلى خارج القطاع، في ظل الضغوطات الإسرائيلية، واستمرار العمل العسكري والاتجاه إلى احتلال مدينة غزة وقرب تنفيذ العملية البرية، الأمر الذي سيكون له تأثيرات حقيقية على تنفيذ المخطط الإسرائيلي.
وقد أقدمت الحكومة الإسرائيلية على المضي في مسارها العسكري وسرعة تكثيف تنفيذ المخطط الإسرائيلي المعلن منذ بداية الحرب على قطاع غزة، الأمر الذي سيكون له تداعيات مؤثرة في المدى القصير، وتصميم إسرائيل على ضرورة تسليم حركة "حماس" بالواقع الراهن وتسليم كل المحتجزين والخروج من القطاع، ما يشير إلى أن الحديث عن أي اتفاق مرحلي أو جزئي أو العودة للأفق السياسي الذي كان مطروحاً من خلال مقترح المبعوث الأميركي ستيف وتكوف، لم يعُد مطروحاً بل أصبح المطروح الإعلان الإسرائيلي عن المفاوضات تحت النار في أفضل الظروف الراهنة، مع تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء في التعامل واستهداف قيادات حركة "حماس" في الخارج، مع الاستمرار في مخطط التعامل مع عناصر المكتب السياسي والإعلامي، وهو ما اتضح في استمرار سياسة التصفية لعناصر الجناح العسكري في الداخل.
إضافة لاستمرار مخطط احتلال مدينة غزة، وإتمام العملية البرية في عمق المدينة، ما يؤكد أن إسرائيل لن تتوقف وستعلن احتلال كل القطاع وإعلان الحكم العسكري انتظاراً لما سيتم بكيفية إدارة القطاع، ووضعه تحت الإدارة الإسرائيلية، وعدم وجود أي بارقة أمل في استئناف المفاوضات بعد عملية الدوحة، ما قد يؤدي إلى تبعات خطيرة على بقاء الأوضاع على ما هي عليه، والتعجيل بتنفيذ مخطط الترحيل إلى منطقة الجنوب، وكذلك عدم وجود ضغوطات حقيقية على إسرائيل للتراجع عن مخططها الراهن في ظل دعم أميركي غير مسبوق يتضمن تأييد الخطوات الإسرائيلية الراهنة.
ويزداد المشهد صعوبة مع توقف المفاوضات من قبل الوسيطين المصري والقطري، لحين مراجعة مجمل السلوك الإسرائيلي وتجاوزاته – برغم إعلان قطر استمرار جهودها التفاوضية، كما برز في خطاب رئيس الوزراء القطري في القمة العربية الإسلامية، وهو الأمر الذي سيكون له تأثيراته الحقيقية على نفسية سكان القطاع، في التعامل والتمسك بالوجود على الأرض ومواجهة المخطط الإسرائيلي الجاري تنفيذه، ودخول الحكومة الإسرائيلية على خط تحفيز سكان قطاع غزة ليس فقط للترحيل إلى الجنوب، وتفريغ القطاع بل وإتمام الهجرة الطوعية من خلال الترحيل إلى دول أخرى مع تقديم التسهيلات اللازمة لهذا الأمر.
وفي الأثناء لا يوجد أي مواقف لحركة «حماس» للتجاوب مع أي طرح، وانكفاء الحركة مؤخراً على ذاتها لتقييم الموقف الراهن، حيث من الواضح أن الحركة تراجع مسارات نشاطها في الخارج، إضافة إلى تحديد وجهتها المقبلة سواء بالاستمرار في قطر، وهو أمر سيكون محل تشكك في حال ممارسة ضغوطات على الدوحة بإخراج قيادات المكتب السياسي من أراضيها.
في هذا السياق تترقب كل الأطراف الرئيسية، ما سوف تنتهي إليه العملية العسكرية الجارية وتقييم كل طرف (مصر – قطر – الولايات المتحدة) النتائج، ومن ثم ليس أمام سكان القطاع وبصرف النظر عن تنفيذ مخطط التهجير إلى الجنوب بدائل كثيرة، بل سيكون أمامهم الرحيل عن القطاع والتجاوب مع الطرح الإسرائيلي، خاصة مع التسهيلات المقدمة من الحكومة الإسرائيلية والتخوف من تعرض حياتهم للخطر حال التمسك بالتمركز في مناطق غير آمنة وفي ظل وجود المخطط الإسرائيلي، وتصميم الحكومة الإسرائيلية على تنفيذه ما يضيق الخناق على سكان القطاع، ويجعلهم يفقدون الأمل في الاستمرار مع عدم وجود أي فرص لوقف إطلاق النار أو العودة إلى التفاوض.
ومع استمرار الضغوطات سيفقد سكان القطاع الأمل وسيكون أمامهم خياران الأول: القبول بالتحرك إلى الجنوب، حيث يمكن نقل آلاف الفلسطينيين دون توفير فرص الإعاشة المطلوبة واحتمال إقدام إسرائيل على قطع الإمدادات، وغلق معبر كرم أبوسالم، ما سيؤدي إلى كارثة إنسانية في إطار ممارسة أكبر قدر من الضغوطات على الفلسطينيين للرحيل، أو القيام بعمل غير مسؤول لاجتياز منطقة الحدود مع مصر بالقوة للخروج من هذا الموقف.
الثاني: الإقدام على الخروج الآمن من القطاع إلى دول أخرى بالتنسيق مع إسرائيل، وهو ما سيتم على مراحل في حال تعثر الحياة في الجنوب، وإقدام إسرائيل على دفع سكان القطاع إلى الهجرة الطوعية، وهو ما سيفرّغ القطاع من سكانه بالفعل في إطار تنفيذ المخطط خاصة، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو طلب من رئيس الأركان إيال زامير الإسراع في تنفيذ العملية العسكرية وعدم التأخير في مراحلها.
(الاتحاد الإماراتية)